فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب رحمة الناس والبهائم

باب رَحْمَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ
( باب رحمة الناس بالبهائم) كذا في الفرع وفي أصله وغيره الشراح بالواو بدل الموحدة وهو ظاهر من الأحاديث المسوقة في الباب وليس فيها ما يدل للأوّل.


[ قــ :5685 ... غــ : 6008 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِى سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِى أَهْلِنَا فَأَخْبَرْنَاهُ، وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا فَقَالَ «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن إبراهيم يعرف بأمه علية قال: ( حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني ( عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي ( عن أبي سليمان مالك بن الحويرث) الليثي نزيل البصرة أنه ( قال: أتينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن شببة) جمع شاب مثل كتبة وكاتب ( متقاربون) في السن ( فأقمنا عنده عشرين ليلة فظن) عليه
الصلاة والسلام ( أنّا اشتقنا أهلنا) ولأبي ذر: إلى أهلينا بزيادة حرف الجرّ والتحتية الساكنة بعد اللام ( وسألنا) بفتح اللام ( عمن تركنا في أهلنا) ولأبي ذر في أهلينا ( فأخبرناه) بذلك ( وكان رفيقًا) بالفاء ثم القاف من الرفق، ولأبي ذر عن الكشميهني رقيقًا بقافين من الرقة ( رحيمًا فقال) لهم: ( ارجعوا إلى أهليكم) من المجموع النادرة حيث يجمع على الأهلين والأهلات والأهالي ( فعلموهم) أي الشرع ( ومروهم) بالمأمورات أو علموهم الصلاة وأمروهم بها ( وصلوا كما رأيتموني أصلي وإذا) بالواو ولأبي ذر فإذا ( حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم) ولأبي ذر وليؤمكم بالواو بدل ثم ( أكبركم) سنًّا.

والحديث قد مرّ في باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة من كتاب الصلاة.




[ قــ :5686 ... غــ : 6009 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِى كَانَ بَلَغَ بِى، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ»، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِى الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ، «فِى كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدثني) بالإفراد ( مالك) إمام دار الهجرة ( عن سميّ) بضم السين وفتح الميم وتشديد التحتية ( مولى أبي بكر) أي ابن عبد الرحمن المخزومي ( عن أبي صالح) ذكوان ( السمان عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( بينما) بالميم ( رجل) أي يسم ( يمشي بطريق اشتد) ولأبي ذر واشتد ( عليه العطش فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب ثم خرج) منها ( فإذا كلب يلهث) بالمثلثة يخرج لسانه من العطش ( يأكل الثرى) بالمثلثة التراب الندي ( من العطش) الشديد الذي أصابه ( فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب) بالنصب على المفعولية ( من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه) أي بفمه ( فسقى الكلب فشكر الله) عز وجل ( له) ذلك أي جازاه عليه ( فغفر له قالوا: يا رسول الله وإن لنا في) سقي ( البهائم أجرًا؟ فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في) ولأبي ذر عن الكشمهني نعم في ( كل ذات كبد رطبة) أي في سقي كل حيوان ( أجر) والرطوبة كناية عن الحياة.

وهذا الحديث سبق في باب فضل سقي الماء من الشرب.




[ قــ :5687 ... غــ : 6010 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى صَلاَةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ فَقَالَ أَعْرَابِىٌّ وَهْوَ فِى
الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى وَمُحَمَّدًا وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلأَعْرَابِىِّ: «لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا» يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف ( أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( قال: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاة وقمنا معه فقال أعرابي) قيل هو الخويصرة وقيل الأقرع بن حابس ( وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا فلما سلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الصلاة ( قال للأعرابي) :
( لقد حجرت) بفتح المهملة وتشديد الجيم وسكون الراء ضيقت ( واسعًا) وخصصت ما هو عام ( يريد) عليه الصلاة والسلام ( رحمةَ الله) عز وجل التي وسعت كل شيء.

والحديث من إفراده.




[ قــ :5688 ... غــ : 6011 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِى تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة ( عن عامر) هو الشعبي أنه ( قال: سمعته يقول: سمعت النعمان بن بشير) الأنصاري -رضي الله عنه- ( يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ترى المؤمنين في تراحمهم) بأن يرحم بعضهم بعضًا بأخوة الإسلام لا بسبب آخر ( وتوادّهم) بتشديد الدال وأصله بدالين فأدغمت الأولى في الثانية أي تواصلهم الجالب للمحبة كالتزاور والتهادي ( وتعاطفهم) بأن يعين بعضهم بعضًا كما يعطف طرف الثوب عليه ليقويه ( كمثل الجسد) بالنسبة إلى جميع أعضائه ومثل بفتحتين ( إذا اشتكى عضوًا) منه ( تداعى له سائر جسده) دعا بعضه بعضًا إلى المشاركة ( بالسهر) لأن لم يمنع النوم ( والحمى) لأن فقد النوم يثيرها، والحاصل أن مثل الجسد في كونه إذا اشتكى بعضه اشتكى كله كالشجرة إذا ضرب غصن من أغصانها اهتزت الأغصان كلها بالتحرك والاضطراب وفيه جواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني للأفهام.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب أيضًا.




[ قــ :5689 ... غــ : 601 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ غَرَسَ غَرْسًا فَأَكَلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً».

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري
( عن قتادة) بن دعامة ( عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- سقط لأبي ذر ابن مالك ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( ما من مسلم غرس غرسًا فأكل) بلفظ الماضي كغرس ولأبي ذر عن الكشميهني يأكل ( منه إنسان أو دابة) من عطف العام على الخاص إن كان المراد ما دب على الأرض أو من عطف الجنس على الجنس إن كان المراد الدابة المعروفة ( إلا كان له صدقة) ولأبي ذر له به صدقة وإن لم يقصد ذلك عينًا.

والحديث سبق في المزارعة.




[ قــ :5690 ... غــ : 6013 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ».

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص) قال: ( حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران ( قال: حدثني) بالإفراد ( زيد بن وهب) أبو سليمان الهمداني ( قال: سمعت جرير بن عبد الله) البجلي ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( من لا يرحم) الخلق من مؤمن وكافر وبهائم مملوكة وغيرها كأن يتعاهدهم بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب في الدنيا ( لا يرحم) في الآخرة ويرحم الأولى للفاعل والثانية للمفعول، وعند الطبراني: من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء.
وقال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون المعنى من لا يرحم نفسه بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه لا يرحمه الله لأنه ليس له عنده عهد فتكون الرحمة الأولى بمعنى الأعمال والثانية بمعنى الجزاء أي لا يثاب إلا من عمل صالحًا، وفي إطلاق رحمة العباد في مقابلة رحمة الله نوع مشاكلة ويرحم مرفوع على أن من موصولة والجزم على تضمنها معنى الشرط.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم في فضائله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.