فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: خمس من الدواب فواسق، يقتلن في الحرم

بَابَ إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الآخَرِ شِفَاءً وَخَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا وقع الذباب) بالمعجمة واحده ذبابة ولا تقل ذبابة (في شراب أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه) ولأبوي ذر والوقت في إحدى جناحيه (داء وفي الآخر) ولهما الأخرى (شفاء وخمس من الدواب) جمع دابة من دب على الأرض يدب دبيبًا (فواسق) صفة المبتدأ وهو خمس وخبره (يقتلن) بضم أوله مبنيًا للمفعول (في الحرم) ففي الحل أولى والتبويب وتاليه ثابت في الفرع لأبي ذر.
قال الحافظ ابن حجر وقوله إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثابت في رواية السرخسي ولا معنى لذكره هنا.
قال: ووقع عنده أيضًا باب: خمس من الدواب فواسق، وسقط من رواية غيره وهو أولى.


[ قــ :3161 ... غــ : 3314 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عَنْهَا - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْحُدَيَّا وَالْغُرَابُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ».

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(خمس) أي من الدواب كما في الرواية الآتية (فواسق يقتلن في الحرم) والحل (الفأرة) بالهمز (والعقرب) وهو أصناف الجرارة والطيارة وما له من ذنب كالحربة وما له من ذنب معقف وفيها السود والخضر والصفر ولها ثمانية أرجل وعيناها في ظهرها، ومن عجيب أمرها أنها لا تضرب الميت ولا المغشي عليه ولا النائم إلا أن يتحرك شيء من بدنه فإنها عند ذلك تضربه (والحديا)، بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وتشديد التحتية مقصورًا من غير همز تصغير حدأة كعنبة الطائر المعروف.
قيل: وفي طبعها أنها تقف في الطيران وليس ذلك لغيرها من الكواسر (والغراب) وهو معروف وسمي بذلك لسواده ومنه قوله تعالى: { وغرابيب سود} ) [فاطر: 27] .
وهما لفظتان بمعنى واحد.
والعرب تتشاءم به ولذلك اشتقوا من اسمه الغربة والاغتراب وغراب البين الأبقع.
قال صاحب المجالسة: سمي غراب البين لأن بأن عنه نوح عليه السلام لما وجهه إلى الماء فذهب ولم يرجع، وقال ابن قتيبة: سمي فاسقًا لتخلفه حين أرسله نوح عليه السلام ليأتيه بخبر الأرض فترك أمره ووقع على جيفة.
(والكلب العقور) الجارح وهو معروف إذا عقر إنسانًا عرض له أمراض ردئية.

وسبق هذا الحديث في كتاب الحج في باب ما يقتل المحرم من الدواب.




[ قــ :316 ... غــ : 3315 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهْوَ مُحْرِمٌ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ: الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرَّحمن المدني مولى ابن عمر ( عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم فلا جناح) لا إثم ( عليه) في قتلهن ( العقرب، والفأرة، والكلب العقور، والغراب، والحدأة) بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين مهموزًا.




[ قــ :3163 ... غــ : 3316 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كَثِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- رَفَعَهُ قَالَ: «خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ المَسَاءِ، فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ».

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَبِيبٌ عَنْ عَطَاءٍ: "فَإِنَّ لِلشَّيَاطِينِ".

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) أبو الحسن الأسدي البصري قال: ( حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي ( عن كثير) بالمثلثة ابن شنظير بكسر الشين والظاء المعجمتين بينهما نون ساكنة وبعد التحتية الساكنة راء البصري وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وتوبع عليه كما في آخره وآخر في السلام على المصلي، وله متابع عند مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر ( عن عطاء) هو ابن أبي رباح ( عن جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما- رفعه) أي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ( قال) قال الكرماني: وإنما قال رفعه لأنه أعم من أن يكون بالواسطة أو بدونها وأن يكون الرفع مقارنًا لرواية الحديث أم لا.
فأراد الإشارة إليه.
وقال في الفتح: وقع عند الإسماعيلى من وجهين عن حماد بن زيد قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( خمّروا الآنية) بالخاء المعجمة والميم المشددة غطوها ( وأوكوا الأسقية) بفتح الهمزة وسكون الواو وضم الكاف من غير همز شدوها بالوكاء وهو الخيط ( وأجيفوا الأبواب) بفتح الهمزة وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة فاء أغلقوها ( واكفتوا صبيانكم) بهمزة وصل وكسر الفاء بعدها فوقية، وفي بعض النسخ بضم الفاء أي ضموهم ( عند العشاء) بكسر العين المهملة وضبب عليها في الفرع كأصله، ولأبوي ذر والوقت: عند المساء ( فإن للجن) حينئذ ( انتشارًا وخطفة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة وفتح الفاء أخذًا للشيء بسرعة ( واطفئوا المصابيح) بهمزة قطع
وسكون المهملة وكسر الفاء بعدها همزة مضمومة ( عند الرقاد) أي عند إرادة النوم ( فإن الفويسقة) الفأرة ( ربما اجترت الفتيلة) من المصباح بالجيم الساكنة والفوقية والراء المشددة المفتوحتين ( فأحرقت أهل البيت) والأوامر في هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة أو للندبية خصوصًا من ينوي بفعلها الامتثال.

( قال ابن جريج) : عبد الملك بن عبد العزيز فيما وصله المؤلّف في أوائل هذا الباب، ( وحبيب) بفتح الحاء المهملة المعلم فيما وصله أحمد وأبو يعلى من طريق حماد بن سلمة عنه كلاهما ( عن عطاء) هو ابن أبي رباح ( فإن للشيطان) ولأبي ذر: فإن للشياطين بدل قوله فإن للجن ولا تضاد بينهما إذ لا محذور في انتشار المصنفين أو هما حقيقة واحدة يختلفان بالصفات قاله الكرماني.




[ قــ :3164 ... غــ : 3317 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَارٍ، فَنَزَلَتْ: { وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا} وَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ إِذْ خَرَجَتْ حَيَّةٌ مِنْ جُحْرِهَا، فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا، فَسَبَقَتْنَا فَدَخَلَتْ جُحْرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا".
وَعَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ .. مِثْلَهُ.
قَالَ: "وَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ رَطْبَةً".
وَتَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ.

وَقَالَ حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.

وبه قال: ( حدّثنا عبدة بن عبد الله) الصفار الخزاعي قال: ( أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان القرشي الكوفي صاحب الثوري ( عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن إبراهيم) النخعي ( عن علقمة) بن قيس النخعي عم الأسود بن يزيد ( عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه ( قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غار) بمنى ( فنزلت) عليه ( { والمرسلات عرفًا} ) [المرسلات: 1] .
( فإنا لنتلقاها من فيهِ) أي من فمه ( إذ خرجت حية من جحرها) بتقديم الجيم المضمومة على الحاء المهملة الساكنة ( فابتدرناها) تسابقنا إليها ( لنقتلها فسبقتنا فدخلت جحرها فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
( وقيت شركم كما وقيتم شرها) بضم الواو وتخفيف القاف مكسورة فيهما وشر نصب كلاهما.
( و) روى هذا الحديث يحيى بن آدم ( عن إسرائيل) بن يونس ( عن الأعمش) سليمان بن مهران كما رواه عن منصور بن المعتمر كلاهما ( عن إبراهيم) النخعي ( عن علقمة) بن قيس ( عن عبد الله) بن مسعود ( مثله.
قال: وإنا لنتلقاها من فيه)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( رطبة) غضة طرية أوّل ما تلاها.

( وتابعه) أي وتابع إسرائيل ( أبو عوانة) الوضاح اليشكري في روايته ( عن مغيرة) بن مقسم بكسر الميم فيما وصله في تفسير سورة المرسلات.
( وقال حفص) : هو ابن غياث مما وصله في الحج ( وأبو معاوية) الضرير فيما وصله مسلم ( وسليمان بن قرم) بفتح القاف وسكون الراء آخره ميم الضبي مما قال الحافظ ابن حجر لم أقف عليه موصولاً الثلاثة ( عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود) بدل علقمة ( عن عبد الله) يعني ابن مسعود، وسقط لغير أبي ذر عن عبد الله.




[ قــ :3165 ... غــ : 3318 ]
- حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خِشَاشِ الأَرْضِ».
قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.

وبه قال: ( حدّثنا نصر بن علي) الجهضمي الأزدي البصري قال: ( أخبرنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة البصري قال: ( حدّثنا عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة ( ابن عمر) بن حفص العمري ( عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) :
( دخلت امرأة النار) قال في الفتح: لم أقف على اسمها، وفي رواية أنها حميرية، وفي أخرى أنها من بني إسرائيل ولا تضاد بينهما لأن طائفة من حمير دخلوا في اليهودية فنسبت إلى دينها تارة وإلى قبيلتها أخرى ( في) أي بسبب ( هرة) أنثى السنور وجمعها هرر مثل قربة وقرب ( ربطتها) وفي باب: فضل سقي الماء من كتاب الشرب حبستها حتى ماتت جوعًا ( فلم تطعمها) الفاء تفصيل وتفسير للربط ( ولم تدعها) أي لم تتركها ( تأكل من خشاش الأرض) بتثليث الخاء المعجمة في الفرع كأصله وبشينين معجمتين بينهما ألف أي حشراتها كالفأرة، وهذا مما استدركته عائشة على أبي هريرة وقالت له: أتدري ما كانت المرأة، وإن المرأة مع ما فعلت كانت كافرة إن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة، فإذا حدثت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فانظر كيف تحدث.

( قال) عبد الأعلى السامي: ( وحدّثنا عبيد الله) بن عمر العمري ( عن سعيد المقبري عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) .




[ قــ :3166 ... غــ : 3319 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً»؟
وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن أبي
الزناد)
عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرَّحمن ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( نزل نبي من الأنبياء) عزير أو موسى ( تحت شجرة فلدغته) بالدال المهملة والغين المعجمة قرصته ( نملة) سميت نملة لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قوائمها ( فأمر بجهازه) بفتح الجيم وكسرها أي بمتاعه ( فأخرج من تحتها) أي من تحت الشجرة ( ثم أمر ببيتها) أي ببيت النملة.
وفي الجهاد من طريق الزهري بقرية النمل أي موضع اجتماعها ( فأحرق بالنار فأوحى الله) عز وجل ( إليه) إلى ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فهلا) أحرقت ( نملة واحدة) ؟ وهي التي قرصتك دون غيرها إذ لم يقع منها ما يقتضي إحراقها.
وقول النووي ولعله كان جائزًا في شريعة ذلك النبي قتل النمل والتعذيب بالنار متعقب بأنه لو كان جائزًا لم يعاتب أصلاً ورأسًا.
ولا يجوز عندنا قتل النمل لحديث ابن عباس المروي في السنن: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن قتل النملة والنحلة، لكن خص الخطابي النهي بالسليماني الكبير أما الصغير المسمى بالذر فقتله جائز، وكره مالك قتل النمل إلا أن يضر ولا يقدر على دفعه إلاّ بالقتل.

وقال الدميري: قوله هلاًّ نملة واحدة دليل على جواز قتل المؤذي وكل قتل كان لنفع أو دفع ضرر فلا بأس به عند العلماء ولم يخص تلك النملة التي لدغت من غيرها لأنه ليس المراد القصاص لأنه لو أراده لقال: هلاًّ نملتك التي لدغتك، ولكن قال: هلاًّ نملة فكأن نملة تعم البريء والجاني، وقد ذكر أن لهذه القصة سببًا وهو أن هذا النبي مرّ على قرية أهلكها الله بذنوب أهلها فوقف متعجبًا فقال: يا رب كان فيهم صبيان ودواب ومن لم يقترف ذنبًا ثم نزل تحت شجرة فجرت له هذه القصة فنبهه الله عز وجل على أن الجنس المؤذي يقتل وإن لم يؤذ، والحاصل أن العقوبة من الله عز وجل تعم فتصير رحمة على المطيع وطهارة له وشرًّا ونقمة على العاصي.

( لطيفة) :
روى الدارقطني والحاكم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مما ذكره في حياة الحيوان أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تقتلوا النمل فإن سليمان عليه السلام خرج ذات يوم يستسقي فإذا هو بنملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها تقول: اللهم إنّا خلق من خلقك لا غنى لنا عن فضلك.
اللهم لا تؤاخذنا بذنوب عبادة الخاطئين واسقنا مطرًا تنبت لنا به شجرًا وأطعمنا ثمرًا.
فقال سليمان عليه السلام لقومه: ارجعوا فقد كفينا وسقيتم بغيركم".