فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب هدية ما يكره لبسها

باب هَدِيَّةِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهَا
( باب) جواز ( هدية ما يكره لبسها) أنّث باعتبار الحلّة وفي نسخة بالفرع وأصله، ونسبها الحافظ ابن حجر للنسفي لبسه بالتذكير والكراهة هنا أعم من التنزيه والتحريم.


[ قــ :2498 ... غــ : 2612 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَهَا فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ.
قَالَ: إِنَّمَا يَلْبَسُهَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ.
ثُمَّ جَاءَتْ حُلَلٌ، فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَرَ مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ: أَكَسَوْتَنِيهَا وَقُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا.
فَكَسَا عُمَرُ أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: رأى عمر بن الخطاب حلّة سيراء) بكسر السين المهملة وفتح المثناة التحتية وبالراء ممدودًا قال الخليل ليس في الكلام فعلاء بكسر أوّله مع المد سوى سيراء وحولاء وهو الماء الذي يخرج على رأس الولد وعنباء لغة في العنب وقوله حلة بالتنوين في الفرع وأصله وغيرهما على الصفة.
وقال عياض: ضبطناه على متقني شيوخنا حلّة سيراء على الإضافة وهو أيضًا في اليونينية، وقال النووي: إنه قول المحققين ومتقني العربية وأنه من إضافة الشيء لصفته كما قالوا ثوب خزّ قال مالك: والسيراء هو الوشي من الحرير، وقال

الأصمعي: ثياب فيها خطوط من حرير أو قزّ وإنما قيل لها سيراء لتسيير الخطوط فيها، وقيل الحرير الصافي والمعنى رأى حلّة حرير تباع ( عند باب المسجد) وفي رواية جرير بن حازم عن نافع عند مسلم رأى عمر عطاردًا التميمي يقيم حقة بالسوق وكان رجلاً يغشى الملوك ويصيب منهم ( فقال: يا رسول الله لو اشتريتها فلبستها يوم الجمعة وللوفد) زاد في اللباس إذا أتوك ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( إنما يلبسها) أي حلة الحرير ( من لا خَلاق) أي لا حظّ ( له) منه أي من الحرير ( في الآخرة) ( ثم جاءت) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( حُلَل) أي سيراء منها ( فأعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر منها حلّة) زاد في رواية جرير بن حازم وبعث إلى أسامة بحلّة، وأعطى علي بن أبي طالب حلّة، ولأبي ذر: فأعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها حلّة لعمر ( وقال) بالواو أي عمر، ولأبي ذر: فقال ( أكسوتنيها) بهمزة الاستفهام وفي رواية جرير بن حازم فجاء عمر بحلّته يحملها فقال بعثت إليّ بهذه ( وقلت في حلّة عطارد) هو ابن حاجب بن زرارة بن عدس بمهملات الدارمي وكان من جملة وفد بني تميم أصحاب الحجرات وقد أسلم وحسن إسلامه ( ما قلت) أي مما يدل على التحريم ( فقال) عليه الصلاة والسلام ( إني لم أكسكها لتلبسها) وفي اللباس فقال: إنما بعثت إليك لتبيعها أو تكسوها ( فكسا) بحذف الضمير المنصوب، ولأبي ذر والأصيلي: فكساها ( عمر أخًا له) من أمه أو من الرضاع وسماه ابن بشكوال في المبهمات نقلاً عن ابن الحذاء عثمان بن حكيم.
قال الدمياطي: وهو السلمي أخو خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص قال: وهو أخو زيد بن الخطاب لأمه فمن أطلق عليه أنه أخو عمر لأمه لم يصب.
وأجيب: باحتمال أن يكون عمر ارتضع من أم أخيه زيد فيكون عثمان هذا أخًا لعمر لأمه من الرضاع وقوله له في محل نصب صفة لأخًا أي أخًا كائنًا له وكذا قوله ( بمكة مشركًا) صفة بعد صفة قبل إسلامه.

ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، وسبق الحديث في الجمعة، ويأتي إن شاء الله تعالى في اللباس بعون الله وقوّته.




[ قــ :499 ... غــ : 613 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا، وَجَاءَ عَلِيٌّ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ عَلَى بَابِهَا سِتْرًا مَوْشِيًّا، فَقَالَ: مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ فَأَتَاهَا عَلِيٌّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ: لِيَأْمُرْنِي فِيهِ بِمَا شَاءَ.
قَالَ: نُرْسِلُ بِهِ إِلَى فُلاَنٍ، أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ".

وبه قال ( حدّثنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي الحسين الحافظ ( أبو جعفر) الكوفي نزيل فيد بفتح الفاء وسكون التحتية آخره دال مهملة بلد بين بغداد ومكة.
وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل عندي أن يكون هو أبا جعفر القومسي الحافظ المشهور، فقد أخرج عنه البخاري حديثًا غير هذا في المغازي، وإنما جوّزت ذلك لأن المشهور في كنية الفيدي أبو عبد الله بخلاف القومسي فكنيته أبو

جعفر بلا خلاف وبالأول جزم الكلاباذي قال: ( حدّثنا ابن فضيل) محمد ( عن أبيه) فضيل بن غزوان ( عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيت فاطمة بنته) -رضي الله عنها- وسقط قوله بنته في كثير من النسخ ( فلم يدخل عليها) زاد في رواية ابن نمير عن فضيل عن أبي داود وابن حبان قال: وقلّما كان يدخل إلا بإذنها، ( وجاء علي) زوجها -رضي الله عنهما- زاد ابن نمير فرآها مهتمة ( فذكرت له ذلك) الذي وقع منه عليه الصلاة والسلام من عدم دخوله عليها ( فذكره) في ( للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية ابن نمير فقال: يا رسول الله اشتد عليها أنك جئت فلم تدخل عليها ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( إني رأيت على بابها سترًا موشيًا) بفتح الميم وسكون الواو وكسر المعجمة وبعدها تحتية أي مخططًا بألوان شتى ( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( ما لي وللدنيا) ( فأتاها عليّ) -رضي الله عنه- ( فذكر ذلك) الذي قاله عليه الصلاة والسلام ( لها، فقالت ليأمرني) بالجزم على الأمر ( فيه) أي في الستر ( بما شاء، قال) : عليه الصلاة والسلام لما بلغه قولها ليأمرني فيه بما شاء ( ترسل به) أي بالستر الموشى وترسل بضم اللام أي فاطمة، ولأبي ذر: ترسلي بحذف النون على لغة.
وقال في المصابيح: فيه شاهد على حذف لام الأمر وبقاء عملها مثل قوله:
محمد تفد نفسك كل نفس ... إذا ما خفت من أمر تبالا
ويحتمل وهو الأولى أن يخرج على حذف أن الناصبة وبقاء عملها أي آمرك أن ترسلي به ( إلى فلان أهل بيت) بالهاء والجر بدل من سابقه، وفي نسخة آل بهمزة ممدودة وإسقاط الهاء ( بهم حاجة) وليس ستر الباب حرامًا لكنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كره لابنته ما كره لنفسه من تعجيل الطيبات.
قال الكرماني: أو لأن فيه صورًا ونقوشًا.

وهذا الحديث أخرجه أبو داود في اللباس.




[ قــ :500 ... غــ : 614 ]
- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَهْدَى إِلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةً سِيَرَاءَ، فَلَبِسْتُهَا، فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي".
[الحديث 614 - طرفاه في: 5366، 5840] .

وبه قال: ( حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم السلمي الأنماطي البصري قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبد الملك بن ميسرة) ضدّ الميمنة الهلالي الكوفي وفي اليونينية ابن ميسرة بخفض ابن والظاهر أنه سبق قلم ( قال: سمعت زيد بن وهب) الجهني أبا سليمان الكوفي المخضرم ( عن عليّ) هو ابن أبي طالب ( رضي الله عنه) أنه ( قال) : ( أهدى) بفتح الهمزة والدال ( إليّ) بتشديد التحتية ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلّة سيراء) نوع من البرود يخالطه حرير وحلة بالتنوين ولغير أبي ذر حلة سيراء بإسقاط التنوين للإضافة ( فلبستها فرأيت الغضب في وجهه) زاد

مسلم في رواية أبي صالح فقال: إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشفها خمرًا بين النساء ( فشققتها بين نسائي) أي قطعتها ففرّقتها عليهن خمرًا بضم الخاء المعجمة وبالميم جمع خمار بكسر أوّله مع التخفيف ما تغطي به المرأة رأسها والمراد بقوله نسائي ما فسره في رواية أبي صالح حيث قال: بين الفواطم.

قال ابن قتيبة: المراد بالفواطم فاطمة بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفاطمة بنت أسد بن هاشم والدة عليّ ولا أعرف الثالثة، وذكر أبو منصور الأزهري أنها فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، وقد أخرج الطحاوي وابن أبي الدنيا في كتاب الهدايا وعبد الغني بن سعيد في المبهمات وابن عبد البرّ كلهم من طريق يزيد بن أبي زياد عن أبي فاختة عن هبيرة بن يريم بتحتية ثم راء بوزن عظيم عن عليّ في نحو هذه القصة قال: فشققت منها أربعة أخمرة فذكر الثلاثة المذكورات قال: ونسي يزيد الرابعة.
وقال عياض: لعلها فاطمة امرأة عقيل بن أبي طالب وهي بنت شيبة بن ربيعة، وقيل بنت عتبة بن ربيعة، وقيل بنت الوليد بن عتبة.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله فرأيت الغضب في وجهه فإنه دالٌّ على أنه كره له لبسها مع كونه أهداها له، وهذه الحلّة كان أهداها عليه الصلاة والسلام أكيدر دومة كما في مسلم.

وقد أخرج المؤلّف حديث الباب أيضًا في النفقات واللباس ومسلم في اللباس والنسائي في الزينة.