فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما جاء في سبع أرضين

باب مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12] .
{ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} : السَّمَاءُ.
{ سَمْكَهَا} : بِنَاءَهَا.
{ الْحُبُكُ} : اسْتِوَاؤُهَا وَحُسْنُهَا.
{ وَأَذِنَتْ} : سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ.
{ وَأَلْقَتْ} : أَخْرَجَتْ مَا فِيهَا مِنَ الْمَوْتَى، { وَتَخَلَّتْ} عَنْهُمْ.
{ طَحَاهَا} أَي دَحَاهَا.
{ بالسَّاهِرَةُ} : وَجْهُ الأَرْضِ، كَانَ فِيهَا الْحَيَوَانُ نَوْمُهُمْ وَسَهَرُهُمْ.

(باب ما جاء في) وصف (سبع أرضين) بفتح الراء (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على السابق، ولأبي ذر وابن عساكر سبحانه بدل قوله تعالى: ({ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} ) في العدد، وفيه دلالة على أن بعضها فوق بعض كالسماوات.
وعن بعض المتكلمين أن المثلية في العدد خاصة وأن السبع متجاورة.
وقال ابن كثير: ومن حمل ذلك على سبع
أقاليم فقد أبعد النجعة وخالف القرآن، واختلف هل أهل هذه الأرضين يشاهدون السماء ويستمدون الضوء منها؟ فقيل: يشاهدونها من كل جانب من أرضهم ويستمدون الضوء منها، وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة وقيل لا وإنما خلق الله تعالى لهم ضياء يشاهدونه وهذا قول من جعل الأرض كرة ({ يتنزل الأمر بينهن} ) بالوحي من السماء السابعة إلى الأرض السفلى ({ لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا} ) [الطلاق: 12] علة لخلق أو ليتنزل وهو يدل على كمال قدرته وعلمه.

وقال ابن جرير: حدّثنا عمرو بن قيس ومحمد بن مثنى قالا: حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في هذه الآية قال: في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من الخلق هكذا أخرجه مختصرًا وإسناده صحيح.

وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق عطاء بن السائب عن أبي الضحى مطوّلاً وأوله أي سبع أرضين في كل أرض آدم كآدمكم ونوح كنوحكم إبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيساكم ونبيّ كنبيكم.
قال البيهقي: إسناده صحيح إلا أنه شاذّ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعًا اهـ.

ففيه أنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما هو معروف عند أهل هذا الشأن، فقد يصح الإسناد ويكون في المتن شذوذ أو علة تقدح في صحته، ومثل هذا لا يثبت بالحديث الضعيف.
وقال في البداية وهذا محمول إن صح نقله على أن ابن عباس أخذه من الإسرائيليات اهـ.

وعلى تقدير ثبوته يحتمل أن يكون المعنى ثم من يقتدى به مسمى بهذه الأسماء وهم رسل الرسل الذين يبلغون الجن عن أنبياء الله ويسمى كلٍّ منهم باسم النبي الذي يبلغ عنه.

وقال الإمام أحمد: حدّثنا شريح، حدّثنا الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة قال: بينما نحن عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ مرّت سحابة فقال: "أتدرون ما هذه؟ " قال: قلنا الله ورسوله أعلم.
قال-: "العنان وروايا الأرض" الحديث.
وفيه: ثم قال: "أتدرون ما هذه تحتكم؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: "أرض أتدرون ما تحتها؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: "أرض أخرى" قال: "أتدرون كم بينهما؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: "مسيرة خمسمائة عام حتى عدّ سبع أرضين".
رواه الترمذي عن عبد بن حميد وغير واحد عن يونس بن محمد المؤدب عن شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة قال: حدث الحسن عن أبي هريرة وذكره إلا أنه ذكر أن بُعد ما بين كل أرضين خمسمائة عام.
ثم قال: هذا حديث غريب من هذا الوجه.
ويروى عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد أنهم قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة.
ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره من حديث أبي جعفر الرازي عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة فذكر مثل لفظ الترمذي.
ورواه ابن جرير في تفسيره عن بسر بن زيد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلاً، ولعله
أشبه.
ورواه البزار والبيهقي من حديث أبي ذر الغفاري عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنحوه.
قال في البداية: ولا يصح إسناده اهـ.

وحكى صاحب مناهج الفكر عن أصحاب الآثار مما نقله عن أهل الكتاب أن الله تعالى لما أراد أن يخلق المكانين خلق جوهرة ذكروا من طولها وعرضها ما لا تعجز القدرة عن إيجاده، ولا يسع الموحد إلاّ التمسك بعرى اعتقاده.
ثم نظر إليها نظر هيبة فانماعت وعلا عليها من شدة الخوف زبد ودخان فخلق من الزبد الأرض ومن الدخان السماء ثم فتقها سبعًا بعد أن كانت رتقًا وفسروا بهذا قوله تعالى: { ثم استوى إلى السماء وهي دخان} [فصلت: 11] .
واختلف أهل الآثار والقدماء في اللون المرئي للسماء هل هو أصلي أو عرضيّ؟ فذهب الآثاريون إلى أنه أصلي لحديث: "ما أظلت الخضراء ولا أقلّت الغبراء".
وزعم رواة الأخبار أن الأرض على ماء، والماء على صخرة، والصخرة على سنام ثور، والثور على كمكم، والكمكم على ظهر حوت، والحوت على الريح، والريح على حجاب ظلمة، والظلمة على الثرى، والى الثرى انتهى علم الخلائق.

وحكى ابن عبد البر في كتاب القصد والأمم إلى معرفة أنساب الأمم: أن مقدار المعمور من الأرض مائة وعشرون سنة تسعون ليأجوج ومأجوج، واثنا عشر للسودان، وثمانية للروم، وثلاثة للعرب، وسبعة لسائر الأمم اهـ.

وقد خلق الله الأرض قبل السماء كما قال تعالى: { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات} [البقرة: 29] .
وقال تعالى: { أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} [فصلت: 9، 10] .
ثم قال: { وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} أي تتمة أربعة أيام كقولك: سرت من البصرة إلى بغداد في عشر، وإلى الكوفة في خمس عشرة، ثم استوى إلى السماء أي قصد نحوها وهي دخان فقال لها وللأرض: { ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين} [فصلت: 11، 12] .
وأما قوله: ({ أنتم أشدّ خلقًا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 27 - 30] .
فأجيب عنه بأن الدحي غير الخلق وهذا بعد خلق السماء.

وبقية مباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في تفسير حم السجدة بعون الله وقوته.

وعند الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء.
وبثّ الدواب فيها يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل".
وهكذا رواه مسلم، لكن اختلف فيه على ابن جريج وقد تكلم فيه فقال البخاري في تاريخه، وقال بعضهم عن كعب الأحبار وهو أصح يعني أنه مما سمعه أبو هريرة وتلقاه عن كعب فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعًا.
وفي متنه غرابة شديدة فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر خلق السماوات وفيه ذكر خلق
الأرض وما فيها في سبعة أيام وهذا خلاف القرآن لأن الأرض خلقت في أربعة أيام ثم خلقت السماوات في يومين، ووقع في رواية أبي ذر بعد قوله: { ومن الأرض مثلهن} الآية فحذف بقيتها.

({ والسقف} ) بالجر عطفًا على المجرور السابق بواو القسم وهو قوله: { والطور المرفوع} [الطور: 5] .
صفة السقف وهو (السماء) وهذا تفسير مجاهد كما أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وغيرهما من طريق ابن أبي نجيح عنهما واختاره ابن جريج، واستدلّ سفيان بقوله تعالى: { وجعلنا السماء سقفًا محفوظًا} [الأنبياء: 32] .
وقال الربع بن أنس: هو العرش يعني أنه سقف لجميع المخلوقات.

({ سمكها} ) [النازعات: 28] .
بفتح السين المهملة وسكون الميم أراد به قوله تعالى: { رفع سمكها} أي (بناها) بالمد وهذا تفسير ابن عباس كما أخرجه ابن أبي حاتم وزاد في رواية غير أبي ذر وابن عساكر كان فيها حيوان.

({ الحبك} ) [الذاريات: 7] .
ولأبي ذر وابن عساكر والحبك يريد قوله تعالى: { والسماء ذات الحبك} أي (استواؤها وحسنها) قاله ابن عباس كما أخرجه ابن أبي حاتم.
وقال الحسن: حبكت بالنجوم عن ابن عباس أيضًا كما نقله ابن كثير من حسنها أنها مرتفعة شفافة صفيقة شديدة البناء متسعة الأرجاء أنيقة البهاء مكللة بالنجوم الثوابت والسيّارات موشحة بالشمس والقمر والكواكب الزاهرات.

وعند الطبري عن عبد الله بن عمرو أن المراد بالسماء هنا السابعة.
({ وأذنت} ) يشير إلى قوله تعالى: { إذا السماء انشقت وأذنت} [الانشقاق: 1] .
قال ابن عباس من طريق الضحاك أي (سمعت و) من طريق سعيد بن جبير عنه (أطاعت) رواهما ابن أبي حاتم ({ وألقت} ) [الانشقاق: 4] .
أي (أخرجت ما فيها من الموتى { وتخلت} عنهم) قاله مجاهد وغيره.
({ طحاها} ) [الشمس: 6] .
قال مجاهد فيما أخرجه عبد بن حميد (دحاها) أي بسطها.
({ الساهرة} ) [النازعات: 14] .
ولأبي ذر: بالساهرة.
قال عكرمة فيما أخرجه ابن أبي حاتم (وجه الأرض)، وقال مجاهد: كانوا بأسفلها فأخرجوا إلى أعلاها.
وقال ابن عباس: الأرض كلها (كان فيها الحيوان نومهم وسهرهم).
وقيل: المراد أرض القيامة، وعن سهل بن سعد الساعدي أرض بيضاء عفراء.
وقال الربيع بن أنس: فإذا هم بالساهرة.
يقول الله تعالى: { يوم تبدل الأرض غير الأرض} [إبراهيم: 48] .
فهي لا تعدّ من هذه الأرض وهي أرض لم يعمل عليها خطيئة ولم يهرق عليها دم.


[ قــ :3048 ... غــ : 3195 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَرثِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ- فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ».

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا (ابن علية)
بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية اسم أم إسماعيل بن إبراهيم (عن عليّ بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون ممدودًا أنه قال: (حدّثنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم (عن محمد بن إبراهيم بن الحرث) بن خالد التيمي المدني (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف واسمه عبد الله أو إسماعيل (وكانت بينه وبين أناس) بهمزة مضمومة ولابن عساكر: وبين ناس بحذفها ولم يقف الحافظ ابن حجر على أسمائهم لكن في مسلم: وكان بينه وبين قومه (خصومة في أرض فدخل على عائشة) -رضي الله عنها- (فذكر لها ذلك) بلام قبل الكاف ولأبي ذر: ذاك بإسقاطها (فقالت: يا أبا سلمة اجتنب الأرض) فلا تغصب منها شيئًا (فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من ظلم قيد شبر) بكسر القاف أي قدر شبر أي من الأرض (طوّقه) بضم الطاء المهملة وكسر الواو المشددة وبالقاف (من سبع أرضين) بفتح الراء أي يوم القيامة ففيه التنصيص على أن الأرضين سبع وهو المراد بالترجمة.

وهذا الحديث قد سبق في باب إثم من ظلم شيئًا من الأرض من كتاب المظالم.




[ قــ :3049 ... غــ : 3196 ]
- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ».

وبه قال: ( حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة المروزي ( قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي ( عن موسى بن عقبة) صاحب المغازي ( عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( من أخذ شيئًا) قلّ أو كثر ( من الأرض بغير حقه خسف به) أي بالآخذ غصبًا تلك الأرض المغصوبة ( يوم القيامة إلى سبع أرضين) فتصير له كالطوق في عنقه بعد أن يطوّله الله تعالى، أو أن هذه الصفات تتنوع لصاحب هذه الجناية على حسب قوّة هذه المفسدة وضعفها فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا.




[ قــ :3050 ... غــ : 3197 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ.
السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ -ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ- وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: ( حدّثنا عبد الوهاب) الثقفي قال: ( حدّثنا أيوب) السختياني ( عن محمد بن سيرين عن ابن أبي بكرة) عبد الرحمن ( عن) أبيه ( أبي
بكرة)
نفيع بن الحرث الثقفي ( -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( الزمان) قال التوربشتي: اسم لقليل الوقت وكثيره وأراد به هاهنا السنة ( قد استداره) أي الله ولأبي الوقت: استدار بحذف الضمير يعني عاد إلى زمنه المخصوص ( كهيئته) الهيئة صورة الشيء وشكله وحالته والكاف صفة مصدر محذوف أي استدار استدارة مثل حالته والذي في اليونينية قال: الزمان قد استدار كهيئته ( يوم خلق) الله ( السماوات والأرض) ولأبي ذر: كهيئة بحذف الضمير يوم خلق الله بذكر الفاعل لا إله إلا هو ولابن عساكر والأرضين بالجمع ( السنة اثنا عشر شهرًا) جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى، وأراد أن الزمان في انقسامه إلى الأعوام والأشهر عاد إلى أصل الحساب والوضع الذي ابتدأ منه وذلك أن العرب كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرًا آخر حتى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرد العدد وهو النسيء المذكور في قوله تعالى: ( { إنما النسيء} ) أي تأخير حرمة الشهر إلى آخر { زيادة في الكفر} [التوبة: 37] .
لأنه تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرمه فهو كفر آخر ضموه إلى كفرهم، قيل: أولى من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني كان يقوم على جمل في الموسم فينادي: إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه، ثم ينادي في القابل: إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحلل فحرّموه يفعل ذلك كل سنة بعد سنة فينتقل المحرم من شهر إلى شهر حتى جعلوه في جميع شهور السنة، فلما كانت تلك السنة عاد إلى زمنه المخصوص به قبل ودارت السنة كهيئتها الأولى، فاقتضى الدوران أن يكون الحج في ذي الحجة كما شرعه الله تعالى، وقول الزمخشري: وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة وكانت حجة أبي بكر قبلها في ذي القعدة قاله مجاهد.
وفيه نظر إذ كيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة وأنى هذا وقد قال الله تعالى: { وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} [التوبة: 3] الآية.
وإنما نودي بذلك في حجة أبي بكر فلو لم تكن في ذي الحجة لما قال تعالى: { يوم الحج الأكبر} قاله ابن كثير.
ونقل الحافظ ابن حجر أن يوسف بن عبد الملك زعم في كتابه تفضيل الأزمنة أن هذه المقالة صدرت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شهر مارس وهو آذار بالرومية وهو برمهات بالقبطية.

( منها) أي من السنة ( أربعة حرم: ثلاثة) ولابن عساكر ثلاث بحذف التاء لأن الشهر الذي هو واحد الأشهر بمعنى الليالي فاعتبر لذلك تأنيثه ( متواليات) هي ( ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر) عطف على ثلاث لا على والمحرم وأضافه إلى مضر لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من محافظة سائر العرب ولم يكن يستحله أحد من العرب ( الذي بين جمادى وشعبان) ذكره تأكيدًا وإزاحة للريب الحادث فيه من النسيء، وقيل: الأشبه أنه تأسيس وذلك أنهم كما مرّ كانوا يؤخرون الشهر من موضعه إلى شهر آخر فينتقل عن وقته الحقيقي، فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان لا رجب الذي هو عندكم وقد أنسأتموه".
قيل: والحكمة في جعل المحرم أول السنة ليحصل الابتداء بشهر حرام والختم بشهر حرام والتوسط بشهر حرام وهو رجب وأما توالي شهرين في الآخر فلإرادة تعضيد الختام والأعمال بخواتيمها.

وأما مطابقة الحديث للترجمة فقال العيني: تتأتى بالتعسف لأن الأحاديث المذكورة فيها التصريح بسبع أرضين وهنا المذكور لفظ الأرض فقط ولكن المراد منه سبع أرضين أيضًا اهـ.

ولا تعسف، فقد سبق في هذا الحديث هنا أن رواية ابن عساكر والأرضين بالجمع قال الحافظ ابن كثير: ومراد البخاري بذكر هذا الحديث هنا تقرير معنى قوله تعالى: { الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} [الطلاق: 1] .
أي في العدد كما أن عدة الشهور الآن اثنا عشر شهرًا مطابقة لعدة الشهور عند الله في كتابه الأول فهذه مطابقة في الزمان كما أن تلك مطابقة في المكان.

فائدة:
السنة مشتملة على ثلاثمائة وأربعة وخمسين يومًا وسدس يوم كذا ذكره صاحب المهذّب من الشافعية في الطلاق قالوا: لأن شهرًا منها ثلاثون، وشهرًا تسع وعشرون إلا ذا الحجة فإنه تسع وعشرون يومًا وخمس يوم وسدس يوم، واستشكله بعضهم وقال: لا أدري ما وجه زيادة الخمس والسدس! وصحح بعضهم أن السنة الهلالية ثلاثمائة وخمسة وخمسون يومًا وبه جزم ابن دحية في كتاب التنوير وذلك مقدار قطع البروج الاثني عشر التي ذكرها الله تعالى في كتابه، وسمي العام عامًا لأن الشمس عامت فيه حتى قطعت جملة الفلك لأنها تقطع الفلك كله في السنة مرة وتقطع في كل شهر برجًا من البروج الاثني عشر.
قال تعالى: { وكلٌّ في فلك يسبحون} [يس: 40] .
وفرق بعضهم بين السنة والعام بأن العام من أول المحرم إلى آخر ذي الحجة والسنة من كل يوم إلى مثله من القابلة.
نقله ابن الخباز في شرح اللمع له.

وهذا الحديث يأتي بأتم من هذا في حجة الوداع آخر المغازي إن شاء الله تعالى وبالله المستعان.




[ قــ :3051 ... غــ : 3198 ]
- حَدَّثَنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَن سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: "أَنَّهُ خَاصَمَتْهُ أَرْوَى -فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أَنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا- إِلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أَنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا؟ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ".
قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: "دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر وابن عساكر حدّثنا ( عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا واسمه في الأصل عبد الله الهباريّ القرشيّ الكوفي قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام ( عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح الفاء العدوي أحد العشرة المبشرة -رضي الله عنهم- ( أنه خاصمته أروى) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الواو مقصورًا بنت أبي أوس بالسين المهملة ( في حق زعمت أنه انتقصه لها)
وكان أرضًا ( إلى مروان) بن الحكم وكان يومئذ متولي المدينة ( فقال سعيد: أنا أنتقص من حقها شيئًا أشهد لسمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا فإنه يطوّقه) بفتح الواو المشددة مبنيًا للمفعول أي يصير كالطوق في عنقه ( يوم القيامة من سبع أرضين) فيعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كما جاء في غلظ جلد الكافر وعظم ضرسه وقد ترك سعيد الحق لأروى ودعا عليها فقال: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها فتقبل الله دعوته فعميت ومرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها.

( قال ابن أبي الزناد) عبد الرحمن بن عبد الله ( عن هشام عن أبيه) عروة ( قال: قال لي سعيد بن زيد: دخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي هذا التعليق بيان لقاء عروة سعيدًا والتصريح بسماعه منه الحديث المذكور، ففي هذه الأحاديث إثبات سبع أرضين والمراد أن كل واحدة فوق الأخرى، وفي حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعًا: أن بين كل أرض والتي تليها خمسمائة عام.