فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: لا تمنوا لقاء العدو

باب لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ
هذا ( باب) بالتنوين ( لا تمنوا لقاء العدوّ) بإسقاط إحدى التاءين من تمنوا تخفيفًا.


[ قــ :2890 ... غــ : 3024 ]
- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ الْيَرْبُوعِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: "حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، كُنْتُ كَاتِبًا لَهُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى حِينَ خَرَجَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ".

وبه قال: ( حدّثنا يوسف بن موسى) بن عيسى المروزي قال: ( حدّثنا عاصم بن يوسف اليربوعي) الخياط الكوفي قال: ( حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد ( الفزاري) بفتح الفاء والزاي وكسر الراء ( عن موسى بن عقبة قال: حدّثني) بالإفراد ( سالم) هو ابن أبي أمية ( أبو النضر) بفتح
النون وسكون الضاد المعجمة ( مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين فيهما التيمي المدني وكان أميرًا على حرب الخوارج قال: ( كنت كاتبًا له) أي لعمر بن عبيد الله لا لعبد الله بن أبي أوفى ( قال) : أي سالم ( كتب إليه) أي إلى عمر بن عبيد الله التيمي ( عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والفاء بينهما واو ساكنة وفي نسخة قال: كنت كاتبًا لعمر بن عبيد الله فأتاه كاتب عبد الله بن أبي أوفى ( حين خرج إلى الحرورية) بفتح الحاء المهملة ( فقرأته فإذا فيه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أيامه التي لقي فيها العدوّ انتظر) خبر إن ( حتى مالت الشمس) عن خط وسط السماء ( ثم قام في الناس) خطيبًا ( فقال) :



[ قــ :891 ... غــ : 305 ]
- "ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا -وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ.
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ".
.

     وَقَالَ  مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: "حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ: كُنْتُ كَاتِبًا لِعُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَأَتَاهُ كِتَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ".

( يا أيها الناس لا تمنوا لقاء العدوّ) بحذف إحدى تاءي تمنوا.

فإن قلت: تمني لقاء العدوّ جهاد والجهاد طاعة فكيف ينهى عن الطاعة؟ أجيب: بأن المرء لا يدري ما يؤول إليه الحال، وقصة الرجل الذي أثخنته الجراح في غزوة خيبر وقتل نفسه حتى آل أمره أن كان من أهل النار شاهدة لذلك، وقد روى سعيد بن منصور من طريق يحيى بن أبي بكر مرسلاً: لا تمنوا لقاء العدوّ فإنكم لا تدرون عسى أن تبتلوا بهم أو النهي لما في التمني من صورة الإعجاب والاتكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدوّ، وتمني الشهادة ليس مستلزمًا لتمني لقاء العدوّ فيجوز تمني لقاء العدوّ جهاد أو مستلزم له، وتمني الجهاد مستلزم للقاء العدوّ وهو يتضمن الضرر المذكور ولذا تممه عليه الصلاة والسلام بقوله:
( وسلوا الله العافية) من هذه المخاوف المتضمنة للقاء العدوّ وهو نظير سؤال العافية من الفتن، وقد قال الصدّيق الأكبر أبو بكر رضي الله عنه: لأن أعافى فأشكر أحبّ إليّ من أن أبتلى فأصبر، وهل يؤخذ منه منع طلب المبارزة لأنه من تمنى لقاء العدوّ، ومن ثم قال عليّ لابنه: يا بني لا تدع أحدًا إلى المبارزة ومن دعاك إليها فاخرج إليه لأنه باغٍ، والله قد ضمن نصر من بُغي عليه، ولطلب المبارزة شروط معروفة في الفقه إذا اجتمعت أمن معها المحذور في لقاء العدوّ المنهي عن تمنّيه.

( فإذا لقيتموهم فاصبروا) أي اثبتوا ولا تظهروا التألم من شيء يحصل لكم الصبر في القتال هو كظم ما يؤلم من غير إظهار شكوى ولا جزع وهو الصبر الجميل ( واعلموا أن الجنة) أي ثوابها ( تحت ظلال السيوف) وقال النووي: معناه أن الجهاد وحضور معركة الكفار طريق إلى الجنة وسبب لدخولها ( ثم قال) : -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( اللهم) يا ( منزل الكتاب) الفرقان أو سائر الكتب السماوية ( و) يا ( مجري
السحاب)
بنزول الغيث بقدرته ( و) يا ( هازم الأحزاب) وحده إشارة إلى تفرّده بالنصر وهزم ما يجتمع من أحزاب العدوّ ( اهزمهم وانصرنا عليهم) وفي رواية الإسماعيلي في هذا الحديث من وجه آخر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا أيضًا فقال: "اللهم أنت ربنا وربهم ونحن عبيدك نواصينا ونواصيهم بيدك فاهزمهم وانصرنا عليهم".

( وقال موسى بن عقبة) : بالإسناد المذكور وكان المؤلّف رواه بالإسناد الواحد مطوّلاً ومختصرًا ( حدّثني) بالإفراد ( سالم أبو النضر) : كذا في رواية أبي ذر وسقط عند غيره من قوله مولى عمر بن عبيد الله إلى هنا وساق في رواية أبي ذر الحديث كالباقين ( كنت كاتبًا لعمر بن عبيد الله) صريح في أن سالمًا كاتب عمر بن عبيد الله وهو يرد على العيني كالحافظ ابن حجر حيث رجعا الضمير في قوله في باب الجنة تحت بارقة السيوف عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله وكان كاتبًا له إلى عبد الله بن أبي أوفى ( فأتاه) أي عمر بن عبيد الله ( كتاب عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) : ( لا تمنَّوا لِقَاءَ العدوّ) بحذف إحدى تاءي تمنوا.




[ قــ :89 ... غــ : 306 ]
- وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا».

(وقال أبو عامر) عبد الملك بن عمرو بن قيس البصري العقدي لا عبد الله بن براد مما وصله مسلم (حدّثنا مغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
(لا تمنوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفًا ولأبي ذر: لا تمنوا بإثباتها (لقاء العدو، فإذا لقيتموهم فاصبروا) لأن مع الصبر يبقى الثبات ويرجى النصر.