فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى و {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]

كتاب الأحكام
( كتاب الأحكام) بفتح الهمزة جمع حكم وهو عند الأصوليين خطاب الله وهو كلامه النفسي الأزلي المسمى في الأزل خطابًا المتعلق بأفعال المكلفين وهم البالغون العاقلون من حيث إنهم مكلفون وخرج بفعل المكلفين خطاب الله المتعلق بذاته وصفاته وذوات المكلفين والجمادات كمدلول الله لا إله إلا هو خالق كل شيء ولقد خلقناكم ويوم نسيّر الجبال ولا يتعلق الخطاب إلا بفعل كل بالغ عاقل لامتناع تكليف الغافل والملجأ والمكره وإذا تقرر أن الحكم خطاب الله فلا حكم إلا الله خلافًا للمعتزلة القائلين بتحكيم العقل.


باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]
( وقول الله تعالى) ولأبي ذر باب قول الله تعالى: ( { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ) [النساء: 59] الولاة والأمراء أو العلماء الذين يعلّمون الناس دينهم لأن أمرهم ينفذ على الأمراء، وهذا قول الحسن والضحاك ومجاهد، ورواه محيي السُّنَّة عن ابن عباس ودليله: ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، وقيل: فإن تنازعتم أي أنتم وأولو الأمر منكم في شيء من أمور الدين، وهذا يؤيد أن المراد بأولي الأمر أمراء المسلمين إذ ليس للمقلد أن ينازع المجتهد في حكمه بخلاف المرؤوس إلا أن يقال: الخطاب لأولي الأمر على طريقة الالتفات أي تنازعتم في شيء فيرد العلماء إلى الكتاب والسُّنّة، ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر ليؤذن بأنه لا استقلال لهم في الطاعة استقلال الرسول، ودلت الآية على أن طاعة الأمراء واجبة إذا وافقوا الحق فإذا خالفوه فلا طاعة لهم لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وسقط الباب لغير أبي ذر فالتالي رفع.


[ قــ :6755 ... غــ : 7137 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِى فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِى فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِى، فَقَدْ أَطَاعَنِى، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِى فَقَدْ عَصَانِى».

وبه قال: ( حدّثنا عبدان) عبد الله بن عثمان قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك ( عن يونس) بن يزيد ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف ( أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( من أطاعني فقد أطاع الله) .
لأني لا آمر إلا بما أمر الله به فمن فعل ما آمره به فإنما أطاع من أمرني أن آمره ( ومن عصاني) فيما أمرته به أو نهيته ( فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني) .
وقال الخطابي: كانت قريش ومن يليهم من العرب لا يدينون لغير رؤساء قبائلهم، فلما كان الإسلام وولي عليهم الأمراء أنكرته نفوسهم وامتنع بعضهم من الطاعة فأعلمهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن طاعتهم مربوطة بطاعته ليطيعوا من أمره عليه الصلاة والسلام عليهم ولا يستعصوا عليه لئلا تتفرق الكلمة.

والحديث سبق في المغازي.




[ قــ :6756 ... غــ : 7138 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( ألا) بالتخفيف ( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) قال محيي السُّنّة: الراعي الحافظ المؤتمن على ما يليه فأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنصيحة فيما يلزمه وحذره الخيانة فيه بإخباره أنه مسؤول عنه ( فالإمام) الأعظم ( الذي على الناس راعٍ) يحفظهم ويحيط من ورائهم ويقيم فيهم الحدود والأحكام ( وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته) يقوم عليهم بالحق في النفقة وحسن العشرة ( وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها) بحسن التدبير في أمر بيته والتعهد لخدمته وأضيافه ( وولده) بحسن تربيته وتعهده ( وهي مسؤولة عنهم) أي عن بيت زوجها وولده وغلب العقلاء فيه على غيرهم ( وعبد الرجل راعٍ على مال سيده) بحفظه والقيام بشغله ( وهو
مسؤول عنه ألا)
بالتخفيف ( فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) .
فجعل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كل ناظر في حق غيره راعيًا له فإذا تقدم لرعاية غيره من يأكله فهو في الهلاك قال:
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها ... فكيف إذا الذئاب لها رعاء
وقال في شرح المشكاة قوله: ألا فكلكم راعٍ تشبيه مضمر الأداة أي كلكم مثل الراعي، وقوله: وكلكم مسؤول عن رعيته حال عمل فيه معنى التشبيه وهذا مطّرد في التفصيل، ووجه التشبيه حفظ الشيء وحسن التعهد لما استحفظ وهو القدر المشترك في التفصيل، وفيه أن الراعي ليس بمطلوب لذاته، وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك فعلى السلطان حفظ الرعية فيما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذب عنها لإدخال داخلة فيها أو تحريف لمعانيها أو إهمال حدودهم أو تضييع حقوقهم وترك حماية مَن جارَ عليهم ومجاهدة عدوّهم فلا يتصرف في الرعية إلا بإذن الله ورسوله ولا يطلب أجره إلا من الله، وهذا تمثيل لا يرى في الباب ألطف منه ولا أجمع ولا أبلغ منه، ولذلك أجمل أوّلاً ثم فصل ثم أتى بحرف التنبيه وبالفذلكة كالخاتمة فالفاء في قوله: ألا فكلكم راع جواب شرط محذوف والفذلكة هي التي يأتي بها الحاسب بعد التفصيل ويقول فذلك كذا وكذا ضبطًا للحساب وتوقيًا عن الزيادة والنقصان فيما فصله اهـ.

وقال بعضهم: يدخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوجة له ولا خادم فإنه يصدق عليه أنه راع على جوارحه حتى يعمل المأمورات ويجتنب المنهيات فعلاً ونطقًا واعتقادًا فجوارحه وقواه وحواسه رعيته، ولا يلزم من الاتّصاف بكونه راعيًا أن لا يكون مرعيًا باعتبار آخر.

والحديث سبق في باب الجمعة في القرى والمدن من كتاب الجمعة.