فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم}

باب { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
( باب) وهو ساقط لغير الكشميهني ( { يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك} ) [التحريم: 1] من شرب العسل أو مارية القبطية.
قال ابن كثير والصحيح أنه كان في تحريمه العسل، وقال الخطابي: الأكثر على أن الآية نزلت في تحريم مارية حين حرمها على نفسه، ورجحه في فتح الباري بأحاديث عند سعيد بن منصور والضياء في المختارة والطبراني في عِشْرَة النساء وابن مردويه والنسائي، ولفظه عن ثابت عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت له أمة يطؤها فلم تزل به حفصة وعائشة -رضي الله عنهما- حتى حرمها فأنزل الله تعالى: ( { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك} ) حال من فاعل تحرم أي لم تحرم مبتغيًا به مرضاة أزواجك أو تفسير لتحريم أو مستأنف فهو جواب للسؤال ومرضاة اسم مصدر وهو الرضا ( { والله غفور رحيم} ) .

قال في فتوح الغيب: أردفه بقوله غفور رحيم جبرانًا له ولولا الإرداف به لما قام بصولة ذلك الخطاب على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما ارتكب عظيمة بل كان ذلك من باب ترك الأولى والامتناع من المباح وإنما شدد ذلك رفعًا لمحله وربا لمنزلته ألا ترى كيف صدر الخطاب بذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقرن بياء البعيد وها التنبيه أي تنبيه لجلالة شأنك فلا تبتغ مرضاة أزواجك فيما أبيح لك، وسقط لأبي ذر تبتغي الخ وقال بعد: { أحل الله لك} الآية.


[ قــ :4645 ... غــ : 4911 ]
- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: فِي الْحَرَامِ يُكَفِّرُ.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الحديث 4911 - أطرافه في: 5266] .

ْوبه قال: ( حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة الزهراني قال: ( حدّثنا هشام) الدستوائي ( عن يحيى) بن أبي كثير بالمثلثة ( عن ابن حكيم) بفتح الحاء المهملة وكسر الكاف ولأبي ذر هو يعلى بن حكيم الثقفي البصري ( عن سعيد بن جبير أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في الحرام) إذا قال هذا عليّ حرام أو أنت عليّ حرام ( يكفِّر) بكسر الفاء كفارة يمين وعند الشافعي إن نوى طلاقًا أو ظهارًا وقع المنوي لأن كلاًّ منهما يقتضي التحريم فجاز أن يكنى عنه بالحرام أو نواهما معًا أو مرتبًا تخير وثبت ما اختاره منهما ولا يثبتان جميعًا لأن الطلاق يزيل النكاح والظهار يستدعي بقاءه وإن نوى تحريم عينها أو نحوها كوطئها أو فرجها أو رأسها أو لم ينوِ شيئًا فلا تحرم عليه لأن الأعيان وما ألحق بها لا توصف بذلك وعليه كفارة يمين، وكذا إذا قال لأمته ذلك فإنها تحرم عليه وعليه كفارة يمين أخذًا من آية الباب.

( وقال ابن عباس: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ) [الأحزاب: 21] في كفارة اليمين.




[ قــ :4646 ... غــ : 491 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا فَوَاطَأْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ عَنْ أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ قَالَ: «لاَ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ فَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ لاَ تُخْبِرِي بِذَلِكِ أَحَدًا».

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: ( أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني أبو عبد الرحمن القاضي ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( عن عطاء) هو ابن أبي رباح ( عن عبيد بن عمير) بضم العين فيهما مصغرين الليثي ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يشرب عسلًا عند) أم المؤمنين ( زينب بنت جحش) ولأبي ذر بنت جحش ( ويمكث عندها فواطأت) بهمزة ساكنة في الفرع.
وقال العيني: هكذا في جميع النسخ أي بترك الهمزة وأصله فواطأت بالهمزة، وقال في المصابيح لامه همزة إلا أنها أبدلت هنا ياء على غير قياس ولأبي ذر فتواطأت بزيادة فوقية قبل الواو مع الهمزة أيضًا مصححًا عليه في الفرع أي توافقت ( أنا وحفصة) أم المؤمنين بنت عمر ( عن) ولابن عساكر والأصيلي على ( أيتنا) أي أيّ زوجة منا ( دخل عليها) عليه الصلاة والسلام ( فلتقل له أكلت مغافير) استفهام محذوف الأداة ومغافير بفتح الميم والمعجمة وبعد الألف فاء جمع مغفور بضم الميم وليس في كلامهم مفعول بالضم إلا قليلًا والمغفور صمغ حلو له رائحة كريهة ينضحه شجر يسمى العرفط بعين مهملة وفاء مضمومتين بينهما راء ساكنة آخره طاء مهملة وزاد في الطلاق من طريق حجاج عن ابن جريج فدخل على إحداهما فقالت له: ( إني أجد منك ريح مغافير قال) عليه الصلاة والسلام:
( لا) ما أكلت مغافير وكان يكره الرائحة الكريهة ( ولكني كنت أشرب عسلًا عند زينب ابنة جحش) ولأبي ذر بنت جحش ( فلن أعود له وقد حلفت) على عدم شربه ( لا تخبر بذلك أحدًا) وقد اختلف في التي شرب عندها العسل ففي طريق عبيد بن عمير السابقة أنه كان عند زينب وعند المؤلّف من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في الطلاق أنها حفصة بنت عمر ولفظه قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب العسل والحلواء وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس فغرت فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل فسقت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها شربة فقلت أما والله لنحتالن له فقلت لسودة بنت زمعة إنه سيدنو منك فإذا دنا منك فقولي له ما هذه الريح التي أجد منك؟ الحديث، وفيه: وقولي أنت يا صفية ذاك وعند ابن مردويه من طريق ابن أبي مليكة عن ابن
عباس أن شربه كان عند سودة وأن عائشة وحفصة هما اللتان تظاهرتا على وفق ما في رواية عبيد بن عمير وإن اختلفا في صاحبة العسل فيحمل على التعدّد أو رواية ابن عمير أثبت لموافقة ابن عباس لها على أن المتظاهرين حفصة وعائشة، فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرن في المظاهرة بعائشة.

وفي كتاب الهبة عن عائشة أن نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنَّ حزبين أنا وسودة وحفصة وصفية في حزب، وزينب بنت جحش وأم سلمة والباقيات في حزب، وهذا يرجح أن زينب هي صاحبة العسل، ولذا غارت عائشة منها لكونها من غير حزبها ويأتي مزيد بحث لفوائد هذا الحديث إن شاء الله تعالى في الطلاق بعون الله.

وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الطلاق والأيمان والنذور ومسلم في الطلاق وأبو داود في الأشربة والنسائي في الأيمان والنذور وعشرة النساء والطلاق والتفسير.