فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب حرق الدور والنخيل

باب حَرْقِ الدُّورِ وَالنَّخِيلِ
( باب) جواز ( حرق الدور والنخيل) التي للمشركين وحرق بفتح الحاء وسكون الراء واعترضه في فتح الباري بأنه لا يقال في المصدر حرق، وإنما يقال تحريق واحراق لأنه رباعي.
وقال الزركشي: الصواب إحراق وتعقبه في المصابيح بأن في المشارق والحرق يكون من النار والأعرف الإحراق فجعل الحرق معروفًا لا خطأ.


[ قــ :2886 ... غــ : 3020 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: "قَالَ لِي جَرِيرٌ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ -وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ- قَالَ فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، قَالَ: وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي.

     وَقَالَ : اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا.
فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا.
ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخْبِرُهُ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْوَفُ أَوْ أَجْرَبُ.
قَالَ فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ".
[الحديث 3020 - أطرافه في: 3036، 3076، 3823، 4355، 4356 , 4357، 6089، 6333] .

وبه قال: ( حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( قيس بن أبي حازم) بالمهملة والزاي ( قال: قال لي جرير) بفتح الجيم ابن عبد الله الأحمسي -رضي الله عنه- ( قال لي رسول الله) :
( ألا تريحني) بفتح الهمزة وتخفيف اللام وبالراء والحاء المهملتين طلب يتضمن الأمر بإراحة قلبه المقدس ( من ذي الخلصة) بالخاء المعجمة واللام بعدها صاد مهملة مفتوحات أو بفتح أوله وسكون ثانيه أو مهما أو بفتح ثم ضم والأول أشهر لأنه لم يكن شيء أتعب لقلبه عليه الصلاة والسلام من بقاء ما يشرك به من دون الله وخصّ جرير بذلك لأنها كانت في بلاد قومه وكان هو من أشرافهم.
( وكان) ذو الخلصة ( بيتًا) لصنم ( في خثعم) بفتح الخاء المعجمة وسكون المثلثة وفتح العين المهملة كجعفر قبيلة شهيرة ينتسبون إلى خثعم بن أنمار بفتح الهمزة وسكون النون ابن إراش بكسر الهمزة وتخفيف الراء آخره شين معجمة أو اسم البيت الخلصة واسم الصنم ذو الخلصة، وضعفه الزمخشري
بأن ذو لا تضاف إلا إلى أسماء الأجناس ( يسمى) أي ذو الخلصة ( كعبة اليمانية) بالتخفيف لأنه بأرض اليمن ضاهوا به الكعبة البيت الحرام من إضافة الموصوف إلى الصفة، وجوّزه الكوفيون وهو عند البصريين بتقدير كعبة الجهة اليمانية.

( قال) جرير ( فانطلقت) أي قبل وفاته عليه الصلاة والسلام بشهرين ( في خمسين ومائة فارس من أحمس) بفتح الهمز وسكون الحاء المهملة وفتح الميم آخره سين مهملة قبيلة من العرب وهم إخوة بجيلة بفتح الموحدة وكسر الجيم رهط جرير ينتسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار وبجيلة امرأة تنسب إلى القبيلة المشهورة ( وكانوا أصحاب خيل) أي يثبتون عليها لقوله: ( قال: وكنت لا أثبت على الخيل فضرب) عليه الصلاة والسلام ( في صدري) لأن فيه القلب ( حتى رأيت أثر أصابعه) الشريفة ( في صدري وقال) :
( اللهمّ ثبّته) على الخيل ( واجعله هاديًا) لغيره حال كونه ( مهديًّا) بفتح الميم في نفسه، ( فانطلق) جرير ( إليها) إلى ذي الخلصة ( فكسرها) أي هدم بناءها ( وحرّقها) بتشديد الراء بأن رمى النار فيما فيها من الخشب ( ثم بعث) جرير ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( يخبره) بتكسيرها وتحريقها ( فقال رسول جرير) هو أبو أرطأة حصين بن ربيعة بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجوف) بالهمزة والجيم والواو والفاء أي صارت البعير الخالي الجوف ( أو) قال ( أجرب) بالراء الموحدة كناية عن نزع زينتها وإذهاب بهجتها.
وقال الخطابي: مثل الجمل المطلي بالقطران من جريه إشارة إلى ما حصل لها من سواد الإحراق ( قال فبارك) عليه الصلاة والسلام ( في خيل أحمس ورجالها) أي دعا لها بالبركة ( خمس مرات) مبالغة واقتصر على الوتر لأنه مطلوب.




[ قــ :887 ... غــ : 301 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "حَرَّقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ".

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري ولم يصب من ضعّفه قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة أو الثوري ( عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنهما- قال) : ( حرّق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد الراء ( نخل بني النضير) قبيلة من اليهود بالمدينة سنة أربع من الهجرة وخرّب بيوتهم بعد أن حاصرهم خمسة عشر يومًا وفيهم نزلت الآيات من سورة الحشر، وفي رواية المغازي عند المؤلّف قال: حرّق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نخل بني النضير وقطع وهي البويرة فنزلت: { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} [الحشر: 5] .
والبويرة: موضع نخل بني النضير وقوله فنزلت يدل على أن نزول الآية بعد التحريق، فيحتمل أن يكون التحريق باجتهاد أو وحي ثم نزلت، واستدلّ الجمهور بذلك على جواز التحريق والتخريب في بلاد العدوّ إذا تعيّن طريقًا في نكاية العدوّ وخالف بعضهم فقال: لا يجوز قطع المثمر أصلاً وحمل ما ورد في ذلك إما على غير
المثمر وإما على أن الشجر الذي قطع في قصة بني النضير كان في الموضع الذي يقع فيه القتال وهذا قول الليث والأوزاعي وأبي ثور.

ويأتي الحديث بتمامه إن شاء الله تعالى مع بقية مباحثه في كتاب المغازي.