فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب شرب اللبن

باب شُرْبِ اللَّبَنِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}
( باب) جواز ( شرب اللبن) وهو بمفرده غير مسكر نعم قد يقع نادرًا بصفة تحدّث فيه وحينئذٍ فيحرم شربه إن علم ذهاب عقله به.
وفي حديث ابن سيرين عند سعيد بن منصور أنه سمع ابن عمر يسأل عن الأشربة فقال: إن أهل كذا يتخذون من كذا وكذا خمرًا حتى عدّ خمسة أشربة لم أحفظ منها إلا العسل والشعير واللبن.
قال: فكنت أهاب أن أحدّث باللبن حتى أنبئت أنه بأرمينية يصنع شراب من اللبن لا يلبث صاحبه أن يصرع، قاله في الفتح.

( وقول الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل: ( { من بين فرث ودم لبنًا خالصًا} ) أي يخلق اللبن وسطًا بين الفرث والدم يكتنفانه وبينه وبينهما برزخ لا ينبغي أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة بل هو خالص من ذلك كله قيل: إذا أكلت البهيمة العلف فاستقر في كرشها طبخته فكان أسفله فرثًا وأوسطه لبنًا وأعلاه دمًا والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها فتجري الدم في العروق واللبن في الضروع وتبقي الفرث في الكرش ثم ينحدر وفي ذلك عبرة لمن اعتبر وسئل شقيق عن الإخلاص فقال الإخلاص: تمييز العمر من العيوب كتمييز اللبن من بين فرث ودم ( { سائغًا للشاربين} ) [النحل: 66] سهل المرور في الحلق، ويقال: لم يغص أحد باللبن قط ومن الأولى للتبعيض لأن اللبن بعض ما في بطونها والثانية لابتداء الغاية وسقط قوله { لبنًا خالصًا} لأبي ذر.


[ قــ :5304 ... غــ : 5603 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَقَدَحِ خَمْرٍ.

وبه قال: ( حدّثنا عبدان) اسمه عبد الله بن عثمان المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك
المروزي قال: ( أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-)
أنه ( قال: أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة أسري
به)
إلى بيت المقدس ( بقدح لبن وقدح خمر) زاد في أوّل كتاب الأشربة فنظر إليهما ثم أخذ اللبن فقال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة ولو أخذت الخمر غوت أمتك وبذلك تتم المطابقة بين الترجمة والحديث على ما لا يخفى.




[ قــ :5305 ... غــ : 5604 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ سَمِعَ سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَيْرًا مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ قَالَتْ: شَكَّ النَّاسُ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِإِنَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبَ، فَكَانَ سُفْيَانُ رُبَّمَا قَالَ: شَكَّ النَّاسُ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّ الْفَضْلِ فَإِذَا وُقِفَ عَلَيْهِ قَالَ: هُوَ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ.

وبه قال: ( حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير أنه ( سمع سفيان) بن عيينة يقول: ( أخبرنا سالم أبو النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة ( أنه سمع عميرًا) بضم العين وفتح الميم ( مولى أم الفضل) زوج العباس بن عبد المطلب ( يحدّث عن أم الفضل) -رضي الله عنها- أنها ( قالت: شك الناس في صيام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم عرفة) بعرفة ( فأرسلت) بسكون اللام وضم الفوقية ( إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بإناء) ولأبي ذر فأرسلت إليه أم الفضل بإناء ( فيه لبن فشرب) منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال الحميدي: ( فكان) ولغير أبي ذر وكان ( سفيان) بن عيينة ( ربما قال شك الناس في صيام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم عرفة) سقط لأبي ذر يوم عرفة ( فأرسلت إليه) صلوات الله وسلامه عليه ( أم الفضل) أي بإناء فيه لبن ( فإذا وقف) بضم الواو وبعدها قاف مشددة ولأبي ذر ووقف ( عليه) بزيادة واو ساكنة بعد الواو المضمومة أي كان إذا أرسل الحديث فلم يقل في إسناده عن أم الفضل فإذا سئل عنه هل هو موصول أو مرسل ( قال: هو عن أم الفضل) فهو في قوّة قول هو موصول والحديث تقدم في الحج والصوم.




[ قــ :5306 ... غــ : 5605 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ أَبُو حُمَيْدٍ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ مِنَ النَّقِيعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَّ خَمَّرْتَهُ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ عَلَيْهِ عُودًا».
[الحديث 5605 - أطرافه في: 5606] .

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد البلخي قال: ( حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي ( عن أبي صالح) ذكوان ( وأبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي كلاهما ( عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه ( قال: جاء أبو حميد) بضم الحاء مصغرًا عبد الرحمن الساعدي ( بقدح من لبن) ليس مخمرًا ( من النقيع) بفتح النون وكسر القاف وبعد التحتية الساكنة عين مهملة موضع بوادي العقيق حماه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لرعي النعم كان يستنقع فيه الماء أي يجتمع وقيل هو غيره ( فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ألا) بفتح الهمزة وتشديد اللام أي هلا ( خمّرته) بخاء معجمة وميم مشددة مفتوحتين غطيته ( ولو أن تعرض) بفتح الفوقية وضم الراء أي ولو أن تنصب ( عليه عودًا) عرضًا قيل والحكمة في الاكتفاء بذلك اقترانه بالتسمية فيكون العرض علامة على التسمية فلا يقربه الشيطان.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأشربة أيضًا.




[ قــ :5306 ... غــ : 5606 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَذْكُرُ أُرَاهُ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ أَبُو حُمَيْدٍ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، مِنَ النَّقِيعِ بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَّ خَمَّرْتَهُ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ عَلَيْهِ عُودًا».
وَحَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا.

وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سمعت أبا صالح) ذكوان (يذكر أراه) بضم الهمزة (عن جابر -رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء أبو حميد رجل من الأنصار، من النقيع بناء من لبن إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) غير مخمر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له:
(ألا) أي هلا (خمّرته) غطيته صيانة من الشيطان إذ إنه لا يكشف غطاء ومن الوباء الذي قيل أنه ينزل في ليلة من السماء ومن النجاسة والقاذورات والحشرات ونحوها (ولو أن تعرض) تمدّ (عليه عودًا) عرضًا لا طولًا.
قال الأعمش (وحدّثني) بالإفراد (أبو سفيان) طلحة بن نافع (عن جابر عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث، وأخرجه الإسماعيلي عن حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، وعن أبي صالح عن أبي هريرة والمحفوظ عن جابر، ويأتي إن شاء الله تعالى بقوة الله الكلام على حكم تغطية الإناء قريبًا.




[ قــ :5308 ... غــ : 5607 ]
- حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَرَرْنَا بِرَاعٍ وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَحَلَبْتُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ فِي قَدَحٍ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ وَأَتَانَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ، فَدَعَا عَلَيْهِ فَطَلَبَ إِلَيْهِ سُرَاقَةُ أَنْ لاَ يَدْعُوَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَرْجِعَ، فَفَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( محمود) هو ابن غيلان قال: ( أخبرنا النضر) بالنون المفتوحة والمعجمة الساكنة ابن شمير قال: ( أخبرنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي أنه ( قال: سمعت البراء) بن عازب ( -رضي الله عنه- قال: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة) لما هاجر منها إلى المدينة ( وأبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- ( معه قال أبو بكر: مررنا) في طريقنا ( براع وقد) أي والحال أنه قد ( عطش رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال أبو بكر -رضي الله عنه-: فحلبت كثبة) بضم الكاف وسكون المثلثة بعدها موحدة مفتوحة قطعة من اللبن أو ملء القدح أو قدر حلبة ناقة ( من لبن في قدح) وفي الهجرة أنه أمر الراعي فحلب فنسب الحلب لنفسه هنا على طريق المجاز ( فشرب) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه ( حتى رضيت) أي علمت أنه شبع ( وأتانا) ولأبي ذر وابن عساكر وأتاه أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( سراقة بن جعشم) بضم الجيم وسكون العين المهملة وضم الشين المعجمة الكناني بنونين المدلجي أسلم آخرًا ( على فرس فدعا عليه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فطلب إليه) صلوات الله وسلامه عليه ( سراقة أن لا يدعو عليه وأن يرجع ففعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فلم يدع عليه.

وهذا الحديث سبق في الهجرة.




[ قــ :5309 ... غــ : 5608 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نِعْمَ الصَّدَقَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، وَالشَّاةُ
الصَّفِيُّ مِنْحَةً، تَغْدُو بِإِنَاءٍ وَتَرُوحُ بِآخَرَ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج ( عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( نعم الصدقة اللقحة) بكسر اللام وتفتح وسكون القاف وبالحاء المهملة الناقة الحلوب ( الصفي) بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتية الكثيرة اللبن أي مصطفاة مختارة فعيل إذا كان بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث ( منحة) بكسر الميم وسكون النون وفتح الحاء المهملة نصب على التمييز عطية تعطيها غيرك ليحتلبها ثم يردها إليك ( و) نعم الصدقة ( الشاة الصفي منحة) تعطيها غيرك فيحتلبها ( تغدو) أول النهار ( بناء) من اللبن ( وتروح) آخره ( بآخر) بالمد وفيه إشارة إلى أن المستعير لا يستأصل لبنها قاله في الفتح.

والحديث سبق في باب فضل المنحة من العارية.




[ قــ :5310 ... غــ : 5609 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ.

     وَقَالَ : «إِنَّ لَهُ دَسَمًا».

وبه قال: ( حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل بن مخلد ( عن الأوزاعي) عبد الرحمن ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شرب لبنًا فمضمض) منه ( وقال) :
( إن له) أي اللبن ( دسمًا) بفتحتين بيان لعلة المضمضة منه.




[ قــ :5311 ... غــ : 5610 ]
- وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ: عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رُفِعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ، فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ، فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ،.
وَأَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ، فَأُتِيتُ بِثَلاَثَةِ أَقْدَاحٍ: قَدَحٌ فِيهِ لَبَنٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ عَسَلٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ خَمْرٌ.
فَأَخَذْتُ الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ فَشَرِبْتُ، فَقِيلَ لِي: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ» قَالَ هِشَامٌ وَسَعِيدٌ وَهَمَّامٌ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الأَنْهَارِ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا ثَلاَثَةَ أَقْدَاحٍ.

( وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء الهروي مما وصله عوانة والإسماعيلي والطبراني في معجمه الصغير من طريقه ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن قتادة) بن دعامة السدوسي ( عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( رفعت) بسكون العين المهملة وضم الفوقية وللحموي والكشميهني دفعت بالدال المهملة
بدل الراء ( إلى السدرة) جار ومجرور، وقال في الفتح: رفعت كذا للأكثر بضم الراء وكسر الفاء وفتح العين المهملة وسكون المثناة على البناء للمجهول وإليّ بتشديد التحتية والسدرة مرفوعة، وللمستملي: دفعت بدال بدل الراء وسكون العين وضم المثناة بنسبة الفعل إلى المتكلم وإلى حرف جر، والمراد سدرة المنتهى وسميت بذلك لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلا سيدنا محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشرف وكرّم، وعن ابن مسعود وسميت بذلك لكونها ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى ومعنى الرفع تقريب الشيء وكأنه أراد أن سدرة المنتهى استبينت له بنعوتها كل الاستبانة حتى اطلع عليها كل الاطّلاع بمثابة الشيء المقرب إليه ( فإذا أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان فأما) النهران ( الظاهران فـ) ـهما ( النيل) وهو نهر مصر ( والفرات) بضم الفاء والمثناة الفوقية المجرورة وهو نهر الكوفة وأصله من أطراف أرمينية ( وأما) النهران ( الباطنان فنهران في الجنة) وهما فيما قاله مقاتل السلسبيل والكوثر والظاهر أن النيل والفرات يخرجان من أصلهما ثم يسيران حيث أراد الله ثم يخرجان من الأرض ويسيران فيها وهذا لا يمنعه شرع ولا عقل وهو ظاهر الحديث فوجب المصير إليه ( فأتيت) بفاء فهمزة مضمومة ولأبي الوقت وأتيت بالواو بدل الفاء ( بثلاثة أقداح) ومفهوم العدد لا اعتبار له فلا منافاة بين قوله هنا بثلاثة، وقوله في السابق قدحان وأيضًا فالقدحان قبل رفعه إلى السدرة وهو في بيت المقدس والثلاثة بعده وهو عند السدرة أحدها ( قدح فيه لبن و) الثاني ( قدح فيه عسل و) الثالث ( قدح فيه خمر فأخذت الذي فيه اللبن فشربت فقيل لي أصبت الفطرة) أي علامة الإسلام والاستقامة ( أنت) تأكيد للضمير الذي في أصبت ( و) لتصب ( أمتك) .
قال ابن المنير: ذكر السر في عدوله عن الخمر ولم يذكر في عدوله عن العسل وظاهره تفضيل اللبن على العسل لأنه الأيسر والأنفع وهو بمجرده قوت وليس من الطيبات التي تدخل في السرف بوجه وهو أقرب إلى الزهد فكأنه ترك العسل الذي هو حلال لأنه من اللذائذ التي يخشى على صاحبها أن يندرج في قوله عز وجل: { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا} [الأحقاف: 0] وأما اللبن فلا شبهة فيه ولا منافاة بينه وبين الورع بوجه، وأما ما ورد من محبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للعسل فعلى وجه الاقتصاد في تناوله إلا أنه جعله ديدنًا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشرع بفعل ما يجوز للبيان.

( وقال هشام) الدستوائي: ( وسعيد) هو ابن أبي عروبة فيما وصله المؤلف عنهما في باب ذكر الملائكة من كتاب بدء الخلق ( وهمام) بتشديد الميم الأولى ابن يحيى كلهم ( عن قتادة) بن دعامة ( عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأنهار) أي اتفقوا من متن الحديث على ذكر الأنهار ( نحوه) أي نحو المذكور في الحديث السابق ( ولم يذكروا) هؤلاء في روايتهم ولأبي ذر عن الكشميهني ولم يذكر أي هشام ( ثلاثة أقداح) .