فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الباذق، ومن نهى عن كل مسكر من الأشربة

باب
الْبَاذَقِ وَمَنْ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ مِنَ الأَشْرِبَةِ، وَرَأَى عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٌ شُرْبَ الطِّلاَءِ عَلَى الثُّلُثِ، وَشَرِبَ الْبَرَاءُ وَأَبُو جُحَيْفَةَ عَلَى النِّصْفِ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: اشْرَبِ الْعَصِيرَ مَا دَامَ طَرِيًّا،.

     وَقَالَ  عُمَرُ: وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ رِيحَ شَرَابٍ، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ.

( باب الباذق) بفتح الباء والمعجمة بينهما ألف وآخره قاف، وقال في القاموس: بكسر الذال وفتحها ما طبخ من عصير العنب أدنى طبخة فصار شديدًا، وقال الجواليقي: أصله باذه وهو أن يطبخ العصير حتى يصير مثل طلاء الإبل، وقال ابن قرقول: المطبوخ من عصير العنب إذا أسكر أو إذا طبخ بعد أن اشتد وقال في المحكم: هو من أسماء الخمر ( و) ذكر ( من نهى عن كل مسكر من الأشربة) لحديث كل مسكر حرام.

( ورأى عمر) بن الخطاب مما أخرجه مالك في الموطأ ( وأبو عبيدة) بن الجراح ( ومعاذ) هو ابن جبل مما وصله عنهما أبو مسلم الكجي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة ( شرب الطلاء) أي رأوا جواز شربه إذا طبخ فصار ( على الثلث) وذهب ثلثاه وقد صرح بعضهم بأن المحذور منه السكر فمتى أسكر حرم.

( وشرب البراء) بن عازب مما أخرجه ابن أبي شيبة ( وأبو جحيفة) وهب بن عبد الله مما أخرجه ابن أبي شيبة أيضًا الطلاء إذا طبخ فصار ( على النصف.
وقال ابن عباس)
-رضي الله عنهما- فيما وصله النسائي لرجل سأله عن العصير ( اشرب العصير ما دام طريًّا) زاد النسائي قال: إني طبخت شرابًا وفي نفسي منه شيء قال: كنت شاربه قبل أن تطبخه قال: لا، قال: فإن النار لا تحل شيئًا قد حرم وهذا تقييد لما أطلق في الآثار الماضية وهو أن الذي يطبخ إنما هو العصير الطري قبل أن يتخمر أما لو صار خمرًا فطبخ فإن الطبخ لا يطهره ولا يحله إلا على رأي من يجيز تخليل الخمر والجمهور على خلافه: ( وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- مما وصله مالك ( وجت من عبيد الله) بضم العين ابن عمر بن الخطاب ( ريح شراب) فزعم أنه شرب الطلاء ( وأنا سائل عنه فإن كان يسكر جلدته) فسأل عنه فوجدته مسكرًا فجلده بعد أن أقر أو بالبينة.


[ قــ :5299 ... غــ : 5598 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْبَاذَقِ فَقَالَ: سَبَقَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَاذَقَ، فَمَا أَسْكَرَ فَهْوَ حَرَامٌ، قَالَ: الشَّرَابُ الْحَلاَلُ الطَّيِّبُ.
قَالَ: لَيْسَ بَعْدَ الْحَلاَلِ الطَّيِّبِ إِلاَّ الْحَرَامُ الْخَبِيثُ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: ( أخبرنا سفيان) الثوري ( عن أبي الجويرية) بضم الجيم مصغرًا حطان بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين وبعد الألف نون ابن خفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء الأولى الجرمي بالجيم والراء ( قال: سألت ابن عباس)
-رضي الله عنهما- ( عن الباذق) قيل: وكان أول من صنعه وسماه بنو أمية لينقلوه عن اسم الخمر ( فقال: سبق محمد الباذق) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

( فما أسكر فهو حرام) والباذق بالنصب على المفعولية أي سبق حكمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتحريم الخمر تسميتهم إياها بالباذق حيث قال: "ما أسكر فهو حرام".
فليس التحريم منوطًا بمجرد الاسم حتى يكون تغييره مغيرًا للحكم وإنما الاعتبار بالإسكار فإن وجد فالتحريم ثابت سواء سمي المسكر باسمه الذي كان أو غير إلى اسم آخر، وقال الحافظ أبو ذر مما رأيت في هامش اليونينية: إن الاسم حدث بعد الإسلام، ونقل في الفتح عن أبي الليث السمرقندي أنه قال: شارب المطبوخ إذا كان يسكر أعظم ذنبًا من شارب الخمر لأن شارب الخمر يشربها وهو يعلم أنه عاص بشربها وشارب المطبوخ يشرب المسكر ويراه حلالًا وقد قام الإجماع على أن قليل الخمر وكثيره حرام ومن استحل ما هو حرام بالإجماع كفر.
( قال) أبو الجويرية الباذق هو ( الشراب الحلال الطيب) لأنه عصير العنب الحلال الطيب ( قال) ابن عباس اشرب الحلال الطيب فإنه ( ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث) حيث تغير عن حالته الأولى إلى الخمرية.




[ قــ :5300 ... غــ : 5599 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ.

وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني ( عبد الله بن أبي شيبة) ولأبي ذر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: ( حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب الحلواء) بفتح الحاء المهملة وبالمدّ ما دخلته الصنعة جامعًا بين الحلاوة والدسومة ( والعسل) قال الخطابي: وليس حبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهما على معنى كثرة التشهي لهما وإنما إنه إذا قدّما نال منهما نيلًا صالحًا.
وقال في الكواكب: ومناسبة الحديث للباب، بيان أن العصير المطبوخ إذا لم يكن مسكرًا فهو حلال كما أن الحلواء تطبخ وتنعقد والعسل يمزج بالماء فيشرب في ساعته ولا شك في طيبه وحله.

وهذا الحديث سبق في باب الحلواء والعسل من الأطعمة.