فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه، حتى يسمع الناس

باب مَنْ رَأَى الْعَدُوَّ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا صَبَاحَاهْ.
حَتَّى يُسْمِعَ النَّاسَ
( باب من رأى العدوّ) وقد أقبل ( فنادى بأعلى صوته يا صباحاه) أي أغيثوني وقت الصباح أي وقت الغارة ( حتى يسمع الناس) بضم المثناة التحتية من الإسماع والناس نصب على المفعولية.


[ قــ :2905 ... غــ : 3041 ]
- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ: "خَرَجْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ ذَاهِبًا نَحْوَ الْغَابَةِ.
حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةِ الْغَابَةِ لَقِيَنِي غُلاَمٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
قُلْتُ: وَيْحَكَ، مَا بِكَ؟ قَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ.
فَصَرَخْتُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ أَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا: يَا صَبَاحَاهْ، يَا صَبَاحَاهْ.
ثُمَّ انْدَفَعْتُ حَتَّى أَلْقَاهُمْ وَقَدْ أَخَذُوهَا، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ.
فَاسْتَنْقَذْتُهَا مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبُوا، فَأَقْبَلْتُ: فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ، وَإِنِّي أَعْجَلْتُهُمْ
أَنْ يَشْرَبُوا سِقْيَهُمْ، فَابْعَثْ فِي إِثْرِهِمْ.
فَقَالَ: يَا ابْنَ الأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ، إِنَّ الْقَوْمَ يُقْرَوْنَ فِي قَوْمِهِمْ".
[الحديث 3041 - طرفه في: 4194] .

وبه قال: ( حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد البرجمي البلخي قال: ( أخبرنا يزيد بن أبي عبيد) مصغرًا من غير إضافة ( عن) مولاه ( سلمة) بن الأكوع سنان بن عبد الله أنه ( أخبره قال: خرجت من المدينة) حال كوني ( ذاهبًا نحو الغابة) بالغين المعجمة وبعد الألف موحدة وهي على بريد من المدينة في طريق الشام ( حتى إذا كنت بثنية الغابة) هي كالعقبة في الجبل ( لقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف) لم يسم الغلام ويحتمل أنه رباح الذي كان يخدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( قلت) له ( ويحك ما بك قال: أخذت) بضم الهمزة آخره مثناة فوقية ساكنة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أخذ بإسقاط الفوقية ( لقاح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر اللام بعدها قاف وبعد الألف حاء مهملة مرفوع نائبًا عن الفاعل وأحدها لقوح وهي الحلوب وكانت عشرين لقحة ترعى بالغابة وكان فيهم عيينة بن حصن الفزاري ( قلت: من أخذها؟ قال: غطفان وفزارة) بفتح الفاء والزاي قبيلتان من العرب فيها أبو ذر ( فصرخت ثلاث صرخات أسمعت ما بين لابتيها) أي لابتي المدينة واللابة الحرة ( يا صباحاه يا صباحاه) مرتين بفتح الصاد والموحدة وبعد الألف حاء مهملة فألف فهاء مضمومة، وفي الفرع سكونها وكذا في أصله منادى مستغاث والألف للاستغاثة والهاء للسكت، وكأنه نادى الناس استغاثة بهم في وقت الصباح.
وقال ابن المنير: الهاء للندبة وربما سقطت في الوصل، وقد ثبتت في الرواية فيوقف عليها بالسكون.
وقال القرطبي: معناه الإعلام بهذا الأمر المهم الذي دهمهم في الصباح وهي كلمة يقولها المستغيث.
( ثم اندفعت) بسكون العين أسرعت في السير وكان ماشيًا على رجليه ( حتى ألقاهم وقد أخذوها فجعلت أرميهم) بالنبل ( وأقول: أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع) بضم الراء وتشديد الضاد المعجمة بعدها عين مهملة والرفع فيهما، ولأبي ذر نصب المعرف أي يوم هلاك اللئام من قولهم لئيم راضع وهو الذي رضع اللؤم من ثدي أمه، وكل من نسب إلى لؤم فإنه يوصف بالمص والرضاع.
وفي المثل: ألأم من راضع، وأصله أن رجلاً من العمالقة طرقه ضيف ليلاً فمص ضرع شاته لئلا يسمع الضيف صوت الحلب فكثر حتى صار كل لئيم راضعًا سواء فعل ذلك أو لم يفعله.
وقيل: المعنى اليوم يعرف من رضع كريمة فأنجبته أو لئيمة فهجنته أو اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها من غيره.
( فاستنقذتها) بالقاف والذال المعجمة ( منهم) أي استخلصت اللقاح من غطفان وفزارة ( قبل أن يشربوا) أي الماء ( فأقبلت بها) حال كوني ( أسوقها فلقيني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان قد خرج عليه الصلاة والسلام إليهم غداة الأربعاء في الحديد متقنعًا في خمسمائة.
وقيل: سبعمائة بعد أن جاء الصريخ ونودي: يا خيل الله اركبي وعقد للمقداد بن عمرو لواء وقال له: امضِ حتى تلحقك الخيول وأنا على أثرك.

( فقلت: يا رسول الله إن القوم) يعني غطفان وفزارة ( عطاش) بكسر العين المهملة ( وإني أعجلتهم أن يشربوا) مفعول له أي كراهة شربهم ( سقيهم) بكسر السين وسكون القاف أي حظهم
من الشرب ( فابعث في إثرهم) بكسر الهمزة وسكون المثلثة.
وعند ابن سعد قال سلمة: فلو بعثتني في مائة رجل واستنقذت ما بأيديهم من السرح وأخذت بأعناق القوم.
( فقال) عليه الصلاة والسلام:
( يا ابن الأكوع ملكت) أي قدرت عليهم فاستعبدتهم وهم في الأصل أحرار ( فأسجح) ، بهمزة قطع وسين مهملة ساكنة وبعد الجيم المكسورة حاء مهملة أي فارفق وأحسن بالعفو ولا تأخذ بالشدة ( إن القوم) غطفان وفزارة ( يقرون) بضم المثناة التحتية وسكون القاف والواو بينهما راء مفتوحة آخره نون أي يضافون ( في قومهم) يعني أنهم وصلوا إلى غطفان وهم يضيفونهم ويساعدونهم فلا فائدة في البعث في الأثر لأنهم لحقوا بأصحابهم وزاد ابن سعد فجاء رجل من غطفان فقال: مرّوا على فلان الغطفاني فنحر لهم جزورًا فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة فتركوها وخرجوا هرابًا؛ الحديث.
وفيه معجزة حيث أخبر عليه الصلاة والسلام بذلك وكان كما قاله.
وفي بعض الأصول من البخاري يقرون بضم الراء مع فتح أوله أي: ارفق بهم فإنهم يضيفون الأضياف فراعى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك لهم رجاء توبتهم وإنابتهم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يقرون بفتح أوله وكسر القاف وتشديد الراء، ولأبي ذر: من قومهم.

وهذا الحديث الثاني عشر من ثلاثيات البخاري، وأخرجه أيضًا في المغازي وكذا مسلم، وأخرجه النسائي في اليوم والليلة.