فهرس الكتاب

إرشاد الساري - بَابُ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}

كتاب الأطعمة
( بسم الله الرحمن الرحيم) كذا بإثبات البسملة هنا في الفرع.
( كتاب الأطعمة) جمع طعام كرحى وأرحية.
قال في القاموس: الطعام البر وما يؤكل وجمع الجمع أطعمات.
وقال ابن فارس: في المجمل يقع على كل ما يطعم حتى الماء.
قال تعالى: { فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} [البقرة: 249] وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: في زمزم "إنها طعام طعم وشفاء سقم" والطعم بالفتح ما يؤدّيه الذوق يقال طعمه مر أو حلو والطعام أيضًا بالضم الطعام وطعم بالكسر أي أكل وذاق يطعم بالفتح طعمًا فهو طاعم كغنم يغنم فهو غانم.


باب وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} وَقَوْلِهِ: { أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} وَقَوْلِهِ: { كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}
( قول الله تعالى: { كلوا من طيبات ما رزقناكم} ) [طه: 81] من مستلذاته أو من حلالاته والحلال المأذون فيه ضد الحرام الممنوع منه، والطيب في اللغة بمعنى الطاهر.
والحلال يوصف بأنه طيب، والطيب في الأصل ما يستلذ ويستطاب ووصف به الطاهر والحلال على جهة التشبيه لأن النجس تكرهه النفس ولا يستلذ والحرام غير مستلذ لأن الشرع زجر عنه، فالمراد بالطيب أن لا يكون متعلق حق الغير فإن أكل الحرام وإن استطابه أكل فمن حيث يؤدي إلى العقاب يصير مضرًّا ولا يكون مستطابًا.

( وقوله) تعالى: ( { أنفقوا من طيبات ما كسبتم} ) [البقرة: 267] من جياد مكسوباتكم ولغير أبي ذر كلوا بدل أنفقوا ورواية أبي ذر موافقة للتلاوة ( وقوله) تعالى: ( { كلوا من الطيبات} ) وأوّل الآية { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} وليس النداء والخطاب على ظاهرهما لأنهم أرسلوا
متفرّقين في أزمنة مختلفة، وإنما المعنى الإعلام بأن كل رسول في زمانه نودي بذلك ووصى به ليعتقد السامع أن أمرًا نودي له جميع الرسل، وصوابه حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه أو خطاب لنبيّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفضله وقيامه مقام الكل في زمانه وكان يأكل من الغنائم أو لعيسى لاتصال الآية بذكره، وكان يأكل من غزل أمه كما قاله أبو إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل وهو أطيب الطيبات، وفي الصحيح أن داود كان يأكل من عمل يده ( { واعملوا صالحًا} ) موافقًا للشريعة ( { إني بما تعملون عليم} ) [المؤمنون: 51] فأجازيكم على أعمالكم.


[ قــ :5081 ... غــ : 5373 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ».
قَالَ سُفْيَانُ: وَالْعَانِي الأَسِيرُ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: ( أخبرنا سفيان) الثوري ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن أبي وائل) شقيق بن سلمة ( عن أبي موسى) عبد الله بن قيس ( الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( أطعموا الجائع) قال في فتح الباري: يؤخذ من الأمر بإطعام الجائع جواز الشبع لأنه ما دام قبل الشبع فصفة الجوع قائمة به والأمر بإطعامه مستمر ( وعودوا المريض) زوروه ( وفكوا العاني) ( قال سفيان) بالسند المذكور: ( والعاني الأسير) أي وخلصوا الأسير وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا يقال عنا يعنو فهو عانٍ والمرأة عانية وجمعها عوان والمتضررون الذين وجب حقهم على غيرهم من المسلمين منحصرون في هذه الأقسام صريحًا وكناية عند إمعان النظر.




[ قــ :508 ... غــ : 5374 ]
- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ طَعَامٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى قُبِضَ.

وبه قال: ( حدّثنا يوسف بن عيسى) المروزي قال: ( حدّثنا محمد بن فضيل) بالضاد المعجمة مصغرًا ( عن أبيه) فضيل بن غزوان بن جرير الكوفي ( عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: ما شبع آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طعام) وفي حديث عائشة الآتي إن شاء الله تعالى من خبز البرّ ( ثلاثة أيام) متوالية بلياليها ( حتى قبض) .
وعند مسلم والترمذي عن عائشة ما شبع من خبز شعير يومين متتابعين أي لقلة الشيء عندهم أو كانوا يؤثرون به المحتاج على أنفسهم أو لأن الشبع مذموم، وقد روى حذيفة مرفوعًا "من قل طعمه صح بطنه وصفا قلبه ومن كثر طعمه سقم بطنه وقسا قلبه".

وحديث الباب من أفراد المؤلّف.




[ قــ :5083 ... غــ : 5375 ]
- وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَابَنِي جَهْدٌ شَدِيدٌ، فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،
فَاسْتَقْرَأْتُهُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَدَخَلَ دَارَهُ وَفَتَحَهَا عَلَيَّ، فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَخَرَرْتُ لِوَجْهِي مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ»، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَقَامَنِي وَعَرَفَ الَّذِي بِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَحْلِهِ فَأَمَرَ لِي بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: «عُدْ فَاشْرَبْ يَا أَبَا هِرَيْرَةَ»، فَعُدْتُ، فَشَرِبْتُ ثُمَّ قَالَ: «عُدْ»، فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ حَتَّى اسْتَوَى بَطْنِي فَصَارَ كَالْقِدْحِ قَالَ: فَلَقِيتُ عُمَرَ وَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِي وَقُلْتُ لَهُ: تَوَلَّى اللَّهُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ يَا عُمَرُ، وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَقْرَأْتُكَ الآيَةَ وَلأَنَا أَقْرَأُ لَهَا مِنْكَ قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لأَنْ أَكُونَ أَدْخَلْتُكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ.

( وعن أبي حازم) سلمان الأشجعي بالسند السابق ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- قال: ( أصابني جهد شديد) من الجوع والجهد كما في القاموس الطاقة ويضم والمشقة ( فلقيت عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- ( فاستقرأته) سألته أن يقرأ عليّ ( آية) معينة على طريق الاستفادة ( من كتاب الله) عز وجل ( فدخل داره وفتحها) أي قرأ الآية ( عليّ) وفهمني إياها وفي الحلية لأبي نعيم من وجه آخر عن أبي هريرة أن الآية المذكورة في سورة آل عمران وفيه فقلت له: أقرأتني وأنا لا أريد القراءة وإنما أريد الإطعام.
قال في الفتح: وكأنه سهل الهمزة فلم يفطن عمر لمراده كذا قال لكن قوله آية يعين التنزيل لا سيما مع رواية أن الآية من سورة آل عمران ( فمشيت غير بعيد فخررت) سقطت ( لوجهي من الجهد والجوع) وكما كان في الحلية يومئذٍ صائمًا ولم يجد ما يفطر عليه ( فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم على رأسي فقال) :
( يا أبا هريرة) ولأبي ذر يا أبا هرّ ( فقلت لبيك رسول الله وسعديك) منادى مضاف محذوف الأداة ( فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي) من شدة الجوع ( فانطلق بي إلى رحله) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة مسكنه ( فأمر لي بعس) بضم العين وتشديد السين المهملتين قدح ضخم ( من لبن فشربت منه ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( عد فاشرب يا أبا هريرة فعدت فشربت ثم قال: عد) فاشرب يا أبا هريرة ( فعدت فشربت حتى استوى بطني) أي استقام لامتلائه من اللبن ( فصار كالقدح) بكسر القاف وسكون الدال بعدها هاء مهملتين السهم الذي لا ريش له في الاستواء والاعتدال.

( قال) أبو هريرة ( فلقيت عمر) بن الخطاب ( وذكرت له الذي كان من أمري) بعد مفارقتي له ( وقلت له: تولى الله) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني فولى الله بالفاء بدل الفوقية ( ذلك) من إشباعي ودفع الجوع عني ( من كان أحق به منك يا عمر) وهو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والجملة في موضع نصب مفعول تولى الله ( والله لقد استقرأتك الآية ولأنا) مبتدأ مؤكد باللام وخبره قوله ( أقرأ لها منك.
قال عمر: والله لأن أكون أدخلتك)
داري وأضفتك ( أحب الي من أن يكون لي مثل حمر النعم) عبّر بذلك لأن الإبل كانت أشرف أموالهم.