فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب فرض صدقة الفطر

باب فَرْضِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَرَأَى أَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَرِيضَةً
( باب فرض صدقة الفطر) .
أي من رمضان فأضيفت الصدقة للفطر لكونها تجب بالفطر منه أو مأخوذة من الفطرة التي هي الخلقة المرادة بقوله تعالى: { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] وهذا قاله ابن قتيبة، والمعنى أنها وجبت على الخلقة تزكية للنفس أي تطهيرًا لها وتنمية لعملها، ويقال للمخرج في زكاة الفطر فطرة بضم الفاء كما في الكفاية وهو غريب، والذي في

شرح المهذّب وغيره كسر الفاء لا غير قال: وهي مولدة لا عربية ولا معرّبة بل اصطلاحية للفقهاء انتهى.
فتكون حقيقة شرعية على المختار كالصلاة ويقال لها صدقة الفطر وزكاة رمضان وزكاة الصوم وصدقة الرؤوس وزكاة الأبدان، ولأبي ذر عن المستملي: أبواب صدقة الفطر باب فرض صدقة الفطر وكان فرضها في السنة الثانية من الهجرة في شهر رمضان قبل العيد بيومين.

( ورأى أبو العالية) رفيع بن مهران الرياحي بالمثناة التحتية ( وعطاء) هو ابن أبي رباح ( وابن سيرين) محمد فيما وصله عنه، وعن الأول ابن أبي شيبة من طريق عاصم الأحول وعبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ( صدقة الفطر فريضة) وهو مذهب الشافعية والجمهور، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك لكنه معارض بأن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرض وهو مقتضى قاعدتهم في أن الواجب ما ثبت بدليل ظني، وقال المرداوي من الحنابلة في تنقيحه: وهي واجبة وتسمى أيضًا فرضًا نصًّا، ونقل المالكية عن أشهب أنها سنة مؤكدة، قال بهرام: وروي ذلك عن مالك وهو قول بعض أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية وحملوا فرض في الحديث على التقدير كقولهم: فرض القاضي نفقة اليتيم وهو ضعيف مخالف للظاهر، وقال إبراهيم بن علية وأبو بكر بن كيسان الأصم نسخ وجوبها، واستدل لهما بحديث النسائي عن قيس بن سعد بن عبادة قال: أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله، لكن في إسناده راوٍ مجهول وعلى تقدير الصحة فلا دليل فيه على النسخ لأن الزيادة في جنس العبادة لا توجب نسخ الأصل المزيد عليه غير أن محل سائر الزكوات الأموال ومحل زكاة الفطر الرقاب كما نبه عليه الخطابي.


[ قــ :1443 ... غــ : 1503 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ".
[الحديث 1305 - أطرافه في: 1504، 1507، 1509، 1511، 1512] .

وبالسند قال: ( حدّثنا يحيى بن محمد بن السكن) بفتح السين والكاف آخره نون البزار بالزاي المعجمة ثم الراء المهملة القرشي قال: ( حدّثنا محمد بن جهضم) بفتح الجيم والضاد المعجمة بينهما هاء ساكنة آخره ميم ابن عبد الله الثقفي قال: ( حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري ( عن عمر بن نافع) بضم العين وفتح الميم ( عن أبيه) نافع مولى عبد الله بن عمر ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال) :
( فرض) أي أوجب ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وما أوجبه فبأمر الله وما كان ينطق عن الهوى ( زكاة الفطر) من صوم رمضان ووقت وجوبها غروب الشمس ليلة العيد لكونه أضافها إلى الفطر وذلك وقت الفطر، وهذا قول الشافعي في الجديد وأحمد بن حنبل وإحدى الروايتين عن مالك.
وقال أبو
حنيفة: طلوع الفجر يوم العيد وهو قول الشافعي في القديم ( صاعًا من تمر) بنصب صاعًا على التمييز أو هو مفعول ثان وهو خمسة أرطال وثلث رطل بالبغدادي وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وعلماء الحجاز، وهو مائة وثلاثون درهمًا على الأصح عند الرافعي، ومائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم على الأصح عند النووي.
فالصاع على الأول ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهمًا وثلث درهم، وعلى الثاني ستمائة درهم وخمسة وثمانون درهمًا وخمسة أسباع درهم والأصل الكيل وإنما قدر بالوزن استظهارًا.
قال في الروضة: وقد يشكل ضبط الصاع بالأرطال فإن الصاع المخرج به في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكيال معروف ويختلف قدره وزنًا باختلاف جنس ما يخرج كالذرة والحمص وغيرهما، والصواب ما قاله الدارمي إن الاعتماد على الكيل بصاع معاير بالصاع الذي كان يخرج به في عصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن لم يجده لزمه إخراج قدر يتيقن أنه لا ينقص عنه وعلى هذا فالتقدير بخمسة أرطال وثلث تقريب، وقال جماعة من العلماء: الصاع أربع حفنات بكفي رجل معتدل الكفّين حكاه النووي في الروضة، وذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أنه ثمانية أرطال بالرطل المذكور، وكان أبو يوسف يقول كقولهما ثم رجع إلى قول الجمهور لما تناظر مع مالك بالمدينة فأراه الصيعان التي توارثها أهل المدينة عن أسلافهم من زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( أو صاعًا من شعير) ظاهره أنه يخرج من أيهما شاء صاعًا ولا يجزئ غيرهما، وبذلك قال ابن حزم لكن ورد في روايات أخرى ذكر أجناس أخر تأتي إن شاء الله تعالى ( على العبد والحر) وظاهره أن العبد يخرج عن نفسه وهو قول داود الظاهري منفردًا به، ويرده قوله عليه الصلاة والسلام: ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر وذلك يقتضي أنها ليست عليه بل على سيده.
وقال القاضي البيضاوي: وجعل وجوب زكاة الفطر على السيد
كالوجوب على العبد مجازًا إذ ليس هو أهلاً لأن يكلف بالواجبات المالية، ويؤيد ذلك عطف الصغير عليه ( والذكر والأنثى) والخنثى ( والصغير) أي: وإن كان يتيمًا خلافًا بن الحسن وزفر ( والكبير من المسلمين) دون الكفار لأنها طهرة والكفار ليسوا من أهلها.
نعم لا زكاة على أربعة من لا يفضل عن منزله وخادم يحتاج إليهما ويليقان به وعن قوته وقوت من تلزمه نفقته ليلة العيد ويومه ما يخرجه فيها وامرأة غنية لها زوج معسر وهي في طاعته فلا يلزمها إخراج فطرتها بخلاف ما إذا لم تكن في طاعته وبخلاف الأمة فإن فطرتها تلزم سيدها، والفرق تسليم الحرة نفسها بخلاف الأمة بدليل أن لسيدها أن يسافر بها ويستخدمها والمكاتب لا تجب فطرته عليه لضعف ملكه ولا على سيده لأنه معه كالأجنبي والمغصوب أو الآبق لتعطيل فائدتهما على السيد، لكن الأصح وجوب الإخراج عليه عنهما تبعًا لنفقتهما وعن منقطع الخبر إذا لم تمض مدة لا يعيش في مثلها لأن الأصل بقاؤه حيًّا فإن مضت مدة لا يعيش في مثلها لم تجب فطرته، ويستثنى أيضًا عبد بيت المال والعبد الموقوف فلا تجب فطرتهما إذ ليس لهما مالك معين يلزم بها، ( وأمر) عليه الصلاة والسلام ( بها) أي بالفطرة ( أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) أي صلاة العيد.


تنبيه
قوله: "من المسلمين" ذكر غير واحد أن مالكًا تفرد بها من بين الثقات وفيه نظر، فقد رواها

جماعة ممن يعتمد على حفظهم منهم: عمر بن نافع، والضحاك بن عثمان، وكثير بن فرقد، والمعلى بن إسماعيل، ويونس بن يزيد، وابن أبي ليلى، وعبد الله بن عمر العمري وأخوه عبيد الله بن عمر، وأيوب السختياني على اختلاف عنهما في زيادتها، فأما رواية عمر بن نافع فأخرجها البخاري في صحيحه، وأما رواية الضحاك بن عثمان فأخرجها مسلم في صحيحه، وأما رواية كثير بن فرقد فرواها الدارقطني في سننه والحاكم، وأما رواية المعلى بن إسماعيل فرواها ابن حبان في صحيحه، وأما رواية يونس بن يزيد فرواها الطحاوي في بيان المشكل، وأما رواية ابن أبي ليلى وعبد الله بن عمر العمري وأخيه عبيد الله التي فيها بزيادة قوله من المسلمين فرواها الدارقطني في السنن، وأما رواية أيوب السختياني فذكرها الدارقطني، وهذه الزيادة تدل على اشتراط الإسلام في وجوب زكاة الفطر، ومقتضى ذلك أنه لا تجب على الكافر زكاة الفطر لا عن نفسه ولا عن غيره فأما عن نفسه فمتفق عليه وأما عن غيره من عبد وقريب فمختلف فيه.
وللشافعية وجهان مبنيان على أنها تجب على المؤدي ابتداء أو على المؤدى عنه ثم يتحملها المؤدي والأصح الوجوب بناء على الأصح وهو وجوبها على المؤدى عنه ثم يتحملها المؤدي وهو المحكي عن أحمد، أما عكسه وهو إخراج المسلم عن قريبه وعبده الكافرين فلا تجب عند مالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة بالوجوب.

وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث صحيح.