فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله

باب دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ إِلَى الإِسْلاَمِ وَالنُّبُوَّةِ، وَأَنْ لاَ يَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الكِتَابَ} [آل عمران: 79] إِلَى آخِرِ الآيَةِ
( باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الإسلام) ولأبي الوقت الناس إلى الإسلام ( والنبوة) أي الاعتراف بها ( وأن لا يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله) لأن كلاًّ منهم بشر مثلهم.
( وقوله تعالى) : بالجر عطفًا على السابق ( { ما كان لبشر أن يؤتيه الله} ) [آل عمران: 79] وزاد في رواية أبي ذر: الكتاب ( إلى آخر الآية) .
وسقط لأبي ذر لفظ: إلى آخر، والمعنى ما ينبغي لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة أن يقول للناس اعبدوني مع الله، وإذا كان لا يصلح لنبي ولا لمرسل فلأن لا يصلح لأحد من الناس غيرهم بطريق الأولى، وقد كان أهل الكتاب يتعبدون لأحبارهم ورهبانهم كما قال تعالى: { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلاّ هو سبحانه عما يشركون} [التوبة: 31] .


[ قــ :2811 ... غــ : 2940 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ أَخْبَرَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ، وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ
فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلاَهُ اللَّهُ، فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ لأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

وبه قال: ( حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن محمد بن حمزة بن مصعب بن عبد الله بن الزبير بن العوّام أبو إسحاق القرشي الأسدي الزبيري المدني قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي ( عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن عببد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود ( عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب) كتابًا ( إلى قيصر) ملك الروم واسمه هرقل ( يدعوه) فيه ( إلى الإسلام وبعث) عليه الصلاة والسلام ( بكتابه) هذا ( إليه) إلى قيصر ( مع دحية الكلبي) في آخر سنة ست بعد أن رجع من الحديبية ( وأمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أمر دحية ( أن يدفعه إلى عظيم) أهل ( بصرى) بضم الموحدة وسكون الصاد المهملة وفتح الراء مقصورًا مدينة حوران ذات قلعة بين الشام والحجاز وعظيمها أميرها الحرث بن شمر الغساني ( ليدفعه إلى قيصر، وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس) عند غلبة جنود الروم عليهم في سنة عمرة الحديبية ( مشى من حمص) مجرور بالفتحة لأنه غير منصرف للعلمية والتأنيث.
وزاد ابن إسحاق عن الزهري أنه كان يبسط له البسط ويوضع عليها الرياحين فيمشي عليها ( إلى إيلياء) بكسر الهمزة واللام بينهما تحتية ممدودة وهي بيت المقدس ( شكرًا لما أبلاه الله) بهمزة مفتوحة وموحدة ساكنة أي أنعم الله عليه بدفع فارس عنه بعد أن ملكوا الشام وما والاها من الجزيرة وأقاصي بلاد الروم واضطروا هرقل حتى ألجؤوه إلى القسطنطينية وحاصروه فيها مدّة طويلة ( فلما جاء قيصر) وهو بإيلياء ( كتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الذي بعثه مع دحية فأعطاه دحية لعظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر فلما وصل إليه ( قال حين قرأه: التمسوا لي هاهنا أحدًا من قومه لأسألهم عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي عن نسبه وصفته ونعته وما يدعو إليه.




[ قــ :811 ... غــ : 941 ]
- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بنُ حَربٍ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّاْمِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تِجَارًا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشّامِ، فَانْطَلَقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ.
فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا.
قَالَ: مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟ فَقُلْتُ هُوَ ابْنُ عَمّ.
وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي.
فَقَالَ قَيْصَرُ: أَدْنُوهُ.
وَأَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفِي.
ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلَ عَنِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ، وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الْكَذِبَ عَنِّي
فَصَدَقْتُهُ.
ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ.
قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ.
فَقَالَ: كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ.
قَالَ: فَيَزِيدُونَ أَم يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ.
قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ الآنَ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ نَحْنُ نَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهِ -لاَ أَخَافُ أَنْ تُؤْثَرَ عَنِّي- غَيْرُهَا.
قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ أَوْ قَاتَلَكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: فَكَيْفَ كَانَتْ حَرْبُهُ وَحَرْبُكُمْ؟ قُلْتُ: دُوَلاً وَسِجَالاً: يُدَالُ عَلَيْنَا الْمَرَّةَ وَنُدَالُ عَلَيْهِ الأُخْرَى.
قَالَ: فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ؟ قَالَ: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ.
فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ حِينَ.

قُلْتُ ذَلِكَ لَهُ: قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ.

قُلْتُ يَأْتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ.

قُلْتُ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ.
وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تَخْلِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لاَ يَسْخَطُهُ أَحَدٌ.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ يَغْدِرُونَ.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ، وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ تَكُونُ دُوَلاً، وَيُدَالُ عَلَيْكُمُ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الأُخْرَى، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ.
وَسَأَلْتُكَ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ , وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ.
قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيِّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَكِنْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْكُمْ، وَإِنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقَاءِهِ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُرِئَ، فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ.
سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ
تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ { وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] .
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا أَنْ قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ، فَلاَ أَدْرِي مَاذَا قَالُوا.
وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا.
فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ.

قُلْتُ لَهُمْ: أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، هَذَا مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ يَخَافُهُ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ ذَلِيلاً مُسْتَيْقِنًا بِأَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ، حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ قَلْبِي الإِسْلاَمَ وَأَنَا كَارِهٌ".

( قال ابن عباس) : بالسند السابق: ( فأخبرني أبو سفيان بن حرب) وسقط لغير أبي ذر ابن حرب ( أنه كان بالشام في رجال من قريش) صفة لرجال وكانوا ثلاثين رجلاً كما عند الحاكم حال كونهم ( قدموا تجارًا) بكسر الفوقية وتخفيف الجيم ( في المدة التي كانت بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين كفار قريش) وهي مدة صلح الحديبية ( قال أبو سفيان: فوجدنا) بفتح الدال وفعل ومفعول ( رسول قيصر) ببعض الشام) قيل غزة المدينة المشهورة ( فانطلق بي وبأصحابي) رسول قيصر ( حتى قدمنا إيلياء فأدخلنا عليه) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ( فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج، وإذا حوله عظماء الروم) .
وعند ابن السكن: وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان ( فقال لترجمانه) : بفتح التاء وقد تضم وضم الجيم وهو المفسر لغة بلغة ( سلهم أيهم أقرب نسبًا إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان فقلت: أنا أقربهم إليه نسبًا.
قال)
: قيصر ( ما قرابة ما بينك وبينه؟ فقلت: هو ابن عمي) لأنه من بني عبد مناف وهو الأب الرابع له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي سفيان، ولأبي ذر: ابن عم بإسقاط الباء وتنوين الميم ( وليس في المركب يومئد أحد من بني عبد مناف غيري.
فقال قيصر: أدنوه)
بهمزة مفتوحة أي قربوه.
زاد في أول الكتاب مني، وإنما أراد بذلك الإمعان في السؤال.
( وأمر بأصحابي) القرشيين ( فجعلوا خلف ظهري عند كتفي) لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالكذب إن كذب وكتفي بكسر الفاء وتخفيف الياء في الفرع.
( ثم قال لترجمانه: قل لأصحابه إني سائل هذا الرجل) أبا سفيان ( عن) الرجل ( الذي يزعم أنه نبي فإن كذب) في حديثه عنه ( فكذبوه) بتشديد الدال المكسورة ( قال أبو سفيان: والله لولا الحياء يومئذ من أن يأثر) بضم المثلثة بعد الهمزة الساكنة أي يروي ويحكي ( أصحابي عني الكذب لكذبته حين سألني عنه) عليه الصلاة والسلام لبغضي إياه إذ ذاك ( ولكني استحببت أن يأثروا الكذب عني فصدقته) بتخفيف الدال المهملة ( ثم قال) : هرقل ( لترجمانه: قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم) ؟ أي ما حال نسبه أهو من أشرافكم أم لا؟ ( قلت: هو فينا ذو نسب) عظيم ( قال: فهل قال هذا القول أحد منكم) من قريش ( قبله؟ قلت: لا.
فقال: كنتم)
أي هل كنتم؟ ( تتهمونه على الكذب) وفي رواية شعيب عن الزهري أول هذا الكتاب: فهل كنتم تتهمونه بالكذب؟ ( قبل أن يقول ما قال: قلت: لا.
قال: فهل كان من آبائه من ملك)
بكسر ميم من حرف جر وكسر لام ملك صفة مشبهة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من ملك؟ بفتح ميم من اسم موصول وفتح لام ملك فعل ماض.
( قلت: لا.
قال: فأشراف الناس)
؟ أهل النخوة والتكبر منهم
( يتبعونه) بتشديد الفوقية وإسقاط همزة الاستفهام وهو قليل ( أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم) أي اتبعوه ( قال: فيزيدون أو ينقصون) ؟ وفي رواية شعيب أم بالميم بدل الواو ( قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد) منهم كما في رواية شعيب ( سخطة لدينه) بالنصب على الحال أي ساخطًا ( بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا.
قال: فهل يغدر)
؟ أي ينقض العهد ( قلت: لا.
ونحن الآن منه في مدة)
أي مدّة صلح الحديبية ( نحن نخاف أن يغدر.
قال أبو سفيان.
ولم تمكني)
بالفوقية والذي في اليونينية بالتحتية ( كلمة أدخل فيها شيئًا أنتقصه به) وسقط في رواية شعيب لفظ انتقصه به ( لا أخاف أن تؤثر) أي تروى ( عني غيرها.
قال: فهل قاتلتموه وقاتلكم؟ قلت: نعم.
قال: فكيف كانت حربه وحربكم؟ قلت: كانت دولاً)
بضم الدال وكسرها وفتح الواو ( وسجالاً) بكسر السين بالجيم أي نوبًا نوبة لنا ونوبة له كما قال ( يدال علينا المرة وندال عليه الأخرى) بضم أوّل يدال وندال بالبناء للمفعول أي يغلبنا مرة ونغلبه أخرى ( قال: فماذا يأمركم) ؟ زاد أبو ذر: به ( قال) : أبو سفيان فقلت ( يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك) ولأبي الوقت: ولا نشرك ( به شيئًا) بزيادة الواو وقيل لا ( وينهانا عما كان يعبد آباؤنا) من عبادة الأصنام ( ويأمرنا بالصلاة) المعهودة ( والصدقة) المفروضة.
وفي رواية شعيب: والصدق بدل الصدقة ( والعفاف) بفتح العين الكف عن المحارم وخوارم المروءة ( والوفاء بالعهد وأداء الأمانة.
فقال لترجمانه حين قلت ذلك له.
قل له إني سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه ذو نسب)
أي عظيم ( وكذلك الرسل تُبعث في أشرف ( نسب قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله؟ فزعمت أن لا.
فقلت)
: في نفسي ( لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله قلت رجل يأتم) أي يقتدي ( بقول قد قيل قبله، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا.
فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس)
قبل أن يظهر رسالته ( ويكذب على الله) بعد إظهارها.
( وسألتك هل كان من آبائه من ملك فزعمت أن لا، فقلت لو كان من آبائه ملك قلت يطلب ملك آبائه) بالجمع وفي رواية شعيب أبيه بالإفراد ( وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل) غالبًا ( وسألتك هل يزيدون أو) وفي رواية شعيب أم ( ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان) فإنه لا يزال في زيادة ( حتى يتم) أمره بالصلاة والزكاة والصيام ونحوها، ولذا نزل في آخر سنيه عليه الصلاة والسلام { اليوم أكملت لكم دينكم} الآية [المائدة: 3] .
( وسألتك هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا.
فكذلك الإيمان حين تخلط)
بفتح المثناة وسكون الخاء المعجمة وبعد اللام المكسورة طاء مهملة ( بشاشته القلوب) بفتح الموحدة والإضافة إلى ضمير الإيمان والقلوب نصب على المفعولية أي تخالط بشاشة الإيمان القلوب التي يدخل فيها ( لا يسخطه أحد) وفي رواية ابن إسحاق: وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبًا فتخرج منه.
( وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا.
وكذلك الرسل لا يغدرون.
وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل وأن حربكم وحربه يكون دولاً وبدال)
بالواو وسقطت لأبي ذر ( عليكم المرّة وتدالون عليه الأخرى وكذلك الرسل تُبتلى) أي تختبر بالغلبة عليهم ليعلم صبرهم ( وتكون لها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: له أي للمبتلى منهم ( العاقبة، وسألتك
بماذا يأمركم)
؟ بإثبات الألف مع ما الاستفهامية وهو قليل، وسبق في أوّل الكتاب مزيد فوائد فلتنظر.
( فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا و) أنه ( ينهاكم عمّا كان يعبد آباؤكم) أي عن عبادة الأوثان ( و) أنه ( يأمركم بالصلاة والصدقة) وللحموي والكشميهني: والصدق بدل الصدقة ( والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة.
قال)
هرقل ( وهذه صفة النبي) ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي: نبي ( قد كنت أعلم أنه خارج) قال ذلك لما رأى من علامات نبوّته الثابتة في الكتب السابقة، ( ولكني لم أظن) ولأبي ذر عن الكشميهني: لم أعلم ( أنه منكم) أي من قريش ( وإن يك ما قلت حقًّا فيوشك) بكسر الشين المعجمة أي فيسرع ( أن يملك) عليه الصلاة والسلام ( موضع قدميّ هاتين) أرض بيت المقدس أو أرض ملكه ( ولو أرجو أن أخلص) بضم اللام أصل ( إليه لتجشمت) بالجيم والشين المعجمة لتكلفت ( لقيه) ولأبي ذر عن الكشميهني: لقاءه، وفي مرسل ابن إسحاق عن بعض أهل العلم أن هرقل قال: ويحك والله إني لأعلم أنه نبي مرسل، ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذاك لاتبعته ( ولو كنت عنده لغسلت قدميه) وفي رواية عبد الله بن شداد عن أبي سفيان: لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبّل رأسه وأغسل قدميه.

( قال أبو سفيان ثم دعا) هرقل ( بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي من وكل ذلك إليه أو من يأتي به، وزاد في رواية شعيب عن الزهري الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل ( فقرئ فإذا فيه) :
( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله) قدّم لفظ العبودية على الرسالة ليدل على أن العبودية أقرب طرق العباد إليه وتعريضًا لبطلان قول النصارى في المسيح أنه ابن الله لأن الرسل مستوون في أنهم عباد الله ( إلى هرقل عظيم) أهل ( الروم سلام على من اتّبع الهدى أما بعد؛ فإني أدعوك بداعية الإسلام) مصدر بمعنى الدعوة كالعافية.
وفي رواية شعيب بدعاية الإسلام أي بدعوته وهي كلمة الشهادة التي يدعى إليها أهل المِلَل الكافرة ( أسلم تسلم وأسلم) بكسر اللام في الأولى والأخيرة وفتحها في الثانية، وهذا في غاية الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني مع ما فيه من بديع التجنيس فإن تسلم شامل لسلامته من خزي الدنيا بالحرب والسبي والقتل وأخذ الذراري والأموال ومن عذاب الآخرة ( يؤتك الله أجرك مرتين) أي من جهة إيمانه بنبيه ثم بنبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو من جهة أن إسلامه سبب لإسلام أتباعه ( فإن توليت) أعرضت عن الإسلام ( فعليك) مع إثمك ( إثم الأريسيين) بالهمزة وتشديد الياء بعد السين جمع يريسي أي الأكارين وهم الفلاحون والزراعون، وللبيهقي في دلائله: عليك إثم الأكارين أي عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب وأسرع انقيادًا فإذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا.
{ ويا أهل الكتاب} بواو العطف على أدعوك أي أدعوك بداعية الإسلام وأدعوك بقول الله تعالى: يا أهل الكتاب { تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلا الله} نوحده بالعبادة ونخلص له فيها { ولا نشرك به شيئًا} ولا نجعل غيره شريكًا له في استحقاق العبادة { ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله} فلا
نقول عزير ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوه من التحريم والتحليل { فإن تولّوا} عن التوحيد { فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون} [آل عمران: 64] .
أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنّا مسلمون دونكم أو اعترفوا بأنكم كافرون بما نطقت به الكتب وتطابقت عليه الرسل.

( قال أبو سفيان: فلما أن قضى) هرقل ( مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم) أي صياحهم وشغبهم ( فلا أدري ماذا قالوا وأمر بنا فأُخرجنا) بضم الهمزة وكسر تاليها في الموضعين بالبناء لا مجهول ( فلما أن خرجت مع أصحابي وخلوت بهم قلت لهم: لقد أمر) بفتح الهمزة وكسر الميم أي كبر وعظم ( أمر ابن أبي كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة كنية رجل من خزاعة خالف قريشًا في عبادة الأوثان فعبد الشعرى فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة وقيل غير ذلك مما سبق أول الكتاب في بدء الوحي أي لقد عظم شأنه ( هذا ملك بني الأصفر) وهم الروم ( يخافه.
قال أبو سفيان: والله ما زلت ذليلاً)
بالذال المعجمة ( مستيقنًا بأن أمره) عليه الصلاة والسلام ( سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره) أي للإسلام، وكان ذلك يوم فتح مكة وقد حَسُنَ إسلامه وطاب به قلبه بعد ذلك -رضي الله عنه-.

وهذا الحديث سبق في بدء الوحي مع زيادات مباحث والله الموفق.




[ قــ :81 ... غــ : 94 ]
-
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه-: "سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى، فَقَالَ: أَيْنَ عَلِيٌّ؟ فَقِيلَ: يَشْتَكِي عَينَيْهِ، فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَىْءٌ، فَقَالَ: نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا.
فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ".
[الحديث 94 - أطرافه في: 3009، 3701، 410] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي) قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه) أبي حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار ( عن سهل بن سعد) بسكون العين الساعدي ( رضي الله عنه) أنه ( سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول يوم خيبر) في أول سنة سبع.

( لأعطين الراية) أي العَلَم ( رجلاً يفتح الله على يديه) زاد ابن إسحاق عن عمرو بن الأكوع ليس بفرّار ( فقاموا) أي الصحابة الحاضرون ( يرجون لذلك أيهم يعطى) بضم أوله مبنيًّا للمفعول أي فقام الحاضرون من الصحابة حال كونهم راجين لإعطاء الراية حتى يفتح الله على يديه ( فغدوا وكلهم) أي وكل واحد منهم ( يرجو أن يعطا) ها وكلمة أن مصدرية ( فقال) : عليه الصلاة والسلام ( أين عليّ) أي ما لي لا أراه حاضرًا وكأنه عليه الصلاة والسلام استبعد غيبته عن حضرته في مثل هذا
الموطن، لا سيما وقد قال: لأعطين الراية إلخ ... وحضر الناس كلهم طمعًا أن يفوزوا بذلك الوعد ( فقيل) : على سبيل الاعتذار عن غيبته ( يشتكي عينيه) من الرمد ( فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإحضاره ( فدُعي له) بضم الدال مبنيًّا للمفعول أي دُعي عليّ للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فبصق في عينيه فبرأ مكانه) بفتح الموحدة والراء ( حتى كأنه لم يكن به شيء) من الرمد ( فقال) : أي عليّ يا رسول الله ( نقاتلهم حتى يكونوا) مسلمين ( مثلنا.
فقال)
: عليه الصلاة والسلام له ( على رسلك) بكسر الراء وسكون السين أي اتئد فيه وكن على الهينة ( حنى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام) أي قبل القتال.

وهذا موضع الترجمة.

( وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لأن) بفتح اللام وفي اليونينية بكسرها ( يهدى بك رجل واحد) بضم أوّل يهدى وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول ( خير لك من حُمر النعم) بضم الحاء المهملة والميم كذا في اليونينية بضم الميم فلينظر، والنعم بفتح النون أي حمر الإبل وهي أحسنها وأعزها أي خير لك من أن تكون لك فتتصدّق بها.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في فضل عليّ ومسلم في الفضائل.




[ قــ :813 ... غــ : 943 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ.
فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلاً".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين قال: ( حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحرث الفزاري ( عن حميد) الطويل أنه ( قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا غزا قومًا لم يغر) بضم أوّله من الإغارة ( حتى يصبح فإن سمع أذانًا أمسك) عن قتالهم ( إن لم يسمع أذانًا أغار) عليهم ( بعدما يصبح) أي أنه كان إذا لم يعلم حال القوم هل بلغتهم الدعوة أم لا ينتظر بهم الصباح ليستبرئ حالهم بالأذان فإن سمعه أمسك عن قتالهم وإلاّ أغار عليهم، ( فنزلنا خيبر ليلاً) نصب على الظرفية.




[ قــ :813 ... غــ : 944 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا ... ".

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا إسماعيل بن جعفر) أي ابن أبي كثير ( عن حميد) الطويل ( عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا غزا بنا) هذا طريق آخر لحديث أنس أخرجه بتمامه في الصلاة بلفظ: إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر فإن سمع أذانًا كفّ عنهم وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم الحديث.




[ قــ :814 ... غــ : 945 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بن مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهَا لَيْلاً -وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَوْمًا بِلَيْلٍ لاَ يُغِيرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ- فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ".

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا بواو العطف ( عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) الإمام ( عن حميد) الطويل ( عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج إلى خيبر فجاءها ليلاً) نصب على الظرفية ( وكان إذا جاء قومًا بليل لا يغير) وفي رواية: لم يغر ( عليهم حتى يصبح) أي يطلع الفجر ( فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم) بتخفيف الياء هي كالمجارف إلاّ أنها من حديد ( ومكاتلهم) ، قففهم لزرعهم ( فلما رأوه قالوا) جاء ( محمد والله محمد والخميس) بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم أي الجيش لأنه خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( الله أكبر) ثلثه الطبراني في روايته ( خربت خيبر) قاله بوحي أو تفاؤلاً لما رأى آلات الخراب معهم من المساحي والمكاتل ( إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) وهذا طريق ثالث لحديث أنس؛ وأخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والترمذي والنسائي في السير.




[ قــ :815 ... غــ : 946 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ".
رَوَاهُ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: ( حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني ( سعيد بن السيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أُمرت أن) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي أمرني الله تعالى بأن ( أُقاتل الناس) أي بمقاتلة الناس وهو من العام الذي أريد به الخاص فالمراد بالناس المشركون من غير أهل الكتاب ويدل له رواية النسائي بلفظ: أُمرت أن أقاتل المشركين ( حتى) أي إلى أن ( يقولوا لا إله إلا الله) ولمسلم: حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله محمدًا رسول الله، وزاد في حديث ابن عمر عند المؤلّف في كتاب الإيمان: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ( فمن قال لا الله إلاّ الله فقد عصم) أي حفظ ( مني نفسه وماله إلاّ بحقه) أي الإسلام من قتل النفس المحرمة والزنا بعد الإحصان والارتداد عن الدين ( وحسابه على الله) فيما يسره من الكفر والمعاصي يعني أنا نحكم عليه بالإسلام ونؤاخذه بحقوقه بحسب ما يقتضيه ظاهر حاله.

( رواه عمر وابن عمر) بضم العين فيهما مثل حديث أبي هريرة هذا ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد وصل المؤلّف رواية عمر في الزكاة ورواية ابنه في الإيمان.