فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الاستعفاف عن المسألة

باب الاِسْتِعْفَافِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ
( باب الاستعفاف عن المسألة) في غير المصالح الدينية.


[ قــ :1411 ... غــ : 1469 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- "أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ".
[الحديث 1469 - طرفه في: 6470] .


وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن عطاء بن يزيد الليثي) بالمثلثة ويزيد من الزيادة ( عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن ناسًا من الأنصار) .
قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمهم لكن في حديث النسائي ما يدل على أن أبا سعيد المذكور منهم ( سألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم) زاد أبو ذر: ثم سألوه فأعطاهم ( حتى نفد) بكسر الفاء وبالدال المهملة أي فرغ وفني ( ما عنده فقال) :
( ما يكون عندي من خير) ما موصولة متضمنة معنى الشرط وجوابه ( فلن أدخره عنكم) بتشديد الدال المهملة أي لن أجعله ذخيرة لغيركم أو لن أحبسه وأخبأه وأمنعكم إياه ( ومن يستعفف) بفاءين، وللحموي والمستملي: ومن يستعف بفاء واحدة مشددة أي ومن طلب العفة عن السؤال ( يعفه الله) بنصب الفاء أي يرزقه الله العفة أي الكف عن الحرام، ولأبي ذر: يعفه الله برفع الفاء ( ومن يستغن) يظهر الغنى ( يغنه الله ومن يتصبر) يعالج الصبر ويتكلفه على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا.
قال في شرح المشكاة قوله يعفه الله يريد أن من طلب من نفسه العفة عن السؤال ولم يظهر الاستغناء يعفه الله أي يصيره عفيفًا ومن ترقى من هذه المرتبة إلى ما هو أعلى من إظهار الاستغناء عن الخلق لكن إن أعطي شيئًا لم يردّه يملأ الله قلبه غنى ومن فاز بالقدح المعلى وتصبر وإن أعطي لم يقبل فهو هو إذ الصبر جامع لمكارم الأخلاق.
( يصبره الله) يرزقه الله الصبر ( وما أُعطيَ أحد) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول وأحد رفع نائب عن الفاعل ( عطاء) نصب مفعول ثان لأعطي ( خيرًا) صفة عطاء ( وأوسع) عطف على خيرًا ( من الصبر) لأنه جامع لكارم الأخلاق أعطاهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحاجتهم ثم نبههم على موضع الفضيلة.




[ قــ :141 ... غــ : 1470 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً فَيَسْأَلَهُ، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ».
[الحديث 1470 - أطرافه في: 1480، 074، 374] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( و) الله ( الذي نفسي بيده) إنما حلف لتقوية الأمر وتأكيده ( لأن يأخذ) بلام التأكيد ( أحدكم حبله) وفي رواية أحبله بالجمع ( فيحتطب) بتاء الافتعال.
وفي مسلم فيحطب بغير تاء أي فإن يحتطب أي يجمع الحطب ( على ظهره) فهو ( خير له) وليست خير هنا من أفعل التفضيل بل هي كقوله تعالى: { أصحاب الجنة يومئذٍ خير مستقرًّا} [الفرقان: 4] ( من أن يأتي رجلاً) أعطاه الله من فضله

( فيسأله، أعطاه) فحمله ثقل المنة مع ذل السؤال ( أو منعه) فاكتسب الذل والخيبة والحرمان أعاذنا الله من كل سوء.




[ قــ :1413 ... غــ : 1471 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ».
[الحديث 1471 - طرفاه في: 075، 3373] .

وبه قال: ( حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: ( حدّثنا هشام عن أبيه) عروة ( عن الزبير) أبيه ( ابن العوّام -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( لأن يأخذ أحدكم حبله) بالإفراد أيضًا واللام في لأن ابتدائية أو جواب قسم محذوف ( فيأتي بحزمة الحطب) بالتعريف وحزمة بضم المهملة وسكون الزاي، ولأبي ذر: بحزمة حطب ( على ظهره فيبيعها فيكفّ) بنصب الفعلين ( الله) أي فيمنع الله ( بها وجهه) ، من أن يريق ماءه بالسؤال قاله المظهري، ومن فوائد الاكتساب الاستغناء والتصديق كما في مسلم فيتصدق به ويستغني عن الناس فهو ( خير له من أن يسأل الناس) أي من سؤال الناس ولو كان الاكتساب بعمل شاق كالاحتطاب، وقد روي عن عمر فيما ذكره ابن عبد البر مكسبة فيها بعض الدناءة خير من مسألة الناس ( أعطوه) ما سأل ( أو منعوه) .
وفي الحديث فضيلة الاكتساب بعمل اليد وقد ذكر بعضهم أنه أفضل المكاسب.

وقال الماوردي: أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصناعة.
قال: ومذهب الشافعي أن التجارة أطيب والأشبه عندي أن الزراعة أطيب لأنها أقرب إلى التوكل.

قال النووي في شرح المهذّب في صحيح البخاري، عن المقدام بن معد يكرب عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده" الحديث.
فالصواب ما نص عليه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عمل اليد، فإن كان زراعًا فهو أطيب المكاسب وأفضلها لأنه عمل يده ولأن فيه توكلاً كما ذكره الماوردي ولأن فيه نفعًا عامًّا للمسلمين والدواب، ولأنه لا بد في العادة أن يؤكل منه بغير عوض فيحصل له أجره وإن لم يكن ممن يعمل بيده بل يعمل له غلمانه وأجزاؤه فاكتسابه بالزراعة أفضل لما ذكرنا.

وقال في الروضة، بعد حديث المقدام هذا: فهذا صريح في ترجيح الزراعة والصنعة لكونهما من عمل يده، ولكن الزراعة أفضلهما لعموم النفع بها للآدمي وغيره وعموم الحاجة إليها والله أعلم.
وغاية ما في هذا الحديث تفضيل الاحتطاب على السؤال وليس فيه أنه أفضل المكاسب فلعله ذكره لتيسره لا سيما في بلاد الحجاز لكثرة ذلك فيها.





[ قــ :1414 ... غــ : 147 ]
- وَحَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ: يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ.
الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى.
قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا.
فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى الْعَطَاءِ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ.
ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه- دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الْفَىْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تُوُفِّيَ".
[الحديث 147 - أطرافه في: 750، 3143، 6441] .

وبه قال: ( حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: ( أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي ( عن) ابن شهاب ( الزهري عن عروة بن الزبير) بن العوام ( وسعيد بن المسيب أن حكيم بن حزام) بفتح الحاء المهملة في الأول وكسرها في الثاني وتخفيف الزاي المعجمة ( -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني) بتكرير الإعطاء ثلاثًا ( ثم قال) :
( يا حكيم، إن هذا المال) في الرغبة والميل إليه وحرص النفوس عليه كالفاكهة التي هي ( خضرة) في النظر ( حلوة) ، في الذوق وكل منهما يرغب فيه على انفراده فكيف إذا اجتمعا.
وقال في التنقيح: تأنيث الخبر تنبيه على أن المبتدأ مؤنث، والتقدير: أن صورة هذا المال أو يكون التأنيث للمعنى لأنه اسم جامع لأشياء كثيرة، والمراد بالخضرة الروضة الخضراء أو الشجرة الناعمة والحلوة المستحلاة الطعم.
قال في المصابيح: إذا كان قوله خضرة صفة للروضة أو المراد بها نفس الروضة الخضرة لم يكن ثم إشكال البتة، وذلك أن توافق المبتدأ والخبر في التأنيث إنما يجب إذا كان الخبر صفة مشتقة غير سببية نحو هند حسنة أو في حكمها كالمنسوب أما في الجوامد فيجوز نحو هذه الدار مكان طيب وزيد نسمة عجيبة انتهى.

( فمن أخذه) أي المال وللحموي: فمن أخذ ( بسخاوة نفس) من غير حرص عليه أو بسخاوة نفس المعطي ( بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس) أي مكتسبًا له بطلب النفس وحرصها عليه وتطلعها إليه ( لم يبارك له) أي الآخذ ( فيه) أي في المعطى ( وكان) أي الآخذ ( كالذي يأكل ولا يشبع) أي كذي الجوع الكاذب بسبب سقم من غلبة خلط سوداوي أو آفة، ويسمى جوع الكلب كلما ازداد أكلاً ازداد جوعًا فلا يجد شبعًا ولا ينجع فيه الطعام.

وقال في شرح المشكاة: لما وصف المال بما تميل إليه النفس الإنسانية بجبلتها رتب عليه بالفاء أمرين: أحدهما: تركه مع ما هي مجبولة عليه من الحرص والشره والميل إلى الشهوات وإليه أشار

بقوله: ومن أخذه بإشراف نفس.
وثانيهما: كفها عن الرغبة فيه إلى ما عند الله من الثواب، وإليه أشار بقوله: بسخاوة نفس، فكنى في الحديث بالسخاوة عن كف النفس عن الحرص والشره كما كنى في الآية بتوقي النفس من الشح والحرص المجبولة عليه من السخاء لأن من توقى من الشح يكون سخيًا مفلحًا في الدارين { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [التغابن: 16] وسقط من اليونينية كما نبه عليه بحاشية فرعها لفظة: وكان.
فإما أن يكون سهوًا أو الرواية كذلك ( اليد العليا) المنفقة ( خير من اليد السفلى) السائلة ( فقال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاي وضم الهمزة أي لا أنقص ( أحدًا بعدك) أي بعد سؤالك أو لا أرزأ غيرك ( شيئًا) من ماله أي لا آخذ من أحد شيئًا بعدك.
وفي رواية إسحاق قلت فوالله لا تكون يدي بعدك تحت أيدي العرب ( حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر) الصديق ( -رضي الله عنه- يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى) أي يمتنع ( أن يقبله منه) خوف الاعتياد فتتجاوز به نفسه إلى ما يريد ففطمها عن ذلك وترك ما يريبه إلى ما لا يريبه ( ثم إن عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنه- دعاه ليعطيه فأبى) أي امتنع ( أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر) لمن حضره مبالغة في براءة سيرته العادلة من الحيف والتخصيص والحرمان بغير مستند: ( إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه) فيه أنه لا يستحق من بيت المال شيئًا إلا بإعطاء الإمام، ولا يجبر احد على الأخذ وإنما أشهد عمر على حكيم لما مرّ ( فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى توفي) لعشر سنين من إمارة معاوية مبالغة في الاحتراز إذ مقتضى الجبلة الإشراف والحرص والنفس سراقة ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

قال النووي: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين: أصحهما أنها حرام لظاهر الأحاديث، والثاني حلال مع الكراهة بثلاثة شروط أن لا يذل نفسه ولا يلح في السؤال ولا يؤذي المسؤول فإن فقد واحد من هذه الشروط فحرام بالاتفاق انتهى.

وقد مثل القاضي أبو بكر بن العربي للواجب بالمريدين في ابتداء أمرهم ونازعه العراقي بأنه لا يطلق على سؤال المريدين في ابتدائهم اسم الوجوب، وإنما جرت عادة الشيوخ في تهذيب أخلاق المبتدئين بفعل ذلك لكسر أنفسهم إذا كان في ذلك إصلاحهم، فأما الوجوب الشرعي فلا.
وفي حديث ابن الفراسي مما رواه أبو داود والنسائي أنه قال: يا رسول الله أسأل؟ فقال: لا وإن كنت سائلاً لا بدّ فاسأل الصالحين أي من أرباب الأموال الذين لا يمنعون ما عليهم من الحق وقد لا يعلمون المستحق من غيره، فإذا عرفوا بالسؤال المحتاج أعطوه مما عليهم من حقوق الله أو المراد من يتبرك بدعائهم وترجى إجابتهم، وحيث جاز السؤال فيجتنب فيه الإلحاح والسؤال بوجه الله لحديث المعجم الكبير عن أبي موسى بإسناد حسن عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله" فمنع سائله ما لم يسأل هجرًا.


وفي حديث الباب التحديث والإخبار والعنعنة وثلاثة من التابعين، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الوصايا وفي الخمس والرقاق، ومسلم في الزكاة، والترمذي في الزهد، والنسائي في الزكاة.