فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا أشار الإمام بالصلح فأبى، حكم عليه بالحكم البين

باب إِذَا أَشَارَ الإِمَامُ بِالصُّلْحِ فَأَبَى، حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ الْبَيِّنِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا أشار الإمام بالصلح فأبى) أي امتنع من عليه الحق من الصلح (حكم عليه بالحكم البيّن) الظاهر.


[ قــ :2588 ... غــ : 2708 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شِرَاجٍ مِنَ الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كِلاَهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلزُّبَيْرِ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ.
فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ.
فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: اسْقِ، ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ.
فَاسْتَوْعَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَئِذٍ حَقَّهُ لِلزُّبَيْرِ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ سَعَةٍ لَهُ وَلِلأَنْصَارِيِّ فَلَمَّا أَحْفَظَ الأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ، قَالَ عُرْوَةُ قَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ إِلاَّ فِي ذَلِكَ: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآيَةَ".
[النساء: 65] .

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير أن) أباه (الزبير) بن العوّام (كان يحدّث أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدرًا) هو حميد كما رواه أبو موسى في الذيل بسند جيد (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شراج) بالشين المعجمة المكسورة آخره جيم أي مسايل الماء (من الحرة) بالحاء المفتوحة والراء المشددة المهملتين موضع بالمدينة (كانا يسقيان به كلاهما) تأكيد (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للزبير):
(اسقِ يا زبير) بهمزة وصل في الفرع وغيره وسبق في المساقاة أن فيه القطع أيضًا (ثم أرسل) بهمزة قطع مفتوحة أي الماء (إلى جارك) الأنصاري (فغضب الأنصاري، فقال) أي الأنصاري (يا رسول الله آن كان) بمد الهمزة في الفرع مصححًا عليه على الاستفهام وسبق في المساقاة أن فيه القصر أي لأجل أن كان الزبير (ابن عمتك) صفية بنت عبد المطلب حكمت له بالتقديم (فتلوّن) تغير (وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الغضب لانتهاك حرمة النبوّة (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (اسق) بهمزة وصل زاد في المساقاة يا زبير (ثم احبس) بهمزة وصل أي الماء (حتى يبلغ) الماء (الجدر) بفتح الجيم وسكون الدال أي الجدار قيل والمراد به هنا أصل الحائط وقيل أصول الشجر وقيل جدر المشارب
بضم الجيم والدال التي يجتمع فيها أي الماء في أصول الثمار (فاستوعى) أي استوفى (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذٍ حقه للزبير) كاملاً بحيث لم يترك منه شيئًا (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل ذلك أشار على الزبير برأي سعة) بالنصب أي للسعة أي مسامحة (له وللأنصاري) وتوسيعًا عليهما على سبيل الصلح والمجاملة وفي الفرع كأصله سعة بالجر صفة لسابقه (فلما أحفظ) بهمزة مفتوحة فجاء مهملة ساكنة ففاء فمعجمة أي أغضب (الأنصاري رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استوعى للزبير حقه في صريح الحكم) وزعم الخطابي أن هذا من قول الزهري أدرجه في الخبر وفي ذلك نظر لأن الأصل أنه حديث واحد ولا يثبت الإدراج بالاحتمال (قال عروة قال الزبير والله ما أحسب هذا الآية) التي في سورة النساء (نزلت إلا في ذلك { فلا وربك} ) أي فوربك ({ لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر} [النساء: 65] ({ بينهم} الآية) إلى آخرها.