فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33]

باب قَوْلِهِ: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]
( باب قوله) تعالى: ( { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} ) اللام لتأكيد النفي والدلالة على أن تعذيبهم عذاب استئصال، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أظهرهم غير مستقيم في الحكمة خارج عن عادته تعالى في قضائه.
قال ابن عباس فيما رواه عنه علي بن أبي طلحة: ما كان الله ليعذب قومًا وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم ( { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} ) في موضع الحال ومعناه نفي الاستغفار عنهم أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم ولكنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون، أو ما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر وهم المسلمون بين أظهرهم ممن تخلف من المستضعفين أو من أولادهم من يستغفر أو يريد إسلام بعضهم أو استغفار الكفار إذ كانوا يقولون بعد التلبية غفرانك وفيه أن الاستغفار أمان من العذاب.

وفي حديث فضالة بن عبيد الله عند الإمام أحمد مرفوعًا: العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله عز وجل.
وتأملوا علوّ مرتبة الاستغفار وعظم موقعه كيف قرن حصوله مع وجود سيد العالمين في استدفاع البلاء.
وعن ابن عباس ما رواه ابن أبي حاتم أن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا يزالون معصومين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم، فأمان قبضه الله إليه، وأمان بقي فيكم ثم تلا الآية.
وروى ابن جرير أنهم لما قالوا ما قالوا ثم أمسوا ندموا فقالوا: غفرانك اللهم فأنزل الله: { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} وسقط لغير أبي ذر قوله: باب قوله وثبت له.


[ قــ :4395 ... غــ : 4649 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فَنَزَلَتْ: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآيَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن النضر) بن عبد الوهاب أخو أحمد السابق قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا ( عبيد الله بن معاذ) بتصغير عبد قال: ( حدّثنا أبي) معاذ العنبري قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عبد الحميد) بن دينار ( صاحب الزيادي) أنه ( سمع أنس بن مالك قال: قال أبو جهل) : لما قال النضر بن الحارث إن هذا إلا أساطير الأولين ( { اللهم إن كان هذا} ) يريد القرآن ( { هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} ) فنزلت: ( { وما كان ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} ) وليس المراد نفي مطلق العذاب عنهم بل هم بصدده إذا هاجر عليه الصلاة والسلام عنهم كما يدل له قوله: ( { وما لهم} ) استفهام بمعنى التقرير ( { أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} الآية) "ما" في وما لهم استفهام بمعنى التقرير و"أن" في أن لا يعذبهم الظاهر أنها مصدرية وموضعها نصب أو جر لأنها على حذف حرف الجر والتقدير في أن لا يعذبهم وهذا الجار يتعلق بما تعلق به لهم من الاستقرار والمعنى، وأي مانع فيهم من العذاب وسببه واقع وهو صدهم المسلمين عن المسجد الحرام عام الحديبية وإخراجهم الرسول والمؤمنين إلى الهجرة فالعذاب واقع لا محالة بهم، فلما خرج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بين أظهرهم أوقع الله بهم بأسه يوم بدر فقتل صناديدهم وأسر سراتهم.