فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب صلاة الضحى في السفر

باب صَلاَةِ الضُّحَى فِي السَّفَرِ
( باب) حكم ( صلاة الضحى في السفر) أي: هل تصلّى فيه أم لا؟ ويدل للنفي: حديث ابن عمرو، وللإثبات: حديث أم هانئ.
وهما حديثا الباب.


[ قــ :1135 ... غــ : 1175 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ تَوْبَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ قَالَ: "قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَتُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: فَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: لاَ إِخَالُهُ".

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد ( قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن توبة) بفتح المثناة الفوقية وسكون الواو وفتح الموحدة ابن كيسان بن المورّع، بفتح الواو وكسر الراء المشددة، العنبري التابعي الصغير، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة ( عن مورق) بضم الميم وفتح الواو وتشديد الراء المكسورة، ابن المشمرج بضم الميم وفتح الشين المعجمة وسكون الميم وفتح الراء وبكسرها وبالجيم، أبو المعتمر العجلي البصري ( قال) :
( قلت لابن عمر رضي الله عنهما أتصلي) صلاة ( الضحى؟ قال:) ابن عمر: ( لا) أصليها، قال: ( قلت) له: فعمر؟ قال: ( لا) أي: لم يصلها ( قلت: فأبو بكر؟ قال: لا) أي: لم يصلها.
( قلت: فالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،؟ قال: لا إخاله) برفع اللام وكسر الهمزة في الأشهر، وفتحها.

قال في القاموس في لغية أي: لا أظنه عليه الصلاة والسلام صلاها.
وكان سبب توقفه في ذلك أنه بلغه من غيره أنه صلاها، ولم يثق بذلك عمن ذكره.

نعم، جاء عنه الجزم بكونها محدثة من حديث سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عنه، واستشكل إيراد المؤلّف هذا الحديث هنا، إذ اللائق به باب: من لم يصل الضحى.

وجوابه ظاهر بما قدرته، كالعيني، بهل تصلّى فيه أم لا؟ واختلف رأي الشراح في ذلك؛ فحمله الخطابي على غلط الناسخ، وابن المنير: على أنه لما تعارضت عنده أحاديثها نفيًا، كحديث ابن عمر هذا، إثباتًا كحديث أبي هريرة في الوصية بها، نزل حديث النفي على السفر، وحديث الإثبات على الحضر.


ويؤيد بذلك أنه ترجم لحديث أبي هريرة بصلاة الضحى في الحضر مع ما يعضده من قول ابن عمر: لو كانت مسبحًا لأتممت في السفر.
قاله ابن حجر.

ورواة هذا الحديث بصريون إلاّ ابن الحجاج، فإنه واسطي، وإلاّ مورقًا فقيل: كوفي، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وشيخ المؤلّف من أفراده كالحديث.




[ قــ :1136 ... غــ : 1176 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: "مَا حَدَّثَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرَ أُمِّ هَانِئٍ فَإِنَّهَا قَالَتْ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، فَلَمْ أَرَ صَلاَةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ".

وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا عمرو بن مرة) بفتح العين في الأول وضم الميم وتشديد الراء في الثاني (قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي) ليلى، يقول):
(ما حدثنا أحد أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) صلاة (الضحى غير أم هانئ) فاختة، شقيقة عليّ بن أبي طالب، وهو يدل على إرادته صلاة الضحى المشهورة، ولم يرد به الظرفية.
وغيره بالرفع بدل من أحد.
واستفيد منه العمل بخبر الواحدة، (فإنها قالت):
(إن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، دخل بيتها يوم فح مكة، فاغتسل) أي في بيتها، كما هو ظاهر التعبير بالفاء المقتضية للترتيب والتعقيب.

لكن في مسلم، كالموطأ، من طريق أبي مرّة عنها، أنها قالت: ذهبت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بأعلى مكة، فوجدته يغتسل.
فلعله تكرر ذلك منه.

(وصلّى ثماني) بالياء التحتية، وللأصيلي، وأبي ذر، ثمان (ركعات) زاد كريب عنها فيما رواه ابن خزيمة: يسلم من كل ركعتين (فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود).

نعم، قد ثبت في حديث حذيفة عند ابن أبي شيبة: أنه، صلّى الضحى فطوّل فيها، فيحتمل أن يكون خففها ليتفرغ لمهمات الفتح لكثرة شغله به.

واستنبط منه سنية صلاة الضحى، خلافًا لمن قال: ليس في حديث أم هانئ دلالة لذلك، بل هو إخبار منها بوقت صلاته فقط.
وكانت صلاة الفتح، أو أنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه فيها.

وأجيب: بأن الصواب صحة الاستدلال به لقولها في حديث أبي داود، وغيره: صلّى سبحة

الضحى.
ومسلم في الطهارة: ثم صلّى ثمان ركعات سبحة الضحى، وفي التمهيد، لابن عبد البر، قالت: قدم عليه الصلاة والسلام مكة، فصلّى ثمان ركعات، فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: "هذه صلاة الضحى".

واستدلّ به، أي بحديث الباب، النووي على أن أفضلها ثمان ركعات، وقد ورد فيها ركعتان، وأربع، وست، وثمان، وعشر، وثنتا عشرة، وهي أكثرها كما قاله الروياني، وجزم به في المحرر، والمنهاج.

وفي حديث أبي ذر، مرفوعًا قال: إن صليت الضحى عشرًا لم يكتب لك ذلك اليوم ذنب، وإن صليتها اثنتي عشرة ركعة، بنى الله لك بيتًا في الجنة، رواه البيهقي، وقال: في إسناده نظر، وضعفه في شرح المهذّب، وقال فيه: أكثرها عند الأكثرين ثمانية.
وقال في الروضة: أفضلها ثمان، وأكثرها ثنتا عشرة، ففرق بين الأكثر والأفضل.

واستشكل من جهة كونه إذا زاد أربعًا يكون مفضولاً.
وينقص من أجره.

والأفضل المداومة عليها لحديث أبي هريرة في الأوسط: إن في الجنة بابًا يقال له: باب الضحى، فإذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ، أين الذين كانوا يديمون صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوا برحمة الله.

وعن عقبة بن عامر قال: أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نصلي الضحى بسورتيها: { والشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و { الضُّحَى} .

ثم إن وقتها، فيما جزم به الرافعي، من ارتفاع الشمس إلى الاستواء.
وفي شرح المهذّب والتحقيق: إلى الزوال وفي الروضة، قال: أصحابنا: وقت الضحى من طلوع الشمس.
ويستحب تأخيرها إلى ارتفاعها.