فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الترتيل في القراءة

باب التَّرْتِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}
وَقَوْلِهِ: { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} وَمَا يُكْرَهُ أَنْ يُهَذَّ كَهَذِّ الشِّعْرِ.
فِيهَا يُفْرَقُ: يُفَصَّلُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَقْنَاهُ: فَصَّلْنَاهُ
( باب الترتيل) أي التأني ( في القراءة) للقرآن ( وقوله تعالى) لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( { ورتل القرآن} ) أي بين وفصل من الثغر المرتل أي المفلج قال الجوهري الفلج في الأسنان تباعد ما بين الثنايا والرباعيات وثغر رتل إذا كان مستوي النبات.
وقال الراغب الرتل اتّساق الشيء وانتظامه على استقامة يقال رجل رتل الأسنان والترتيل إرسال الكلمة من الفم بسهولة واستقامة أو اقرأ على تؤدة بتبيين الحروف وحفظ الوقوف ( { ترتيلًا} ) [المزمل: 4] تأكيد في إيجاب الأمر به وأنه لا بدّ للقارئ منه إذ هو عون على فهم القرآن وتدبره ( وقوله) تعالى: ( { وقرآنًا} ) نصب بفعل يفسره ( { فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} ) [الإسراء: 106] على تؤدة وتثبت ( وما يكره) بضم الياء وفتح الراء ( أن يهذّ) بضم الياء وفتح الهاء والذال المعجمة المشددة أي وبيان راهة الهذ ( كهذّ الشعر) من الإسراع المفرط بحيث يخفى كثير من الحروف ( فيها) في ليلة القدر ( يفرق) أي ( يفصل) وهذا تفسير أبي عبيدة وثبت قوله فيها في رواية أبي ذر والوقت وابن عساكر.

( وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما رواه ابن المنذر وابن جرير في تفسيره ( فرقناه) السابق ذكره ( فصلناه) .


[ قــ :4774 ... غــ : 5043 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: غَدَوْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ الْبَارِحَةَ فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ إِنَّا قَدْ سَمِعْنَا الْقِرَاءَةَ، وَإِنِّي لأَحْفَظُ الْقُرَنَاءَ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ بِهِنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ وَسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حامِيمَ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي عارم قال: ( حدّثنا مهدي بن ميمون) الأزدي المعولي بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو البصري قال: ( حدّثنا واصل) الأحدب بن حيان بفتح المهملة والتحتية المشددة الكوفي ( عن أبي وائل) شقيق بن سلمة ( عن عبد الله) بن مسعود ( قال: غدونا على عبد الله) يعني ابن مسعود زاد مسلم من هذا الوجه يومًا بعد ما صلينا الغداة فسلمنا بالباب فأذن لنا بمكثنا بالباب هنيهة فخرجت الجارية فقالت ألا تدخلون فدخلنا فإذا هو جالس يسبح فقال ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم قلنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم قال ظننتم بأن أم عبد غفلة ( فقال رجل) من القوم اسمه نهيك بن سنان كما في مسلم ( قرأت المفصل البارحة) كله ( فقال) ولأبي الوقت قال هذذت ( هذًّا) بفتح الهاء والذال المعجمة المنوّنة ( كهذّ الشعر) قال الخطابي معناه سرعة القراءة بغير تأمّل كما ينشد الشعر ( إنا) بكسر الهمزة وتشديد النون ( قد سمعنا القراءة) قال الكرماني بلفظ المصدر ويروى القراء جمع القارئ
( وإني لأحفظ القرناء) النظائر في الطول والقصر ( التي كان يقرأ بهن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثماني عشرة) بإثبات التحتية بعد نون ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر ثمان عشرة ( سورة من المفصل وسورتين من آل حاميم) أي السور التي أوّلها حم.

واستشكل بما سبق في باب تأليف القرآن من طريق الأعمش عن شقيق حيث قال هناك عشرون من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن من الحاميم حم الدخان وعمّ يتساءلون فعدّ حم من المفصل وهنا أخرجها.
وأجيب: بأن الثمان عشرة غير سورة الدخان والتي معها وإطلاق المفصل على الجميع تغليب وإلاّ فالدخان ليست من المفصل على الراجح، لكن يحتمل أن يكون تأليف مصحف ابن مسعود على خلاف تأليف مصحف غيره فيكون أول المفصل عند ابن مسعود أوّل الجاثية والدخان متأخرة في ترتيبه عن الجاثية.
وأجاب النووي على طريق التنزّل بأن المراد بقوله عشرون من المفصل أي معظم العشرين.

وهذا الحديث قد سبق في باب الجمع بين السورتين في الركعة من كتاب الصلاة.




[ قــ :4775 ... غــ : 5044 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فِي قَوْلِهِ: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ، فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ الَّتِي فِي { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} فَإِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ وَقُرْآنَهُ { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} قَالَ: إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ.
قَالَ: وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ.

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: ( حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن موسى بن أبي عائشة) الهمداني الكوفي ( عن سعيد بن جبير) أحد الأعلام ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله) تعالى: ( { لا تحرك} ) يا محمد ( { به} ) بالقرآن ( { لسانك لتعجل به} ) [القيامة: 16] بالقرآن ( قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نزل عليه جبريل بالوحي وكان مما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ممن ( يحرك به) بالوحي ( لسانه وشفتيه) بالتثنية ومن للتبعيض ومن موصولة ( فيشتد عليه) لثقل القول فكان يتعجل بأخذه لتزول المشقّة سريعًا أو خشية أن ينساه أو من حبه إياه ( وكان يعرف منه) الاشتداد حال نزول الوحي ( فأنزل الله) تعالى بسبب الاشتداد ( الآية النبي في) سورة ( { لا أقسم بيوم القيامة} ) وهي قوله عز وجل: ( { لا تحرك به لسانك لتعجل به} ) اقتصر على اللسان لأنه الأصل في النطق ( { إن علينا جمعه وقرآنه} ) أي قراءته قال الراغب القرآن في الأصل مصدر كرجحان وقد خص بالكتاب المنزل على نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصار له
كالعلم وقال بعضهم تسمية هذا الكتاب قرآنًا من بين كتب الله لكونه جامعًا لثمرة كتبه بل لجمعه ثمرة جميع العلوم ( فإن علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه) وثبت قوله فإن علينا الخ في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر ( { فإذا قرأناه} ) أي قرأه جبريل عليك فجعل قراءة جبريل قراءته ( { فاتبع قرآنه} ) أي ( فإذا أنزلناه فاستمع) وهذا تأويل آخر فقد سبق عنه في سورة القيامة قرأناه بيّنّاه فاتبع اعمل به فالحاصل أن لابن عباس فيه تأويلين ( { ثم إن علينا بيانه} قال إن علينا أن نبينه بلسانك.
قال)
ابن عباس ( وكان) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل بعد ( إذا أتاه جبريل) بالوحي ( أطرق) عينيه وسكت ( فإذا ذهب) جبريل ( قرأه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( كما وعده الله) في قوله: { إن علينا جمعه وقرآنه} .
وهذا الحديث قد مرّ في سورة القيامة.