فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون} [التحريم: 11]- إلى قوله - {وكانت من القانتين} [التحريم: 12]

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 11]
(باب قول الله تعالى {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون}) [التحريم: 11] .
هذا
مثل ضربه للمؤمنين أنهم لا يضرهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم بحال آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومنزلتها عند الله مع أنها كانت تحت أعدى أعداء الله كما قال تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة} [آل عمران: 28] .
قال قتادة: كان فرعون أغنى أهل الأرض وأكفرهم فوالله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها ليعلموا أن الله حكم عدل لا يؤاخذ أحدًا إلا بذنبه.

وروي أنه لما غلب موسى السحرة قالت آسية: آمنت برب موسى وهارون، فلما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس.
قال سليمان: فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها فقالت: رب ابنِ لي عندك بيتًا في الجنة، فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته من درة فضحكت حين رأت بيتها وفرعون حاضر فقال: ألا تعجبون من جنونها إنّا نعذبها وهي تضحك ثم أمر بصخرة عظيمة تلقى عليها فانتزعت روحها ثم ألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه فلم تجد ألمًا.
وقال الحسن وابن كيسان رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة فهي تأكل وتشرب.

(إلى قوله {وكانت}) أي مريم ابنة عمران ({من القانتين}) [التحريم: 12] .
قال القاضي: من عداد المواظبين على الطاعة والتذكير للتغليب والإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال الكاملين حتى عدت من جملتهم أو من نسلهم فتكون من ابتدائية وسقط لأبي ذر (للذين آمنوا امرأة فرعون} وقال إلى قوله: {وكانت من القانتين}.


[ قــ :3256 ... غــ : 3411 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».
[الحديث 3411 - أطرافه في: 3433، 3769، 5418] .

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن جعفر) البيكندي قال: (حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح بن مليح بن عدي الرؤاسي بضم الراء وهمزة ثم سين مهملة العابد الكوفي (عن شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بفتح العين ومرة بضم الميم وتشديد الراء المرادي الأعمى الكوفي (عن مرة) بن شراحيل المخضرم (الهمداني) كان يصلّي ألف ركعة في كل يوم (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(كمل) بفتح الميم في الفرع وأصله وتضم وتكسر (من الرجال كثير ولم يكمل) بضم الميم (من النساء إلا آسية امرأة فرعون) قيل: وكانت ابنة عم فرعون، وقيل من العماليق، وقيل من بني إسرائيل من سبط موسى.
وقال السهيلي: هي عمة موسى (ومريم بنت عمران) أم عيسى.

وقال في الكواكب ولا يلزم من لفظ الكمال نبوّتها إذ هو مطلق لتمام الشيء وتناهيه في بابه، فالمراد تناهيهما في جميع الفضائل التي للنساء وقد نقل الإجماع على عدم النبوة لهن اهـ.

وهذا معارض بما نقل عن الأشعري: إن من النساء من نبئ وهن ست: حواء وسارة وأم موسى واسمها يوخاند وقيل أباذخا وقيل أباذخت وهاجر وآسية ومريم، والضابط عنده أن من جاءه الملك عن الله بحكم من أمر أو نهي أو بإعلامه شيئًا فهو نبي، وقد ثبت مجيء الملك لهؤلاء بأمور شتى من ذلك من عند الله تعالى، ووقع التصريح بالإيحاء لبعضهن في القرآن قال الله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} [القصص: 7] الآية.
وقال تعالى بعد أن ذكر مريم والأنبياء بعدها {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين} [مريم: 58] .
فدخلت في عمومه.

وقال القرطبي: الصحيح أن مريم نبية لأن الله أوحى إليها بواسطة الملك، وأما آسية فلم يأت ما يدل على نبوتها، واستدلّ بعضهم لنبوّتها ونبوّة مريم بالحصر في حديث الباب حيث قال: ولم يكمل من النساء إلا آسية ومريم.
قال لأن أكمل النوع الإنساني الأنبياء ثم الأولياء والصديقون والشهداء، فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة، والواقع أن هذه الصفات في كثير منهن موجودة فكأنه قال: لم ينبأ من النساء إلاّ فلانة وفلانة، ولو قال لم تثبت صفة الصديقية أو الولاية أو الشهادة إلا لفلانة وفلانة لم يصح لوجود ذلك في غيرهن إلا أن يكون المراد بالحديث كمال غير الأنبياء فلا يتم الدليل على ذلك لأجل ذلك، واحتج المانعون بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ} [يوسف: 109] وأجيب: بأنه لا حجة فيه لأن أحدًا لم يدّع فيهن الرسالة وإنما الكلام في النبوّة فقط.

(وإن فضل عائشة) بنت أبي بكر الصدّيق (على النساء) أي نساء هذه الأمة (كفضل الثريد) بالمثلثة (على سائر الطعام) قيل: إنما مثّل بالثريد لأنه أفضل طعام العرب ولأنه ليس في الشبع أغنى غناء منه، وقيل إنهم كانوا يحملون الثريد فيما طبخ بلحم، وروي سيد الطعام اللحم فكأنها فضلت على النساء كفضل اللحم على سائر الأطعمة، والسر فيه أن الثريد مع اللحم جامع بين الغذاء واللذة والقوة وسهولة التناول وقلة المؤونة في المضغ وسرعة المرور في المريء فضرب به مثلاً ليؤذن بأنها أعطيت مع حسن الخلق حسن الخلق وحلاوة المنطق وفساحة اللهجة وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب إلى البعل فهي تصلح للتبعل والتحدث والاستئناس بها والإصغاء إليها، وحسبك أنها عقلت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما لم يعقل غيرها من النساء، وروت ما لم يرو مثلها من الرجال، ومما يدل على أن الثريد أشهى الأطعمة عندهم وألذها قول شاعرهم:
إذا ما الخبز تأدمه بلحم ... فذاك أمانة الله الثريد قاله في فتوح الغيب.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل عائشة وفي الأطعمة ومسلم في الفضائل والترمذي في الأطعمة والنسائي في المناقب وعشرة النساء وابن ماجه في الأطعمة.