فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب غيرة النساء ووجدهن

باب غَيْرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِنَّ
( باب) حكم ( غيرة النساء) بفتح الغين المعجمة ( ووجدهن) بفتح الواو وسكون الجيم أي وغضبهن من أزواجهن فإن كان ذلك بسبب تحققهن ارتكاب محرم كالزنا أو انتقاص حقهن أو جور عليهن وإيثار ضرة فهي سائغة لا يتوهم في غير ريبة ولا إن كان مقسطًا بينهن ويعذرن بما فيهن مما طبعن عليه منها ما لم يتجاوزن إلى ما يحرم عليهن من قول أو فعل فيلمن عليه.


[ قــ :4950 ... غــ : 5228 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى»، قَالَتْ فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ»، قَالَتْ:.

قُلْتُ أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ.
[الحديث 5228 - في الأطراف: 6078] .

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( عبيد بن إسماعيل) الهباري الكوفي واسمه في الأصل عبد الله قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إني لأعلم) شأنك ( إذا كنت عني راضية وإذا كنت عليّ غضبى) قال في المصابيح: هذا مما
ادّعى ابن مالك فيه أن إذا خرجت عن الظرفية وقعت مفعولًا والجمهور على أن إذا لا تخرج عن الظرفية فهي في الحديث ظرف لمحذوف هو مفعول أعلم وتقديره شأنك ونحوه ( قالت: فقلت من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد وإذا كنت غضبى) ولأبي ذر عن الكشميهني وإذا كنت عليَّ غضبى ( قلت لا ورب إبراهيم) فيه الحكم بالقرائن لأنه عليه الصلاة والسلام حكم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها اسمه الشريف وسكوتها، واستدل على كمال فطنتها وقوة ذكائها بتخصيصها إبراهيم عليه السلام دون غيره لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولى الناس به كما في التنزيل فلما لم يكن لها بد من هجر اسمه الشريف أبدلته بمن هو منه بسبيل حتى لا تخرج عن دائرة التعلق في الجملة ( قالت: قلت أجل) نعم ( والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك) بلفظي فقط، ولا يترك قلبي التعلق بذاتك الشريفة مودة ومحبة كذا قرر معناه ابن المنير.
وقال في شرح المشكاة: هذا الحصر في غاية من اللطف في الجواب لأنها أخبرت أنها إذا كانت في غاية من الغضب الذي يسلب العاقل اختياره لا يغيرها عن كمال المحبة المستغرقة ظاهرها وباطنها الممتزجة بروحها وإنما عبرت عن الترك بالهجران لتدل به على أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه كما قال الشاعر:
إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسما إليك مع الصدود لأميل
اهـ.

واستدلّ به على أن الاسم غير المسمى إذ لو كان الاسم عين المسمى لكانت بهجره تهجر ذاته الشريفة وليس كذلك ولهذه المسألة مبحث يطول استيفاؤه يأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في كتاب التوحيد إنه الجواد الكريم الرؤوف الرحيم.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضل عائشة.




[ قــ :4951 ... غــ : 59 ]
- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا وَقَدْ أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ لَهَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( أحمد بن أبي رجاء) عبد الله الحنفي الهروي قال: ( حدّثنا النضر) بنون مفتوحة وضاد معجمة ساكنة ابن شميل ( عن هشام) أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبي) عروة بن الزبير ( عن عائشة) -رضي الله عنها- ( أنها قالت: ما غرت على امرأة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما غرت على خديجة لكثرة) أي لأجل كثرة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بكثرة بالموحدة بدل اللام أي بسبب كثرة ( ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياها وثنائه عليها) من عطف الخاص على العام وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة وذلك موجب للغيرة إذ أصل غيرة المرأة من تحيل محبة زوجها لضرّتها أكثر وفيه أنها كانت تغار من أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن لكن من خديجة أكثر لما ذكر وهي وإن
لم تكن موجودة، وقد أمنت عائشة مشاركتها لها فيه عليه الصلاة والسلام، لكن ذلك يقتضي ترجيحها عنده عليه الصلاة والسلام فهو الذي هيج الغضب المثير للغيرة بحيث قالت: ما سبق في مناقب خديجة قد أبدلك الله خيرًا منها فقال عليه الصلاة والسلام: "ما أبدلني الله خيرًا منها" ومع ذلك فلم يؤاخذها لقيام معذرتها بالغيرة التي جبل عليها النساء ( وقد أوحي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبشرها) بصيغة المضارع ولأبي ذر عن الكشميهني أن بشرها بصيغة الأمر ( ببيت لها في الجنة من قصب) بفتح القاف والصاد المهملة بعدها موحدة.

وعند الطبراني في الأوسط: يعني قصب اللؤلؤ وفي الكبير بيت من لؤلؤة مجوفة، وفي الأوسط من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت وهذا أيضًا من جملة أسباب الغيرة لأن اختصاصها بهذه البشرى يُشعِر بمزيد محبته عليه الصلاة والسلام لها.

وعند الإسماعيلي قالت: ما حسدت امرأة قط ما حسدت خديجة حين بشرها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببيت من قصب، وفي الحديث أن الغيرة غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلًا عن دونهن وأفضلية خديجة.

وروينا في كتاب مكة للفاكهاني عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عند أبي طالب فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة فأذن له وبعث معه جارية له يقال لها نبعة فقال لها: انظري ما تقول له خديجة قالت نبعة فرأيت عجبًا ما هو إلا أن سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها ونحرها ثم قالت: بأبي وأمي والله ما أفعل هذا لشيء، ولكني أرجو أن تكون النبي الذي يبعث فإن تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي وادع الإله الذي يبعثك أن يبعثك لي قالت فقال لها: "والله لئن كنت أنا هو لقد اصطنعت عندي ما لا أضيعه أبدًا وإن يكن غيري فإن الإله الذي تصنعين هذا لأجله لا يضيعك أبدًا.

وهذا الحديث سبق في باب تزويج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خديجة.