فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران: 128]

باب { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}
هذا ( باب) بالتنوين في قوله تعالى: ( { ليس لك من الأمر شيء} ) [آل عمران: 128] .


[ قــ :4306 ... غــ : 4559 ]
- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا» بَعْدَ مَا يَقُولُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} إِلَى قَوْلِهِ { فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} .
رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

وبه قال: ( حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة السلمي المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- ( أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر) من صلاة الصبح أي بعد أن كسرت رباعيته يوم أُحُد ( يقول) :
( اللهم العن فلانًا وفلانًا وفلانًا) هم صفوان بن أمية، وسهيل بن عمير، والحرث بن هشام كما في حديث مرسل أورده المؤلّف في غزوة أُحُد ووصله أحمد والترمذي وزاد في آخره: فتيب عليهم كلهم وسمى الترمذي في روايته أبا سفيان بن حرب، وفي كتاب ابن أبي شيبة منهم العاصي بن هشام.
قال في المقدمة: وهو وهم فإن العاصي قتل قبل ذلك ببدر قال: ونقل السهيلي عن رواية الترمذي فيهم عمرو بن العاص فوهم في نقله ( بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) بإثبات الواو ( فأنزل الله: { ليس لك من الأمر شيء} إلى قوله: { فإنهم ظالمون} ) قال في فتوح الغيب: وقوله أي بعد { والله غفور رحيم} تتميم مناد على أن جانب الرحمة راجح على جانب العذاب وفي قوله: { فإنهم ظالمون} تتميم لأمر التعذيب وإدماج لرجحان المغفرة يعني سبب التعذيب كونهم ظالمين إلا فالرحمة مقتضية للغفران.
وقال صاحب الأنوار قوله: { يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} [المائدة: 18] صريح في نفي وجوب التعذيب والتقييد بالتوبة وعدمها كالمنافي له { والله غفور رحيم} لعباده فلا تبادر إلى الدعاء عليهم.

( رواه) أي الحديث المذكور بالإسناد السابق ( إسحاق بن راشد) الحراني ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب وهذا وصله الطبراني في معجمه الكبير.




[ قــ :4307 ... غــ : 4560 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لأَحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَرُبَّمَا قَالَ إِذَا قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ اللَّهُمَّ، أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» يَجْهَرُ بِذَلِكَ وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلاَتِهِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا» لأَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 18] الآيَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري البصري قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف قال: ( حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف كلاهما ( عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد) أي في الصلاة ( قنت بعد الركوع فربما قال: إذا قال سمع الله لمن حمده) :
( اللهم ربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد) أخا خالد بن الوليد أسلم وتوفي في حياته عليه السلام وهمزة أنج قطع ( وسلمة بن هشام) هو ابن عم الذي قبله وأخو أبي جهل وكان من السابقين إلى الإسلام ( وعياش بن أبي ربيعة) ابن عم الذي قبله وهو من السابقين أيضًا.
وفي الزيادات من حديث الحافظ أبي بكر بن زياد النيسابوري عن جابر رفع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه من الركعة الأخيرة من صلاة الصبح صبيحة خمس عشرة من رمضان فقال: "اللهم انج" الحديث وفيه فدعا بذلك خمسة عشر يومًا حتى إذا كان صبيحة يوم الفطر ترك الدعاء.

( اللهم اشدد وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء المهملة وهمزة مفتوحة أي بأسك ( على مضر واجعلها سنين كسني يوسف) بنون واحدة على المشهور حال كونه ( يجهر بذلك وكان) عليه الصلاة والسلام ( يقول: في بعض صلاته في صلاة الفجر) فيه إشارة إلى أنه كان لا يداوم على ذلك ( اللهم العن فلانًا وفلانًا لأحياء) قبائل ( من العرب) وسماهم في رواية يونس عن الزهري عند مسلم رعلًا وذكوان وعصية ( حتى أنزل الله: { ليس لك من الأمر شيء} الآية) بالنصب أي اقرأ الآية.

واستشكل بأن قصة رعل وذكوان كانت بعد أُحُد ونزول { ليس لك من الأمر شيء} في قصة أُحُد فكيف يتأخر السبب عن النزول؟ وأجاب في الفتح: بأن قوله حتى أنزل الله منقطع من رواية الزهري عمن بلغه كما بين ذلك مسلم في رواية يونس المذكورة فقال هنا قال يعني الزهري، ثم قال بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت قال وهذا البلاغ لا يصح وقصة رعل وذكوان أجنبية عن قصة أُحُد فيحتمل أن قصتهم كانت عقب ذلك وتأخر نزور الآية عن سببها قليلًا، ثم نزلت في جميع ذلك.

وقد ورد في سبب نزول الآية شيء آخر غير مناف لما سبق في قصة أُحُد فعند مسلم من حديث أن أنس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كسرت رباعيته يوم أُحُد وشجّ وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال: "كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم" وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله: { ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران: 18] وأورده المؤلّف في المغازي معلمًا بنحوه وطريق الجمع بينه وبين حديث ابن عمر المسوق أول هذا الباب أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا على المذكورين بعد ذلك في صلاته فأنزل الله الآية في الأمرين جميعًا فيما وقع له من كسر الرباعية وشج الوجه وفيما نشأ عن ذلك من الدعاء عليهم وذلك كله في أُحُد فعاتبه الله تعالى على تعجيله في القول برفع الفلاح عنهم حيث قال: كيف يفلح قوم أي لن يفلحوا أبدًا فقال الله له: { ليس لك من الأمر شيء} أي كيف تستبعد الفلاح وبيد الله أزمة الأمور التي في السماوات والأرض { يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} [المائدة: 18] وليس لك من الأمر إلا التفويض والرضا بما قضى، وسقط لأبي ذر قوله الآية.
والحديث رواه النسائي.