فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب وما يأكل من البدن وما يتصدق

باب مَا يَأْكُلُ مِنَ الْبُدْنِ وَمَا يُتَصَدَّقُ
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: لاَ يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ وَيُؤْكَلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ.
.

     وَقَالَ  عَطَاءٌ: يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ مِنَ الْمُتْعَةِ.

( باب ما يأكل) صاحب الهدي ( من البدن وما يتصدق) به منها، ولغير أبي ذر: وما يتصدق بضم أوله مبنيًا للمفعول.

( وقال عبيد الله) بن عمر العمري مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه، والطبراني من طريق القطان بلفظه ( أخبرني) بالإفراد ( نافع) مولى ابن عمر ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه قال: ( لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر) بضم الياء من يؤكل أي لا يأكل المالك من الذي جعله جزاء لصيد الحرم ولا من المنذور بل يجب التصدق بهما وهو قول مالك ورواية عن أحمد، وزاد مالك إلا فدية الأذى،
وعن أحمد لا يؤكل إلا من هدي التطوّع والمتعة والقران وهو قول الحنفية بناء على أن دم التمتع والقران دم نسك لا دم جبران.
( ويؤكل مما سوى ذلك) ولو عطب الهدي في الطريق وكان تطوعًا فله التصرف فيه ببيع وأكل وغيرهما لأن ملكه ثابت عليه وإن كان نذرًا لزمه ذبحه لأنه هدي معكوف على الحرم فوجب نحره مكانه كهدي المحصر وليس له التصرف فيه بما يزيل الملك أو يؤول إلى زواله كالوصية والرهن والهبة لأنه بالنذر زال ملكه عنه وصار للمساكين، وفارق ما لو قال: لله علي إعتاق هذا العبد حيث لا يزول ملكه عنه إلا بإعتاقه وإن امتنع التصرف فيه بأن الملك هنا ينتقل إلى المساكين فانتقل بنفس النذر كالوقف.
وأما الملك في العبد فلا ينتقل إليه ولا إلى غيره بل ينتقل العبد عنه فإن لم يذبح الهدي المعطوب حتى تلف ضمنه لتفريطه كنظيره في الوديعة.

( وقال عطاء) : هو ابن أي رباح مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه ( يأكل) من جزاء الصيد والنذر ( وبطعم من المتعة) أي من الهدي المسمى بدم التمتع الواجب على المتمتع.


[ قــ :1645 ... غــ : 1719 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ "كُنَّا لاَ نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلاَثِ مِنًى، فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كُلُوا وَتَزَوَّدُوا، فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا".
.

قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَقَالَ حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: لاَ.
[الحديث 1719 - أطرافه في: 2980، 5424، 5567] .

وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان البصري ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال ( حدّثنا عطاء) هو ابن أبي رباح أنه ( سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما- يقول: كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى) ، بإضافة ثلاث إلى منى أي الأيام الثلاثة التي يقام بها بمنى وهي الأيام المعدودات.
وقال في المصابيح: والأصل ثلاث ليال منى كما في قولهم: حب رمان زيد فإن القصد إضافة الحب المختص بكونه للرمان إلى زيد، ومثله ابن قيس الرقيات فإن الملتبس بالرقيات ابن قيس لا قيس.
قال الشيخ سعد الذين التفتازاني: وتحقيقه أن مطلق الحب مضاف إلى الرمان والحب المقيد بالإضافة إلى الرمان مضاف إلى زيد قال الدماميني وفيه نظر فتأمله.
( فرخص لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) :
( كلوا وتزوّدوا) ( فأكلنا وتزودنا) قال ابن جريج ( قلت لعطاء: أقال) جابر ( حتى جئنا المدينة؟ قال) : عطاء ( لا) أي لم يقل جابر حتى جئنا المدينة، ووقع في مسلم "نعم" بدل قوله "لا" وجمع بينهما بالحمل على أنه نسي فقال: لا ثم تذكر فقال: نعم.

وهذا الحديث ناسخ للنهي الوارد في حديث علي عند مسلم: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهانا أن نأكل من لحوم نسكنا بعد ثلاث وغيره وهو من نسخ السنة بالسنة، وحديث الباب أخرجه مسلم في الأضاحي والنسائي في الحج.





[ قــ :1646 ... غــ : 170 ]
- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلاَ نَرَى إِلاَّ الْحَجَّ، حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يَحِلُّ.
قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ فَقِيلَ ذَبَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَزْوَاجِهِ" قَالَ يَحْيَى فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ.

وبه قال: ( حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة البجلي الكوفي القطواني بفتح القاف والطاء قال: ( حدّثنا سليمان) ولأبي ذر: سليمان بن بلال ( قال: حدثني) بالإفراد ( يحيى) بن سعيد الأنصاري قال: ( حدثتني) بالإفراد ( عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ( قالت: سمعت عائشة -رضي الله عنها- تقول) :
( خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع ( لخمس بقين من ذي القعدة) سنة عشر ( ولا نرى) بضم النون أي لا نظن ( إلا الحج) لأنهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحج ( حتى إذا دنونا من مكة) بسرف كما في رواية عن عائشة، وفي رواية جابر: بعد الطواف والسعي ( أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ويحتمل تكرير أمره عليه الصلاة والسلام بذلك مرتين في الموضعين وأن العزيمة كانت آخرًا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة ( من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت) أي يتم عمرته ( ثم يحل) بفتح الياء وكسر الحاء فجواب إذا محذوف، ويجوز أن تكون إذا ظرفًا لقوله لم يكن، وجواب من لم يكن محذوف.
وجوّز الكرماني زيادة ( ثم) كقول الأخفش في قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 118] أن تاب جواب إذا، وثم زائدة.
وفي بعض الأصول لفظ ( إذا) ساقط فيكون التقدير: من لم يكن معه هدي طاف، وحينئذ فجواب من قوله طاف، وقوله ثم يحل عطف أي ثم بعد طوافه يحل، ولأبي ذر والأصيلي: إذا طاف بالبيت أن يحل أي يخرج من إحرام العمرة.

( قالت عائشة: -رضي الله عنها-) ( فدخل علينا) وثبت لفظ علينا لأبي الوقت ( يوم النحر بلحم بقر) بضم دال فدخل وكسر خائه ولغير أبي ذر: فدخل علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر بلحم بقر ( فقلت ما هذا) ؟ اللحم ( فقيل: ذبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أزواجه) وسبق في باب ذبح الرجل البقر عن نسائه بغير أمرهن التعبير بنحر والذبح للبقر أولى من النحر لقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] .

( قال يحيى) : بن سعيد المذكور بالسند السابق إليه ( فذكرت هذا الحديث للقاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق ( فقال: أتتك) أي عمرة ( بالحديث على وجهه) .
وهذا الحديث قد سبق كما مرّ.