فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته

باب خَلْقِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ
{ صَلْصَالٌ} : طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ، فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ، وَيُقَالُ مُنْتِنٌ يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ، كَمَا يُقَالُ صَرَّ الْبَابُ وَصَرْصَرَ عِنْدَ الإِغْلاَقِ, مِثْلُ كَبْكَبْتُهُ يَعْنِي كَبَبْتُهُ.
{ فَمَرَّتْ بِهِ} : اسْتَمَرَّ بِهَا الْحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ.
{ أَنْ لاَ تَسْجُدَ} : أَنْ تَسْجُدَ.
وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: { لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} : إِلاَّ عَلَيْهَا حَافِظٌ { فِي كَبَدٍ} : فِي شِدَّةِ خَلْقٍ.
{ وَرِيَاشًا} : الْمَالُ.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ وَهْوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ.
{ مَا تُمْنُونَ} : النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: { إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} : النُّطْفَةُ فِي الإِحْلِيلِ.
كُلُّ شَىْءٍ خَلَقَهُ فَهْوَ { شَفْعٌ} : السَّمَاءُ شَفْعٌ.
{ وَالْوِتْرُ} : اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
{ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} : فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ، { أَسْفَلَ سَافِلِينَ} : إِلاَّ مَنْ آمَنَ.
{ خُسْرٍ} : ضَلاَلٌ، ثُمَّ اسْتَثْنَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ.
{ لاَزِبٍ} : لاَزِمٌ.
{ نُنْشِئَكُمْ} : فِي أَىِّ خَلْقٍ نَشَاءُ.
{ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} : نُعَظِّمُكَ.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَالِيَةِ: { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} : فَهْوَ .

     قَوْلُهُ : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} .
{ فَأَزَلَّهُمَا} : فَاسْتَزَلَّهُمَا.
وَ { يَتَسَنَّهْ} : يَتَغَيَّرْ.
{ آسِنٌ} : مُتَغَيِّرٌ.
و { الْمَسْنُونُ} الْمُتَغَيِّرُ.
{ حَمَإٍ} : جَمْعُ حَمْأَةٍ وَهْوَ الطِّينُ الْمُتَغَيِّرُ.
{ يَخْصِفَانِ} : أَخْذُ الْخِصَافِ { مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} يُؤَلِّفَانِ الْوَرَقَ وَيَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ.
{ سَوْآتُهُمَا} : كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجَيهِمَا.
{ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} هَا هُنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الْحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ: مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لاَ يُحْصَى عَدَدُهُ.
{ قَبِيلُهُ} : جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ.

(باب) ذكر (خلق آدم) صلوات الله عليه وسلامه (و) ذكر خلق (ذريته) وفي نسخة صحيحة كما في اليونينية: كتاب الأنبياء وعددهم مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفًا أرسل منهم ثلاثمائة
وثلاثة عشر كما صححه ابن حبان من حديث أبي ذر مرفوعًا صلوات الله عليهم، وفي أخرى كتاب أحاديث الأنبياء عليهم السلام باب: خلق آدم صلوات الله عليه وذريته.

({ صلصال} ) [الحجر: 26] .
في قوله تعالى: { خلق الإنسان من صلصال} هو (طين) يابس (خلط برمل فصلصل) أي صوّت (كما يصلصل الفخار) يصوّت إذا نقر (ويقال منتن) بضم الميم (يريدون به صل) فضوعف فاء الفعل فصار صلصل (كما يقال) ولأبي ذر وأبي الوقت كما تقول (صرّ الباب) إذا صوّت (وصرصر عن الإغلاق) فضوعف فيه كذلك (مثل كبكبته) بتضعيف الكاف (يعني كببته) بتخفيف الموحدة الأولى وسكون الثانية.

({ فمرّت به} ) [الأعراف: 189] .
في قوله تعالى: { فلما تغشاها} أي جامع آدم حواء حملت حملاً خفيفًا فمرت به أي (استمر بها الحمل فأتمته) أي وضعته.

({ أن لا تسجد} ) [الأعراف: 12] .
في قوله تعالى { ما منعك أن لا تسجد} أي (أن تسجد) فلا صلة مثلها في لئلا يعلم مؤكدة معنى الفعل الذي دخلت عليه ومنبهة على أن الموبخ عليه ترك السجود، وقيل الممنوع عن الشيء مضطرًا إلى خلافه فكأنه قيل ما اضطرك إلى أن لا تسجد قاله في الأنوار.

(باب قول الله تعالى) وسقط لأبي ذر وفي روايته وأبي الوقت وقول الله تعالى: ({ واذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} ) [البقرة: 30] .
أي قومًا يخلف بعضهم بعضًا قرنًا بعد قرن وجيلاً بعد جيل كما قال تعالى: { هو الذي جعلكم خلائف في الأرض}
[الأنعام: 165] .
وأن المراد آدم لأنه خلف الجن وجاء بعدهم أو لأنه خليفة الله في أرضه لإقامة حدوده وتنفيذ قضاياه ورجح القول الأول بأنه لو كان المراد آدم نفسه لما حسن قول الملائكة "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء".

(قال ابن عباس) في قوله تعالى: ({ لما} ) بتشديد الميم ({ عليها حافظ} ) [الطارق: 4] أي (إلا عليها حافظ) وهي قراءة عاصم وحمزة وابن عامر فلما بمعنى إلا الاستثنائية وهي لغة هذيل يقولون سألتك بالله لما فعلت بمعنى ألا فعلت، وهذا وصله ابن أبي حاتم وزاد عليها حافظ من الملائكة.
وقال قتادة: هم حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك وقيل هو الله رقيب عليها.

({ في كبد} ) [البلد: 4] .
أي (في شدة خلق) بفتح الخاء وسكون اللام رواه ابن عيينة في تفسيره عن ابن عباس بإسناد صحيح وأخرجه الحاكم في مستدركه وقيل لأنه يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة، وقيل لم يخلق الله خلفًا يكابد ابن آدم وهو مع ذلك أضعف خلق الله.

({ ورياشًا} ) بفتح الياء وألف بعدها جمع ريش فهو كشع وشعاب وهي قراءة الحسن ولأبي ذر (وريشًا) بسكون الياء وإسقاط الألف وهي القراءة المتواترة في قوله تعالى: { قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم وريشًا} [الأعراف: 26] .
قال ابن عباس: الرياش هو (المال).
رواه عنه
ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة يقال تريش الرجل إذا تموّل (وقال غيره): غير ابن عباس (الرياش) بالألف (والريش) بإسقاطها (واحد وهو ما ظهر من اللباس) وعن ابن الأعرابي: كل شيء يعيش به الإنسان من متاع أو مال أو مأكول فهو ريش ورياش، وقال ابن السكيت: الرياش مختص بالثياب والأثاث والريش قد يطلق على سائر الأموال.

({ ما تمنون} ) [الواقعة: 58] .
قال الفراء هي (النطفة في أرحام النساء).
وقرئ تمنون بفتح التاء من منى النطفة بمعنى أمناها وقراءة الجمهور بضمها من أمنى.
قال القرطبي: ويحتمل أن يختلف معناهما فيكون أمنى إذا أنزل عن جماع ومنى إذا أنزل عن احتلام.

(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({ أنه على رجعه لقادر} ) [الطارق: 8] .
هو (النطفة في الإحليل).
قادر على أن يردّها فيه والضمير للخالق ويدل عليه خلق وقيل قادر على ردّ الماء في الصلب الذي خرج منه، وسقط لأبي ذر لفظ: إنه ولقادر (كل شيء خلقه فهو { شفع} السماء شفع) يعني أن كل شيء له مقابل يقابله فهو بالنسبة إليه شفع كالسماء والأرض والبر والبحر والجن والإنس ونحو هذا شفع.
({ والوتر} ) [الفجر: 3] (الله عز وجل) وحدّه وهذا وصله الطبري عن مجاهد في قوله تعالى: { ومن كل شيء خلقنا زوجين} [الذاريات: 49] .
بنحوه وعن ابن عباس فيما أخرجه الطبري أيضًا من طرق صحيحة الوتر يوم عرفة والشفع يوم الذبح.

({ في أحسن تقويم} ) قال مجاهد فيما أخرجه الفريابي أي (في أحسن خلق) بفتح الخاء منتصب القامة حسن الصورة ({ أسفل سافلين} ) [التين: 4، 5] .
بأن جعلناه من أهل النار أو كناية عن الهرم والضعف فينقص عمل المؤمن عن زمن الشباب ويكون له أجره لقوله تعالى: { إلا الدين آمنوا} قال مجاهد: (إلا من آمن) أي لكن من آمن فالاستثناء منقطع، والمعنى ثم رددناه أسفل سافلين رددناه إلى أرذل العمر فنقص عمله فنقصت حسناته، لكن من آمن وعمل الصالحات ولازم عليها إلى زمن الهرم والضعف فإنه يكتب له بعدة مثل الذي كان يعمل في الصحة.

({ خسر} ) في قوله تعالى: { إن الإنسان لفي خُسر} [العصر: 2] .
أي (ضلال ثم استثنى فقال: إلا من آمن) فليس في ضلال قال مجاهد فيما أخرجه الفريابي وذكر بالمعنى وإلاّ فالتلاوة { إلا الذين آمنوا} وثبت لأبي ذر لفظ فقال.

({ لازب} ) في قوله تعالى: { إنّا خلقناهم من طين لازب} [الصافات: 11] .
قال أبو عبيدة (لازم) بالميم.
قال النابغة:
ولا تحسبون الشرّ ضربة لازب
أي لازم.
وعن مجاهد فيما رواه الطبري لازق، وعن ابن عباس من التراب والماء فيصير طينًا يلزق فلعل تفسيره باللازم تفسير بالمعنى وأكثر أهل اللغة على أن الباء في اللازب بدل من الميم فهما بمعنى، وقد قرئ لازم بالميم لأنه يلزم اليد وقيل اللازب المنتن.

({ ننشئكم} ) يريد قوله تعالى: { وننشئكم فيما لا تعلمون} [الواقعة: 61] .
أي (في أي خلق نشاء) أي من الصور والهيئات.
وقال الحسن: أي نجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم.

({ نسبح بحمدك} ) [البقرة: 30] .
يريد قوله: { ونحن نسبح بحمدك} قال مجاهد: أي (نعظمك) بأن نبرئك من كل نقص فنقول: سبحان الله وبحمده.
(وقال أبو العالية): رفيع بن مهران الرياحي فيما وصله الطبري بإسناد حسن في قوله تعالى: ({ فتلقى آدم من ربه كلمات} ) [البقرة: 37] .
(فهو قوله) تعالى: ({ ربنا ظلمنا أنفسنا} ) [الأعراف: 23] .
الآية.
({ فأزلهما} ) [البقرة: 36] .
أي (فاستزلهما) دعاهما إلى الزلة وهي الخطيئة لكنها صغيرة وعبر عنها في طه بقوله (وعصى) تعظيمًا للزلة وزجرًا لأولاده عنها ({ ويتسنه} ) في قوله تعالى: { فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} [البقرة: 259] .
أي لم (يتغير) ولأبي ذر: يتسنه يتغير.
({ آسن} ) في قوله تعالى: { من ماء غير آسن} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 15] .
معناه متغير و ({ المسنون} ) في قوله تعالى: { من حمأ مسنون} [الحجر: 26] .
معناه (المتغير) من الطين ({ حمأ} ) بفتح الميم (جمع حمأة) بسكونها (وهو الطين المتغير) المسود من طول مجاورة الماء.
وقوله: { يتسنه} لم يتغير ذكره بطريق التبعية للمسنون وهذا كله تفسير أبي عبيدة لا من تفسير أبي العالية ويحتمل أنه كان في الأصل بعد قوله: { ربنا ظلمنا أنفسنا} [الأعراف: 23] .
وقال غيره: فأزلهما.

({ يخصفان} ) قال أبو عبيدة هو (أخذ الخصاف) بسكون خاء أخذ وضم الذال والخصاف بكسر الخاء وجر الفاء في الفرع كأصله وفي غيرهما أخذ الخصاف بفتح الخاء والذال وألف التثنية ونصب الفاء على المفعولية { من ورق الجنة} قال ابن عباس: من ورق التين (يؤلفان الورق ويخصفان) يلزقان (بعضه إلى بعض) ليسترا به عورتهما ({ سوآتهما} كناية عن فرجهما) ولأبي ذر: فرجيهما بفتح الجيم وتحتية ساكنة والضمير لآدم وحواء ({ ومتاع إلى حين} ) (الأنبياء: 111] .
المراد به (هاهنا إلى يوم القيامة، والحين عند العرب: من ساعة إلى ما لا يحص عدده).
كذا رواه الطبري عن ابن عباس بنحوه.

({ قبيله} ) في قوله تعالى: { إنه يراكم هو وقبيله} [الأعراف: 27] أي (جيله الذي هو منهم) كذا قاله أبو عبيدة.
وعن مجاهد فيما ذكره الطبري الجن والشياطين.


[ قــ :3173 ... غــ : 3326 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ.
فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.
فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ».
[الحديث 3326 - طرفه في: 6227] .

وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة هو ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(خلق الله) عز وجل (آدم) عليه الصلاة والسلام زاد عبد الرزاق عن معمر على صورته والضمير لآدم أي أن الله أوجده على الهيئة التي خلقه الله عليها لم ينتقل في النساء أحوالاً ولا تردد في الأرحام أطوارًا بل خلقه كاملاً سويًا، وعورض هذا التفسير بقوله في حديث آخر خلق آدم على صورة الرحمن وهي إضافة تشريف وتكريم لأن الله تعالى خلقه على صورة لم يشاكلها شيء من الصور في الكمال والجمال (وطوله ستون ذراعًا) بقدر ذراع نفسه أو بقدر الذراع المتعارف يومئذ عند المخاطبين، ورجح الأول بأن ذراع كل أحد مثل ربعه فلو كان بالذراع المعهود لكانت يده قصيرة في جنب طول جسده، وزاد أحمد من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعًا في سبعة أذرع عرضًا (ثم قال) تعالى له (اذهب فسلّم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك) من التحية وهذه (تحيتك وتحية ذريتك) من بعدك.
وفي الترمذي من حديث أبي هريرة لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال: الحمد لله فحمد الله بإذنه.
الحديث إلى قوله: اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس، (فقال السلام عليكم.
فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله) وهذا أول مشروعية السلام وتخصيصه بالذكر لأنه فتح لباب المودّة وتأليف لقلوب الإخوان المؤدي إلى استكمال الإيمان كما في حديث مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم".
(فكل من يدخل الجنة) يدخلها وهو (على صورة آدم) عليه السلام في الحسن والجمال والطول ولا يدخلها على صورته من السواد أو بوصف من العاهات (فلم يزل الخلق ينقص) في الجمال والطول (حتى الآن) فانتهى التناقص إلى هذه الأمة فإذا دخلوا الجنة عادوا إلى ما كان عليه آدم من الجمال وطول القامة.

وفي كتاب مثير الغرام في زيارة القدس والخليل عليه السلام لتاج الدين التدمري مما نقله عن ابن قتيبة في المعارف: أن آدم عليه السلام كان أمرد وإنما نبتت اللحية لولده بعده وكان طوالاً كثير الشعر جعدًا أجمل البرية.

وحديث الباب أخرجه أيضًا في الاستئذان ومسلم في صفة الجنة وصححه ابن حبان ورواه البزار والترمذي والنسائي من حديث سعيد المقبري وغيره عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن الله خلق آدم من تراب فجعله طينًا، ثم ترك حتى إذا كان حمأ مسنونًا خلقه وصوره، ثم تركه حتى إذا كان صلصالاً كالفخار كان إبليس يمرّ به فيقول: خلقت لأمر عظيم ثم نفخ الله فيه من روحه فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه فعطس فقال: الحمد لله.
فقال الله: يرحمك ربك" الحديث.

وفي حديث أبي موسى أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان مرفوعًا: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض"، ففي هذا أن الله تعالى لما أراد إبراز آدم من العدم إلى الوجود قلبه في ستة أطوار: طور التراب وطور الطين اللازب وطور الحمأ وطور الصلصال وطور التسوية وهو جعل الخزقة التي هي الصلصال عظمًا ولحمًا ودمًا ثم نفخ فيه الروح، وقد خلق الله تعالى الإنسان على أربعة أضرب: إنسان من غير أب ولا أم وهو آدم، وإنسان من أب لا غير وهو حواء، وإنسان من أم لا غير وهو عيسى، وإنسان من أب وأم وهو الذي خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب يعني من صلب الأب وترائب الأم، وهذا الضرب يتم بعد ستة أطوار أيضًا.
النطفة ثم العلقة، ثم المضعة، ثم العظام، ثم كسوة العظام لحمًا، ثم نفخ الروح فيه، وقد شرف الله تعالى هذا الإنسان على سائر المخلوقات فهو صفوة العالم وخلاصته وثمرته قال الله تعالى: { ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70] .
{ وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه} [الجاثية: 13] .

ولا ريب أن من خلقت لأجله وسببه جميع المخلوقات علويها وسفليها خليق بأن يرفل في ثياب الفخر على من عداه، وتمتدّ إلى اقتطاف زهرات النجوم يداه، وقد خلقه الله تعالى واسطة بين شريف وهو الملائكة، ووضيع وهو الحيوان.
ولذلك كان فيه قوى العالمين وأهل لسكنى الدارين فهو كالحيوان في الشهوة وكالملائكة في العلم والعقل والعبادة وخصه رتبة النبوة، واقتضت الحكمة أن تكون شجرة النبوّة صنفًا منفردًا ونوعًا واقعًا بين الإنسان والملك ومشاركًا لكل واحد منهما على وجه فإنه كالملائكة في الاطّلاع على ملكوت السماوات والأرض، وكالبشر في أحوال المطعم والمشرب، وإذا طهر الإنسان من نجاسته النفسية وقاذوراته البدنية وجعل في جوار الله كان حينئذٍ أفضل من الملائكة.
قال تعالى: { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} [الرعد: 23] .

وفي الحديث: الملائكة خدم أهل الجنة.

قال ابن كثير: واختلف هل ولد لآدم في الجنة؟ فقيل: لا.
وقيل: ولد له فيها قابيل وأخته.
قال: وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى.
وفي تاريخ ابن جرير أن حواء ولدت لآدم أربعين ولدًا في عشرين بطنًا، وقيل مائة وعشرين بطنًا في كل بطن ذكر وأنثى أوّلهم قابيل وأخته أقليمًا، وآخرهم عبد المغيث وأخته أمة المغيث، وقيل: إنه لم يمت حتى رأى من ذريته من ولده وولد ولده أربعمائة ألف نسمة والله أعلم.

وذكر السدي عن ابن عباس وغيره أنه كان يزوّج ذكر كل بطن بأنثى الآخر، وأن هابيل أراد أن يتزوج أخت قابيل فأبى فأمرهما آدم أن يقربا قربانًا فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تتزوج أختي فقال: { إنما يتقبل الله من المتقين} [المائدة: 27] .
وضربه فقتله وكانت مدة حياة آدم ألف سنة.
وعن عطاء الخراساني مما رواه ابن جرير أنه لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبعة أيام.




[ قــ :3174 ... غــ : 337 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، الأَلنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولاهم البلخي الكوفي قال: ( حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن عمارة) بضم العين ابن القعقاع ( عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إن أول زمرة) أي جماعة ( يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر) في الحسن والإضاءة ( ثم الذين يلونهم) وفي باب ما جاء في صفة الجنة من طريق الأعرج عن أبي هريرة: ثم الذين على أثرهم ( على أشد كوكب دري) بضم الدال وتشديد الراء والتحتية من غير همز ( في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون) بكسر الفاء وفي باب ما جاء في صفة الجنة ولا يبصقون بالصاد ( ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك) أي عرقهم كالمسك في طيب ريحه ( ومجامرهم الألوة) بفتح الهمزة وضم اللام وتشديد الواو وهي ( الأنجوج) بهمزة مفتوحة فنون ساكنة وبعد الجيم المضمومة واو ساكنة فجيم أخرى، ولأبي ذر: الألنجوج بلام مفتوحة بين الهمزة والنون وهو ( عود الطيب) الذي يبخر به.

فإن قلت: أي حاجة في الجنة إلى الامتشاط ولا تتلبد شعورهم ولا تتسخ وأي حاجة إلى البخور وريحهم أطيب من المسك؟ أجيب: بأن نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم فليس أكلهم عن جوع ولا شربهم عن ظمأ ولا تطيبهم عن نتن وإنما هي لذات متوالية ونعم متتابعة.

( وأزواجهم الحور العين) وهم ( على خلق رجل واحد) بفتح الخاء وسكون اللام ( على صورة أبيهم آدم) في الطول ( ستون ذرعًا في السماء) في العلو والارتفاع.

وهذا موضع الترجمة وسبق هذا الحديث في باب: ما جاء في صفة الجنة.




[ قــ :3175 ... غــ : 338 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ "عَنْ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغُسْلُ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ.
فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَبِمَا يُشْبِهُ الْوَلَدُ"؟.

وبه قال: ( حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة) عبد الله المخزومي ( عن أم سلمة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- ( أن أم سليم) سهلة والدة أنس بن مالك ( قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق) ، قالت ذلك اعتذارًا عن تصريحها بما تنقبض عنه النفوس البشرية لا سيما بحضرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي أن الله تعالى بيّن لنا أن الحق ليس مما يستحيا منه وسؤالها هذا كان من الحق ( فهل على المرأة الغسل) بفتح الغين في الفرع كأصله ( إذا احتلمت) ؟ وفي باب: إذا احتلمت المرأة من كتاب الغسل إذا هي احتلمت ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( نعم) .
يجب عليها الغسل ( إذا رأت الماء) أي المني بعد استيقاظها من النوم ( فضحكت أم سلمة.
فقالت: تحتلم المرأة)
بغير همزة والواو ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبما) بألف بعد الميم مع دخول الجار وهو قليل ( يشبه الولد) ؟ أمه.
وقال البيضاوي: هذا استدلال على أن لها منيًّا كما للرجل منيّ والولد مخلوق منهما إذ لو لم يكن لها ماء وكان الولد من مائه المجرد لم يكن يشبهها لأن الشبه بسبب ما بينهما من المشاركة في المزاج الأصلي المعين المعدّ لقبول التشكلات والكيفيات المعينة من مبدعه تبارك وتعالى، فإن غلب ماء الرجل ماء المرأة وسبق نزع الولد إلى جانبه ولعله يكون ذكرًا، وإن كان العكس نزع الولد إلى جانبه ولعله يكون أنثى.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فبما يشبه الولد؟ وسبق الحديث في الطهارة.




[ قــ :3176 ... غــ : 339 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ، قَالَ مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَىِّ شَىْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَمِنْ أَىِّ شَىْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ.
قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ.
.
وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ.
وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ به، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا.
قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، إِنْ عَلِمُوا بِإِسْلاَمِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ.
فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَيْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ؟ قَالُوا: أَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ؟ قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ.
فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا.
وَوَقَعُوا فِيهِ".
[الحديث 339 - أطرافه في: 3911، 3938، 4480] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام السلمي مولاهم البيكندي قال: ( أخبرنا الفزاري) بفتح الفاء والزاي مروان بن معاوية بن الحرث بن أسماء الكوفي نزيل مكة ( عن حميد) الطويل ( عن أنس -رضي الله عنه-) أنه ( قال: بلغ عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام الإسرائيلي وعبد الله نصب بقوله ( مقدم) وهو رفع على الفاعلية مصدر ميمي بمعنى القدوم ( رسول الله) ولأبي ذر: النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) نصب على الظرفية ( فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث) من المسائل ( لا يعلمهن إلاّ نبي.
أوّل)
ولأبي ذر قال: قال ما أوّل ( أشراط الساعة) أي علاماتها ( وما أول طعم يأكله أهل الجنة) فيها ( ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه) أي يشبه أباه ( ومن أي شيء ينزع إلى أخواله) يشبههم ( فقال رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( خبرني) بتشديد الموحدة ( بهن) بالمسائل المذكورة ( آنفًا جبريل) عليه السلام ( قال) أنس ( فقال عبد الله) بن سلام ( ذاك) يعني جبريل ( عدو اليهود من الملائكة، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مجيبًا له: ( أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت) وهي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد وهي أطيبها وهي في غاية اللذة، وقيل هي أهنأ طعام وأمرؤه، وقيل: إن الحوت هو الذي عليه الأرض والإشارة بذلك إلى نفاد الدنيا.
( وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة) أي جامعها ( فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها) ضبب على قوله ماؤها في الفرع، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: استبقت بهمزة وصل وتسكين السين المهملة وفوقية مفتوحة وبعد القاف تاء تأنيث، ولأبي ذر عن الكشميهني سبقت بفتح السين وإسقاط الألف والفوقية ( كان الشبه لها) وفي حديث عائشة عن مسلم: إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله، والمراد بالعلو هنا السبق فقد علا شأنه فهو علو معنوي، وقيل غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى بعونه وكرمه قبيل كتاب المغازي.

( قال) ابن سلام: ( أشهد أنك رسول الله.
ثم قال: يا رسول الله وإن اليهود قوم بُهت)
بضم الموحدة وسكون الهاء وتضم جمع بهيت كقضيب وقضب وهو الذي تبهت العقول له بما يفتريه من الكذب أي كذابون ممارون لا يرجعون إلى الحق ( إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم) عني ( بهتوني) كذبوا علّي ( عندك فجاءت اليهود) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ودخل عبد الله) بن سلام ( البيت، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لليهود: ( أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعلمنا وابن أعلمنا وأخيرنا وابن أخيرنا) أفعل تفضيل من الخير وفيه استعمال أفعل التفضيل بلفظ الأخير، ولغير أبي ذر أخبرنا وابن أخيرنا بالموحدة في الأولى من الخبرة وبالتحتية في الثانية، ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( أفرأيتم) أي أخبرني ( إن أسلم عبد الله) ؟ تسلموا ( قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله) من البيت ( إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.
فقالوا: شرّنا وابن شرّنا ووقعوا فيه)
.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: وأما الشبه لأن الترجمة في خلق آدم وذريته.




[ قــ :3177 ... غــ : 3330 ]
- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ، يَعْنِي: «لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا».

وبه قال: ( حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن همام) هو ابن منبه ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه) فيه حذف قيل لعله روي قبل هذا عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر، ثم رواه عن بشر بن محمد عن عبد الله عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال نحوه أي نحو الحديث المذكور ثم فسر ذلك بقوله:
( يعني لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم) بخاء معجمة ساكنة فنون مفتوحة فزاي لم ينتن وأصل ذلك فيما روي عن قتادة أنس بني إسرائيل ادّخروا لحم السلوى وكانوا نهوا عن ذلك فعوقبوا بذلك فاستمر نتن اللحم من ذلك الوقت.
( ولولا حواء) بالهمزة ممدودًا ( لم تخن أنثى زوجها) حيث زينت لزوجها آدم عليه السلام الأكل من الشجرة فسرى في أولادها مثل ذلك فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو القول.




[ قــ :3178 ... غــ : 3331 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَمُوسَى بْنُ حِزَامٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَىْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ".
[الحديث 3331 - طرفاه في: 5184، 5186] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو كريب) بضم الكاف مصغرًا محمد بن العلاء ( وموسى بن حزام) بالحاء المهملة المكسورة والزاي الترمذي العابد ( قالا: حدّثنا حسين بن عليّ) بضم الحاء وفتح السين مصغرًا ابن الوليد الجعفي ( عن زائدة) بن قدامة الثقفي ( عن ميسرة) ضد الميمنة ابن عمار ( الأشجعي) بالشين المعجمة ( عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي الغطفاني ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( استوصوا) قال البيضاوي: الاستيصاء قبول الوصية والمعنى أوصيكم ( بالنساء) خيرًا وقال الطيبي: الأظهر أن السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير كما في
قوله تعالى: { وكانوا من قبل يستفتحون} [البقرة: 89] .
قال في الكشاف: السين للمبالغة أي يسألون أنفسهم الفتح عليهم كالسين في استعجب ويجوز أن يكون الخطاب العام أي يستوصي بعضكم من بعض في حق النساه، ( فإن المرأة خلقت من ضلع) أي أعوج بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وتسكن واحد الأضلاع استعير للعوج صورة أو معنى أي فلا يتهيأ الانتفاع بها إلا بمداراتها والصبر على اعوجاجها، وقيل: أراد به أن أول النساء حواء أخرجت من ضلع آدم الأيسر، وقيل من القصيرى كما تخرج النخلة من النواة وجعل مكانها لحم، وهذا مروي عن ابن عباس فيما رواه ابن إسحاق في المبتدأ بلفظ: إن حواء خلقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر وهو نائم، وكأن المعنى أن النساء خلقن من أصل خلق من شيء معوج، وقوله: أعوج هو أفعل التفضيل فاستعماله في العيوب شاذ، وإنما يمتنع عند الالتباس بالصفة فإذا تميز عنه بالقرينة جاز.

( وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) ذكره تأكيدًا لمعنى الكسر أو إشارة إلى أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع مبالغة في إثبات هذه الصفة لهن أو ضرب مثلاً لأعلى المرأة لأن أعلاها رأسها وفيه لسانها، وهو الذي يحصل منه الأذى.
والأصل التعبير بأعلاها لأن الضلع مؤنثة، وإنما أعاد الضمير مذكرًا على تأويله بالعضو، وقول الزركشي: تأنيثه غير حقيقي فلذا جاز التذكير، تعقبه في المصابيح فقال: هذا غلط لأن معاملة المؤنث غير الحقيقي معاملة المذكر إنما هو بالنسبة إلى ظاهره إذا أسند إليه مثل طلع الشمس، وأما مضمره فحكمه حكم المؤنث الحقيقي في وجوب التأنيث تقول: الشمس طلعت وهي طالعة ولا تقول طلع وهو طالع.
نعم قد يؤول في بعض المواضع بالمذكر فينزل منزلته مثل:
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل أبقالها
فأول الأرض بالمكان فذكّر وكذا ما نحن فيه.

( فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته) أي وإن لم تقمه ( لم يزل أعوج) فلا يقبل الإقامة وهذا ضرب مثل لما في أخلاق النساء من الاعوجاج فإن أريد منهن الاستقامة ربما أفضى ذلك إلى الطلاق.
وفي مسلم من حديث أبي هريرة: إن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها، ( فاستوصوا بالنساء) أيها الرجال.
وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وفيه سياسة النساء بأخذ العفو عنهن والصبر على عوجهن فإن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه.
وفي صحيح ابن حبان مرفوعًا من حديث أبي هريرة: إن المرأة خلقت من ضلع أعوج فإن أقمتها كسرتها فدارها تعش بها.

وحديث الباب أخرجه أيضًا في النكاح وعشرة النساء ومسلم في النكاح.




[ قــ :3179 ... غــ : 333 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ: "حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ
يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ، وَأَجَلُهُ، وَرِزْقُهُ، وَشَقِيٌّ أَم سَعِيدٌ.
ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ.
فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ».

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص) قال: ( حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: ( حدّثنا زيد بن وهب) الجهني قال: ( حدّثنا عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- قال: ( حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الصادق) في قوله ( المصدوق) فيما وعده به الله عز وجل.

( إن أحدكم) بكسر همزة إن في الفرع كأصله على معنى حدّثنا فقال: إن أحدكم أو إن وما بعدها محكيان بحدّثنا على ما عرف من مذهبهم في جواز الحكاية بما فيه من معنى القول لا حروفه، وقول أبي البقاء: لا يجوز إلا الفتح لأن قبله حدّثنا منقوص بما ذكر، ولأبي ذر عن الكشميهني: وإن خلق أحدكم ( يجمع) بضم أوله وسكون ثانيه مبنيًّا للمفعول أي يضم ( في بطن أمه أربعين يومًا) بلياليها بعد الانتشار، وزاد أبو عوانة نطفة، فبين أن الذي يجمع هو النطفة وهو المني، وذلك أن ماء الرجل إذا لاقى ماء المرأة بالجماع وأراد الله أن يخلق من ذلك الجنين هيّأ أسباب ذلك لأن في رحم المرأة قوتين قوة انبساط عند ورود مني الرجل حتى ينتشر في جسد المرأة وقوة انقباض بحيث لا يسيل من فرجها مع كونه منكوسًا، ومع كون المني ثقيلاً بطبعه وفي مني الرجل قوة الفعل وفي مني المرأة قوة الانفعال فعند الامتزاج يصير مني الرجل كالأنفحة للبن.
وفي النهاية يجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم لتتخمر فيه حتى تتهيأ للتصوير ( ثم يكون) أي يصير ( علقة) دمًا غليطًا جامدًا ( مثل ذلك) الزمان، والمعنى أنها تصير بتلك الصفة مدة الأربعين ( ثم يكون) يصير ( مضغة) قطعة لحم سميت بذلك لأنها بقدر ما يمضعه الماضغ ( مثل ذلك) الزمان ( ثم يبعث الله إليه) في الطور الرابع حتى يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه ( ملكًا) وهو الموكّل بالرحم أي يأمره ( بأربع كلمات) يكتبها من القضايا المقدرة في الأزل ( فيكتب) الملك الكتابة المعهودة في صحيفة أو بين عينيه ( عمله) هل هو صالح أو فاسد ( وأجله) أهو طويل أو قصير ( ورزقه) أهو حلال أو حرام قليل أو كثير والثلاثة نصب بيكتب ولأبي ذر فيكتب بضم التحتية وفتح الفوقية مبنيًّا للمفعول عمله وأجله ورزقه يرفع الثلاثة على النيابة عن الفاعل ( و) هو ( شقي) باعتبار ما يختم له ( أم سعيد) باعتبار ما يختم له.
كما دل عليه الحديث، والمراد أن الملك يكتب إحدى الكلمتين كأن يكتب مثلاً عمل هذا الجنين صالح وأجله ثمانون سنة ورزقه حلال وهو سعيد.
قال الحافظ ابن حجر: وحديث ابن مسعود بجميع طرقه يدل على أن الجنين يتقلب في مائة وعشرين يومًا في ثلاثة أطوار كل طور منها في أربعين ( ثم) بعد تمامها ( ينفخ فيه الروح
فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار)
من المعاصي والباء زائدة والأصل يعمل عمل أهل النار لأن قوله عمل إما مفعول مطلق أو مفعول به وكلاهما مستغن عن الحرف فزيادة الباء للتأكيد أو ضمن يعمل معنى يتلبس في عمله بعمل أهل النار ( حتى ما يكون) رفع على أن حتى ابتدائية ويجوز النصب بحتى وما نافية غير مانعة لها من العمل ( بينه وبينها) أي النار ( إلاّ ذراع) تمثيل بقرب حالة الموت وضابط الحسي الغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة ( فيسبق عليه الكتاب) الذي كتبه الملك عليه وهو في بطن أمه عقب ذلك من غير مهلة ( فيعمل بعمل أهل الجنة) عند ذلك ( فيدخل الجنة) وموضع عليه نصب على الحال أي يسبق المكتوب واقعًا عليه.
والمراد بسبق الكتاب سبق ما تضمنه على حذف مضاف أو المراد المكتوب، والمعنى أنه يتعارض عمله في اقتضاء الشقاوة والمكتوب في اقتضاء السعادة فيتحقق مقتضى المكتوب فعبّر عن ذلك بالسبق لأن السابق يحصل مراده دون المسبوق.

( وأن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة) من الطاعات ( حتى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار) .
وفي الحديث إن الأعمال حسنها وسيئها إمارات وليست بموجبات، وإن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر في الابتداء إلى غير ذلك مما يتعلق بالأصول والفروع مما يأتي إن شاء الله تعالى الإلمام بشيء منه في القدر بعون الله تعالى.




[ قــ :3180 ... غــ : 3333 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ بْنِ مَالِك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ فِي الرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ يَا رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهَا قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ يَا رَبِّ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: ( حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم الأزدي الجهضمي ( عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ( ابن أبي بكر بن أنس) أبي معاذ ( عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( إن الله وكّل) بتشديد الكاف ( في الرحم ملكًا فيقول) عند وقوع النطفة التماسًّا لإتمام الخلقة ( يا رب) بحذف ياء المتكلم هذه ( نطفة) أي مني ( يا رب) هذه ( علقة) قطعة من دم جامدة ( يا رب) هذه ( مضغة) قطعة لحم مقدار ما يمضع وفائدة ذلك أنه يستفهم هل يتكوّن منها أم لا؟ ( فإذا أراد) سبحانه وتعالى ( أن يخلقها قال) الملك: ( يا رب أذكر) هو ( يا رب) هو ( أنثى يا رب) هو ( شقي) عاص لك ( أم سعيد) مطيع لك ( فما الرزق) الذي يعيش به ( فما الأجل) ؟ أي مدة حياته إلى وقت موته ( فيكتب كذلك) بضم التحتية وفتح الفوقية مبنيًا للمفعول ( في بطن أمه) .
ظرف ليكتب.

وهذا الحديث سبق في الحيض.




[ قــ :3181 ... غــ : 3334 ]
- حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحرثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِي.
فَأَبَيْتَ إِلاَّ الشِّرْكَ».
[الحديث 3334 - طرفاه في: 6538، 6557] .

وبه قال: ( حدّثنا قيس بن حفص) الدارمي البصري قال: ( حدّثنا خالد بن الحرث) الهجيمي البصري قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب ( الجوني) بفتح الجيم بعد الواو الساكنة نون ( عن أنس يرفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

( إن الله) عز وجل ( يقول) يوم القيامة ( لأهون أهل النار عذابًا) قيل هو أبو طالب ( لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به) بالفاء من الافتداء وهو خلاص نفسه مما وقع فيه بدفع ما يملكه ( قال: نعم.
قال)
الله تعالى ( فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم) حين أخذت الميثاق ( أن لا تشرك بي فأبيت) إذ أخرجتك إلى الدنيا.
( إلا الشرك) .

هذا الحديث أخرجه أيضًا في صفة الجنة والنار أواخر الرقاق ومسلم في التوبة.




[ قــ :318 ... غــ : 3335 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ».
[الحديث 3335 - طرفاه في: 6867، 731] .

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) النخعي الكوفي قال: ( حدّثنا أبي) حفص قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان ( قال: حدثني) بالإفراد ( عبد الله بن مرّة) بضم الميم وتشديد الراء ( عن مسروق) هو ابن الأجدع ( عن عبد الله) هو ابن مسعود ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا تقتل نفس) بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية مبنيًا للمفعول من بني آدم ( ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول) قابيل حيث قتل أخاه هابيل ( كفل) بكسر الكاف وإسكان الفاء نصيب ( من دمها لأنه أول من سنّ القتل) على وجه الأرض من بني آدم.

ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن القاتل قابيل ولد آدم من صلبه فهو داخل في لفظ الذرية في الترجمة، والحديث أخرجه أيضًا في الدّيات والاعتصام، ومسلم في الحدود، والترمذي في العلم، والنسائي في التفسير، وابن ماجه في الدّيات.