فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الذكر بعد الصلاة

باب الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ
( باب الذكر بعد) الفراغ من ( الصلاة) المكتوبة.


[ قــ :818 ... غــ : 841 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ: "أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ -حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ- كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ".
[الحديث 841 - طرفه في: 842] .

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر ( قال: حدَّثنا) ولابن عساكر: أخبرنا ( عبد الرزاق) بن همام ( قال: أخبرنا ابن جريج) بضم الجيم أوّله وفتح الراء، عبد الملك بن عبد العزيز، ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عمرو) بفتح العين، ابن دينار ( إن أبا معبد) بفتح الميم وسكون العين وفتح الموحدة آخره دال مهملة، اسمه نافذ ( مولى ابن عباس، أخبره أن ابن

عباس، رضي الله عنهما، أخبره أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من)
الصلاة ( المكتوبة كان على عهد النبي) ولأبي ذر في نسخة، وأبي الوقت: على رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: على زمانه، فله حكم الرفع.

وحمل الشافعي، رحمه الله، فيما حكاه النووي، رحمه الله، هذا الحديث على أنهم جهروا به وقتًا يسيرًا لأجل تعليم صفة الذكر لا أنهم داوموا على الجهر به، والمختار أن الإمام والمأموم يخفيان الذكر إلا إن احتيج إلى التعليم.

( و) بالإسناد السابق كما عند مسلم، عن إسحاق بن منصور، عن عبد الرزاق به ( قال ابن عباس) رضي الله عنهما، وسقط: واو "وقال" للأصيلي: ( كنت أعلم) أي أظن ( إذا انصرفوا بذلك) أي: أتعلم وقت انصرافهم برفع الصوت ( إذا سمعته) أي الذكر.

وظاهره أن ابن عباس لم يكن يحضر الصلاة في الجماعة في بعض الأوقات لصغره، أو كان حاضرًا لكنه في آخر الصفوف، فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم، وإنما كان يعرفه بالتكبير.

قال الشيخ تقي الدين: ويؤخذ منه أنه لم يكن هناك مبلغ جهير الصوت يسمع من بعد.
اهـ.

وسقط للأصيلي قوله: وقال ابن عباس، رضي الله عنهما.




[ قــ :819 ... غــ : 84 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالتَّكْبِيرِ".

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، وسقط لفظ: ابن عبد الله عند الأصيلي، ( قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: حدّثنا عمرو) بفتح العين، ابن دينار، كذا للأبوين وابن عساكر والأصيلي، بثبوت عمرو، وسقط في بعض النسخ، ولا بدّ من ثبوته، وللأصيلي: عن عمرو، بدل: حدّثنا ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو معبد) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كنت أعرف انقضاء صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتكبير) أي بعد الصلاة وفي السابقة بالذكر، وهو أعمّ من التكبير، والتكبير أخص.
أو هذا مفسر للسابق.

( قال عليّ) : هو ابن المديني، وفي رواية المستملي والكشميهني: وقال، بالواو، وللأصيلي: حدّثنا عليّ، بدل: قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو) هو ابن دينار ( قال: كان أبو معبد أصدق موالي ابن عباس) ، رضي الله عنهما، التفضيل فيه باعتبار إفراد الخبر، وإلاّ فنفس الصدق لا يتفاوت.
( قال عليّ: واسمه نافذ) بالنون وكسر الفاء آخره معجمة.

وزاد مسلم: قال عمرو، يعني: ابن دينار ذكرت ذلك لأبي معبد فأنكره، وقال: لم أحدّثك بهذا.
قال عمرو: وقد أخبرنيه قبل ذلك، وهذه مسألة معروفة عند أهل علم الحديث، وهي إنكار

الأصل تحديث الفرع، وصورتها أن يروي ثقة عن ثقة حديثًا، فيكذبه المروي عنه.
وفي ذلك تفصيل، لأنه إما أن يجزم بتكذيبه له أم لا.
وإذا جزم، فتارة يصرّح بالتكذيب، وتارة لم يصرّح به، فإن لم يجزم بتكذيبه كان قال: لا أذكره، فاتفقوا على قبوله، لأن الفرع ثقة والأصل لم يطعن فيه، وإن جزم وصرّح بتكذيبه، فاتفقوا على ردّه، لأن جزم الفرع بكون الأصل حدّثه يستلزم تكذيبه للأصل في دعواه أنه كذب عليه، وليس قبول قول أحدهما أولى من الآخر، وإن جزم ولم يصرّح بالتكذيب، كقول معبد: لم أحدّثك بهذا، فسوى ابن الصلاح، تبعًا للخطيب، بينهما أيضًا، وهو الذي مشى عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح النخبة.

لكن قال في فتح الباري: إن الراجح عند الحدّثين القبول، وتمسك بصنيع مسلم حيث أخرج حديث عمرو بن دينار هذا مع قول أبي معبد لعمرو: لم أحدثك به.
فإن دل على أن مسلمًا كان يرى صحة الحديث، ولو أنكره راويه.
إذا كان الناقل عنه ثقة، ويعضده تصحيح البخاري أيضًا، وكأنهم حملوا الشيخ على النسيان.

ويؤيده قول الشافعي، رحمه الله، في هذا الحديث بعينه، كأنه نسي بعد أن حدّثه، لكن إلحاق هذه الألفاظ بالصورة الثانية أظهر، ولعل تصحيح هذا الحديث بخصوصه لمرجحٍ اقتضاه تحسينًا للظن بالشيخين، لاسيما وقد قيل، كما أشار إليه الإمام فخر الدين في المحصول: إن الردّ إنما هو عند التساوي، فلو رجح أحدهما عمل به.

قال الحافظ ابن حجر: وهذا الحديث من أمثلة هذا، مع أنه قد حكي عن الجمهور من الفقهاء في هذه الصورة القبول، وعن بعض الحنفية، ورواية عن أحمد: الرد قياسًا على الشاهد، وبالجملة فظاهر صنيع ابن حجر اتفاق المحدّثين على الردّ على صورة التصريح بالكذب، وقصر الخلاف على هذه، وفيه نظر.
فإن الخلاف موجود، فمن متوقفٍ، ومن قائل بالقبول مطلقًا، وهو اختيار ابن السبكي تبعًا لأبي المظفر بن السمعاني، وقال به أبو الحسين بن القطان وإن كان الآمدي والهندي حكيا الاتفاق على الردّ من غير تفصيل وهو مما يساعد ظاهر صنيع الحافظ ابن حجر في الصورة الثانية وينازع في الثالثة.

ويجاب بأن الاتفاق في الثانية والخلاف في الثالثة إنما هو بالنظر للمحدثين خاصة وهذه الجملة من قوله قال علي إلى آخرها ثابتة في أوّل الحديث اللاحق عند الأصيلي وفي آخره عند الثلاثة الأبوين وابن عساكر.




[ قــ :80 ... غــ : 843 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: "ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلاَ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: يُصَلُّونَ مَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ.
قَالَ: أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ
أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ: تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا: فَقَالَ بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ.
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ".
[الحديث 843 - طرفه في: 639] .

وبالسند إلى المؤلّف قال: ( حدّثنا محمد بن أبي بكر) بن عليّ بن عطاء بن مقدّم المقدّمي البصري ( قال: حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان بن طرخان البصري، ولابن عساكر: المعتمر ( عن عبيد الله) بضم العين، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني، ( عن سميّ) بضم السين المهملة وفتح الميم، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ( عن أبي صالح) ذكوان السمان ( عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: جاء الفقراء) فيهم أبو ذر كما عند أبي داود، وأبو الدرداء كما عند النسائي ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا: ذهب أهل الدثور) بضم الدال المهملة والمثلثة، جمع: دثر، بفتح الدال وسكون المثلثة ( من الأموال) بيان للدثور وتأكيد له، لأن الدثور يجيء بمعنى المال الكثير،
وبمعنى الكثير من كل شيء ( بالدرجات العلا) في الجنة، أو المراد: علوّ القدر عنده تعالى ( وبالنعيم المقيم) الدائم المستحق بالصدقة، ( يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم) ، زاد في حديث أبي الدرداء، عند النسائي في: اليوم والليلة: ويذكرون كما نذكر وللبزار من حديث ابن عمر: وصدّقوا تصديقنا، وآمنوا إيماننا ( ولهم فضل الأموال) بالإضافة، ولأبي ذر عن الكشميهني: ولهم فضل من أموال، وللأصيلي: فضل الأموال ( يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون) في رواية ابن عجلان عن سميّ عند مسلم: ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق.

( قال) عليه الصلاة والسلام، وللأصيلي وأبي ذر: فقال:
( ألا أحدّثكم بما) أي بشيء ( إن أخذتم أدركتم) بذلك الشيء، وضبب في اليونينية على قوله: أحدثكم، ولأبي ذر في نسخة، والأصيلي: ألا أحدثكم بأمرٍِ إن أخذتم به أدركتم ( من سبقكم) من أهل الأموال في الدرجات العلا، والجملة في موضع نصب مفعول أدركتم، وسقط قوله: بماء في أكثر الرويات.
وكذا قوله: به، وقد فسر الساقط في الرواية الأخرى، وسقط أيضًا قوله: من سبقكم، في رواية الأصيلي.

والسبقية المذكورة رجح ابن دقيق العيد أن تكون معنوية، وجوّز غيره أن تكون حسية، قال الحافظ: والأوّل أولى.
اهـ.

( ولم يدرككم أحد بعدكم) لا من أصحاب الأموال ولا من غيرهم، ( وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه) بفتح النون مع الإفراد، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: بين ظهرانيهم، أي: من أنتم بينهم ( إلا مَن عمل) من الأغنياء ( مثله) فلستم خيرًا.


لأن هذا هو نقيض الحكم الثابت للمستثنى منه، وانتقاء خيرية المخاطبين بالنسبة إلى من عمر مثل عملهم صادق بمساواتهم لهم في الخيرية، وبها يجُاب عن استشكال ثبوت الأفضلية في خير مع التساوي في العمل الفهوم من قوله: أدركتم، وهو أحسن من التأويل: بإلا مَن عمل مثله.
وزاد: بغيره من فعل البر، أشار إليه البدر الدماميني، لكن لا يمتنع أن يفوق الذكر مع سهولته الأعمال الشاقّة الصعبة من الجهاد، ونحوه، وإن ورد: أفضل العبادات أحمزها، لأن في الإخلاص في الذكر من المشقّة، ولا سيما الحمد في حال الفقر، ما يصير به أعظم الأعمال.
وأيضًا فلا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقّة، في كل حال، فإن ثواب كلمة الشهادتين مع سهولتها، أكثر من العبادات الشاقة.

وإذا قلنا إن الاستثناء يعود على كل من السابق والمدرك، كما هو قاعدة الشافعي، رحمه الله، في أن الاستثناء المتعقب للجمل عائد على كلها، يلزم قطعًا أن يكون الأغنياء أفضل: إذ معناه: إن أخذتم أدركتم إلا مَن عمل مثله فإنكم لا تدركون.

( تسبّحون، وتحمدون، وتكبرون خلف كل صلاة) أي مكتوبة.
وعند المصنف في الدعوات: دبر كل صلاة، ورواية: خلف، مفسرة لرواية: دبر، وللفريابي من حديث أبي ذر: إثر كل صلاة، أي: تقولون كل واحد من الثلاثة ( ثلاثًا وثلاثين) فالمجموع لكل فرد فرد، والأفعال الثلاثة تنازعت في الظرف، وهو: خلف، و: في ثلاثًا وثلاثين، وهو مفعول مطلق، وقيل المراد المجموع للجميع.

فإذا وزع كان لكل واحد من الثلاثة أحد عشر، ويبدأ بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائص عنه تعالى، ثم ثنى بالتحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال له، إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال، ثم ثلث بالكبير إذ لا يلزم من نفي النقائص.
وإثبات الكمال نفي أن يكون هناك كبير آخر.

وقد وقع في رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد، ومثله لأبي داود من حديث أم حكيم، وله في حديث أبي هريرة: يكبر ويحمد ويسبح، وهذا الاختلاف يدل على أن لا ترتيب فيه، ويستأنس له بقوله في حديث: "الباقيات الصالحات لا يضرك بأيّهنّ بدأت".
لكن ترتيب حديث الباب الموافق لأكثر الأحاديث أولى لما مر.

قال سميّ: ( فاختلفنا بيننا) أي: أنا وبعض أهلي، هل كل واحد ثلاثًا وثلاثين أو المجموع ( فقال بعضنا: نسبح ثلاثًا وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونكبر أربعًا وثلاثين) ، قال سميّ: ( فرجعت إليه) أي، أبي صالح.

والقائل أربعًا وثلاثين بعض أهل سميّ، أو القائل، فاختلفنا، أبو هريرة.

والضمير في: فرجعت له، وفي إليه، للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والخلاف بين الصحابة وهم القائلون: أربعًا وثلاثين، كما هو ظاهر الحديث، لكن الأول أقرب لوروده في مسلم، ولفظه: قال سميّ:

فحدثت بعض أهلي هذا الحديث.
فقال: وهمت.
فذكر كلامه، قال: فرجعت إلى أبي صالح، إلا أن مسلمًا لم يوصل هذه الزيادة.

( فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو أبو صالح ( تقول) :
( سبحان الله والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون) العدد ( منهن كلهن ثلاثًا وثلاثين) .
وهل العدد للجميع أو المجموع؟.

ورواية ابن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع، ورجحه بعضهم للإتيان فيه بواو العطف.

والمختار أن الإفراد أولى لتميزه باحتياجه إلى العدد، وله على كل حركة لذلك، سواء كان بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث، ثم إن الأفضل الإتيان بهذا الذكر متتابعًا في الوقت الذي عين فيه، وهل إذا زيد على العدد المنصوص عليه من الشارع يحصل ذلك الثواب المترتب عليه أم لا؟
قال بعضهم: لا يحصل، لأن لتلك الأعداد حكمة وخاصية، وإن خفيت علينا، لأن كلام الشارع لا يخلو عن حكم، فربما يفوت بمجاوزة ذلك العدد والمعتمد الحصول لأنه قد أتى بالمقدار الذي رتب على الإتيان به ذلك الثواب، فلا تكون الزيادة مزيلة له بعد حصوله بذلك العدد، أشار إليه الحافظ زين الدين العراقي.

وقد اختلفت الروايات في عدد هذه الأذكار الثلاثة.

ففي حديث أبي هريرة، ثلاثًا وثلاثين، كما مرّ.
وعند النسائي من حديث زيد بن ثابت خمسًا وعشرين، ويزيدون فيها: لا إله إلاّ الله خمسًا وعشرين وعند البزار من حديث ابن عمر: إحدى عشرة، وعند الترمذي والنسائي من حديث أن: عشرًا، وفي حديث أن في بعض طرقه: ستًا، وفي بعض طرقه أيضًا مرة واحدة.

وعند الطبراني، في الكبير، من حديث زميل الجهني، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلّى الصبح قال: وهو ثان رجليه: "سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله إنه كان توّابًا" سبعين مرة، ثم يقول: "سبعين بسبعمائة".
الحديث.

وعند النسائي، في اليوم والليلة، من حديث أبى هريرة مرفوعًا: "من سبح دبر كل صلاة مكتوبة مائة، وكبّر مائة وحمد مائة، غفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر".

وهذا الاختلاف يحتمل أن يكون صدر في أوقات متعددة، أو هو وارد على سبيل التخيير، أو بختلف باختلاف الأحوال.

وقد زاد مسلم في رواية ابن عجلان عن سميّ، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، فقالوا مثله.


فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة: 54] .

قال المهلب: في حديث أبي هريرة: "فضل الغني" نصًّا لا تأويلاً إذا استوت أعمالهم المفروضة، فللغني حينئذ من فضل عمل البر ما لا سبيل للفقير إليه، وتعقبه ابن المنير بأن الفضل المذكور فيه خارج عن محل الخلاف، إذ لا يختلفون في أن الفقير لم يبلغ فضل الصدقة، وكيف يختلفون فيه وهو لم يفعل الصدقة، وإنما الخلاف إذا قابلنا مزية الفقير بثواب الصبر على مصيبة شظف العيش، ورضاه بذلك، بمزية الغني بثواب الصدقات، أيهما أكثر ثوابًا اهـ.

ويأتي إن شاء الله تعالى مباحث هذه المسألة في: كتاب الأطعمة.

ورواة حديث الباب ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم أيضًا: في الصلاة، والنسائي: في اليوم والليلة.




[ قــ :81 ... غــ : 844 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: "أَمْلَى عَلَىَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ -فِي كِتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ.
اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ".

وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بِهَذَا وَعَنِ الْحَكَمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنْ وَرَّادٍ بِهَذَا.

وَقَالَ الْحَسَنُ: الْجَدُّ غِنًى.
[الحديث 844 - أطرافه في: 1477، 408، 5975، 6330، 6473، 6615، 79] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي ( قال: حدّثنا سفيان) الثوري ( عن عبد الملك بن عمير) بضم العين وفتح الميم ( عن وراد) بفتح الواو وتشديد الراء آخره دال مهملة ( كاتب المغيرة) بالإضافة، ولأبي ذر: كاتب للمغيرة ( بن شعبة قال: أملى عليّ المغيرة بن شعبة) سقط: ابن شعبة في رواية أبي ذر والأصيلي، ( -في كتاب إلى معاوية-) وكان المغيرة إذ ذاك أميرًا على الكوفة من قبل معاوية، وكان السبب في ذلك أن معاوية كتب إليه اكتب إليّ بحديث سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكتب إليه ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول في دبر كل صلاة) بضم الدال والموحدة وقد تسكن، أي: عقب كل صلاة ( مكتوبة) .

( لا إله إلا الله) بالرفع على الخبرية للا، أو على البدلية من الضمير المستتر في الخبر المقدّر، أو من اسم: لا، باعتبار محله قبل دخولها، أو أن إلا بمعنى: غير، أي: لا إله إلاّ الله في الوجود، لأنّا لو حملنا: إلا، على الاستثناء لم تكن الكلمة توحيدًا محضًا.


وعورض: بأنه على تأويل: إلاّ، بغير، يصير المعنى نفي: إله، مغاير له، ولا يلزم من نفي مغاير الشيء إثباته هنا، فيعود الإشكال.

وأجيب بأن إثبات: الإله كان متفقًا عليه بين العقلاء، إلاّ أنهم كانوا يثبتون الشركاء والأنداد، فكان المقصود بهذه الكلمة نفي ذلك، وإثبات الإله من لوازم المعقول، سلمنا: أن لا إله إلا الله، دلّت على نفي سائر الآلهة، وعلى إثبات الإلهية لله تعالى، إلاّ أنها بوضع الشرع، لا بمفهوم أصل اللغة.
اهـ.

وقد يجوز النصب على الاستثناء أو الصفة لاسم: لا إذا كانت بمعنى غير، لكن المسموع الرفع.

قال البيضاوي في آية { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} [الأنبياء: ] أي غير الله وصف: بإلاَّ، لما تعذر الاستثناء لعدم شمول ما قبلها لما بعدها ودلالته على ملازمة الفساد لكون الآلهة فيهما دونه.

والمراد ملازمته لكونها مطلقًا أو معه، حملاً لها على غير، كما استثنى: بغير، حملاً لها عليها.
ولا يجوز الرفع على البدل لأنه متفرع على الاستثناء، ومشروط بأن يكون في كلام غير موجب.

وقد أشبعنا القول في مباحث ذلك في أوّل كتاب الإيمان عند قوله: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله".

ثم اعلم أنه: لا خلاف أن في قولك: قام القوم إلا زيدًا، مخرجًا، ومخرجًا منه، وأن المخرج ما بعد إلا، والمخرج منه ما قبلها.
ولكن قبل إلاّ شيئان: القيام والحكم به.

والقاعدة أن ما خرج من نقيض دخل في النقيض الآخر.

واختلفوا هل زيد مخرج من القيام أو من الحكم به؟ والذي عليه محققو النحاة والفقهاء: أنه مخرج من القيام، فيدخل في عدم القيام، فهو غير قائم، وقيل: مخرج من الحكم بالقيام فيدخل في عدم الحكم، فهو غير محكوم عليه، وهو قول قوم من الكوفيين، ووافقهم الحنفية.

فعندنا: أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي.
وعندهم: أن المستثنى غير محكوم عليه بشيء ومن حجج الجمهور الاتفاق على حصول التوحيد بقوّلنا: لا إله إلا الله.
وذلك إنما يتمشى على قوّلنا: أن المستثنى محكوم عليه، لا على قولهم: إنه مسكوت عنه.
فافهمه.

قاله ابن هشام:
( وحده) بالنصب على الحال أي: لا إله منفردًا وحده ( لا شريك له) عقلاً ونقلاً.

أما أوّلاً: فلأن وجود إلهين محُال، إذ لو فرضنا وجودهما لكان كلٍّ منهما قادرًا على كل المقدورات، فلو فرضنا أن أحدهما أراد تحريك زيد والآخر تسكينه، فإما أن يقع المرادان، وهو محال

لاستحالة الجمع بين الضدين، أو لا يقع واحد منهما، وهو محال لأن المانع من وجود مراد كل واحد منهما حصول مراد الآخر ولا يمتنع وجود مراد هذا إلاّ عند وجود مراد الآخر وبالعكس، فلو امتنعا معًا لوجدا معًا وذلك محال، لوجهين:
الأول: أنه لما كان كل واحد منهما قادرًا على ما لا نهاية له امتنع كون أحدهما أقدر من الآخر، بل يستويان في القدرة، فيستحيل أن يصير مراد أحدهما أولى بالوقوع من الآخر، إذ يلزم ترجيح أحد المتساوين من غير مرجح، وهذا محال.

الثاني: أنه إن وقع مراد أحدهما دون الآخر، فالذي يحصل مراد إله قادر، والذي لا يحصل مراده عاجز، فلا يكون إله قادر، والذي لا يحصل مراده عاجز، فلا يكون إلهًا.

وأما ثانيًا: فلقوله تعالى: { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] { لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ} [النحل: 51] { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ} [الحديد: 3] .
والأوّل: هو الفرد السابق وذلك يقتضي أن لا شريك له وهو تأكيد لقوله: وحده، لأن المتّصف بالوحدانية لا شريك له.

( له الملك) بضم الميم أي: أصناف المخلوقات، ( وله الحمد) زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة: يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير ( وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت) أي الذي أعطيت ( ولا معطي لما منعت) أي: الذي منعته.

وزاد في مسند عبد بن حميد من رواية معمر؛ عن عبد الملك بن عمير، بهذا الإسناد: "ولا رادّ لما قضيت".

وقد أجاز البغداديون، كما نبّه عليه صاحب المصابيح، ترك تنوين الاسم المطوّل، فأجازوا: لا طالع جبلاً، أجروه في ذلك مجرى المضاف، كما أجرى مجراه في الإعراب.

قال ابن هشام: وعلى ذلك يتخرج الحديث، وتبعه الزركشي في تعليق العمدة، قال الدماميني: بل يتخرج الحديث على قول البصريين أيضًا، بأن يجعل مانع اسم: لا، مفردًّا مبنيًّا معها، إما لتركيبه معها تركيب خمسة عشر، وإما لتضمنه معنى من الاستغراقية، على الخلاف المعروف في المسألة.
والخبر محذوف، أي: لا مانع مانع لما أعطيت، واللام للتقوية.
فلك أن تقول: تتعلق، ولك أن تقول: لا تتعلق.

وكذا القول في: ولا معطي لما منعت، وجوز الحذف ذكر مثل المحذوف، وحسنه دفع التكرار، فظهر بذلك أن التنوين على رأي البصريين ممتنع، ولعل السرّ في العدول عن تنوينه إرادة التنصيص على الاستغراق، ومع التنوين يكون الاستغراق ظاهرًا لا نصًّا.

فإن قلت: إذا نون الاسم كان مطولاً، ولا، عاملة، وقد تقرر أنها عند العمل ناصّة على الاستغراق.

قلت: خص بعضهم الاستغراق بحالة البناء من جهة تضمن معنى: من الاستغراقية، ولو سلّم ما قلته لم يعين عملها في هذا الاسم المنصوب حتى يكون النص على الاستغراق حاصلاً، لاحتمال أن يكون منصوبًا بفعل محذوف، أي لا نجد ولا نرى مانعًا ولا معطيًا، فعدل إلى البناء لسلامته من هذا الاحتمال.
اهـ.

( ولا ينفع ذا الجد منك الجد) بفتح الجيم فيهما أي: لا ينفع ذا الغنى عندك غناه، إنما ينفعه العمل الصالح.
فمن، في: ملك بمعنى البدل، كقوله تعالى: { أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ} [التوبة: 38] أي: بدل الآخرة.

( وقال شعبة) مما وصله السراج في سنده، والطبراني: في الدعاء، وابن حبّان ( عن عبد الملك) في رواية أبي ذر، والأصيلي زيادة: ابن عمير ( بهذا) الحديث السابق، أي: رواه عنه كما رواه سفيان عنه ( و) قال شعبة، أيضًا ( عن الحكم) بن عتيبة، مما وصله السراج والطبراني وابن حبان، وثبتت واو: وعن الحكم لابن عساكر ( عن القاسم بن مخيمرة) بضم الميم وفتح المعجمة وسكون المثناة وكسر الميم بعدها مفتوحة، ( عن وراد بهذا) الحديث أيضًا، ولفظه كلفظ عبد الملك بن عمير، إلا أنهم قالوا فيه: كان إذا قضى صلاته وسلم قال: إلخ ( وقال الحسن) البصري، مما وصله ابن أبي حاتم، من طريق أبي رجاء، وعبد بن حميد من طريق سليمان التيمي، كلاهما عن الحسن، أنه قال في قوله تعالى { وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن: 3] ( جدُّ غنى) بالرفع بلا تنوين على سبيل الحكاية، مبتدأ خبره غنى، أي: الجد تفسيره غنى، ولكريمة: الجد غنى، وسقط هذا الأثر في رواية الأصيلي وابن عساكر، وتعليق الحكم مؤخر عن تعليق الحسن في رواية أبي ذر، ومقدّم عليه في رواية كريمة، وهو الأصوب.
لأن قوله: عن الحكم، معطوف على قوله: عن عبد الملك، وقوله: قال الحسن: جد غنى، معترض بين المعطوف والمعطوف عليه.

ورواة هذا الحديث الخمسة كوفيون إلا محمد بن يوسف، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الاعتصام، والرقاق، والقدر والدعوات، ومسلم وأبو داود والنسائي في: الصلاة.