فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب

باب مَا ذُكِرَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَّابٌ
( باب ما ذكر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن له بوّاب) راتب ليمنع الناس من الدخول عليه.


[ قــ :6772 ... غــ : 7154 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ لاِمْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ: تَعْرِفِينَ فُلاَنَةَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ فَإِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِهَا وَهْىَ تَبْكِى عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: «اتَّقِى اللَّهَ وَاصْبِرِى» فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّى فَإِنَّكَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِى قَالَ: فَجَاوَزَهَا وَمَضَى فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ فَقَالَ: مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: مَا عَرَفْتُهُ قَالَ: إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَجَاءَتْ إِلَى بَابِهِ فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا عَرَفْتُكَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ».

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق) ولأبي ذر والأصيلي: إسحاق بن منصور أي ابن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر والأصيلي: حدّثنا ( عبد الصمد) بن عبد الوارث قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( حدّثنا ثابت البناني) بضم الموحدة وفتح النون ( عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ولأبي ذر قال: سمعت أنس بن مالك ( يقول لامرأة من أهله: تعرفين فلانة) لم يقف الحافظ على اسم المرأتين ( قالت: نعم) أعرفها ( قال: فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بها وهي) أي والحال أنها ( تبكي عند قبر فقال) لها:
( اتقي الله) توطئة لقوله ( واصبري) بكسر الموحدة أي لا تجزعي وخافي غضب الله واصبري
حتى تثابي فأجابت ( فقالت) له: ( إليك) أي تنح وابعد ( عني فإنك خلو) بكسر المعجمة وسكون اللام خال ( من مصيبتي) .
وعند أبي يعلى من حديث أبي هريرة أنها قالت: يا عبد الله إني أنا الحراء الثكلاء ولو كنت مصابًا عذرتني ( قال) أنس: ( فجاوزها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ومضى فمرّ بها رجل) هو الفضل بن العباس ( فقال) لها: ( ما قال لك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت) له: ( ما عرفته.
قال: إنه لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
زاد مسلم في رواية له فأخذها مثل الموت أي من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( قال) أنس: ( فجاءت) أي المرأة ( إلى بابه) عليه الصلاة والسلام ( فلم تجد عليه بوّابًا) أي راتبًا تواضعًا منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلا يعارض هذا حديث أبي موسى أنه كان بوّابًا له عليه الصلاة والسلام لما جلس على القف، وحديث عمر لما استأذن له الأسود في قصة حلفه أن لا يدخل على نسائه شهرًا لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في خلوة نفسه يتخذ البوّاب.
واختلف في مشروعية الحجاب للحاكم فقال إمامنا الشافعي: لا ينبغي اتخاذه له، وقال آخرون بالجواز، وقال آخرون يستحب لترتيب الخصوم ومنع المستطيل ودفع الشرّير ويكره دوام الاحتجاب، وقد يحرم ففي أبي داود والترمذي بسند جيد عن أبي مريم الأسدي مرفوعًا: مَن ولاّه الله من أمر الناس شيئًا فاحتجب عن حاجتهم احتجب الله عن حاجته يوم القيامة.
وقال في شرح المشكاة: فائدة قوله فلم تجد عنده بوّابًا إنه لما قيل لها إنه لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استشعرت خوفًا وهيبة في نفسها فتصوّرت أنه مثل الملوك له حاجب وبوّاب يمنع الناس من الوصول إليه فوجدت الأمر بخلاف ما تصوّرته.

( فقالت: يا رسول الله والله ما عرفتك.
فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
لها ( إن الصبر عند أول صدمة) ولأبي ذر عن الكشميهني: عند أول الصدمة بالتعريف، والمعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فهو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر فالمرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه وإنما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره.

وسبق الحديث في الجنائز في باب زيارة القبور.