فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل

باب مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ إِلاَّ مِنَ الْغَشْيِ الْمُثْقِلِ
هذا ( باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل) لا من الغشي غير المثقل وليس المراد من توضأ من الغشي المثقل لا من سبب آخر من أسباب الحدث، والغشي: بفتح الغين وسكون الشين المعجمتين ضرب من الإغماء إلا أنه أخف منه والثقل بضم الميم وكسر القاف صفة للغشي.


[ قــ :181 ... غــ : 184 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي.
فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ .

     وَقَالَتْ : سُبْحَانَ اللَّهِ.
فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ أَىْ نَعَمْ.
فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَّنِي الْغَشْيُ، وَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي مَاءً.
فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْ شَىْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ".
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ -مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ-

فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ( لاَ أَدْرِي أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ) يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ له: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ ( أَوِ الْمُوقِنُ، لاَ أَدْرِي أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ: أَسْمَاءُ) فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا.
فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا.
.
وَأَمَّا الْمُنَافِقُ ( أَوِ الْمُرْتَابُ، لاَ أَدْرِي أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ) فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ.

وبالسند قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس ( قال: حدّثني) بالإفراد وفي رواية ابن عساكر حدّثنا ( مالك) هو ابن أنس الإمام ( عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوّام القرشي ( عن امرأته فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوّام ( عن جدّتها أسماء بنت أبي بكر) الصدّيق وهي زوجة الزبير بن العوّام، وفي بعض النسخ عن جدّته بتذكير الضمير وهو صحيح لأن أسماء جدّة لهشام ولفاطمة كليهما لأنها أم أبيه عروة كما أنها أم المنذر أبي فاطمة ( أنها قالت) :
( أتيت عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين خسفت الشمس) بفتح الخاء والسين أي ذهب ضوءها كله

أو بعضه ( فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي) أي عائشة رضي الله عنها ( قائمة تصلي فقلت: ما للناس؟ فأشارت) عائشة ( بيدها نحو السماء وقالت) وفي رواية أبي ذر فقالت: ( سبحان الله! فقلت آية) هي أي علامة لعذاب الناس: ( فأشارت) عائشة برأسها ( آن) ولكريمة أي ( نعم) وهي الرواية المتقدمة في باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس وهما حرفا تفسير قالت أسماء: ( فقمت حتى تجلاني) بالجيم أي غطاني ( الغشي) من طول تعب الوقوف ( وجعلت أصب فوق رأسي ماء) مدافعة للغشي، وهذا يدل على أن حواسها كانت مدركة وإلاّ فالإغماء الشديد المستغرق ينقض الوضوء بالإجماع، ( فلما انصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الصلاة أو من المسجد ( حمد الله) تعالى ( وأثنى عليه) من باب عطف العام على الخاص ( ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( ما من شيء) من الأشياء ( كنت لم أره إلاّ قد رأيته) رؤية عين حقيقة حال كوني ( في مقامي هذا) بفتح الميم ( حتى الجنة والنار) برفعهما ونصبهما وجرّهما وتقدم توجيهها مع استشكال البدر الدماميني وجه الجر فليراجع ( ولقد أُوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور) وفي رواية الأصيلي في قبوركم ( مثل) فتنة المسيح الدجال ( أو قريبًا) وفي رواية الأربعة قريب ( من فتنة) المسيح ( الدجال لا أدري أي ذلك قالت أسماء) رضي الله عنها: ( يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( فأما المؤمن أو الموقن) بنبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت فاطمة بن المنذر: ( لا أدري أي ذلك) المؤمن أو الموقن ( قالت أسماء: فيقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات) الدالّة
على نبوّته ( والهدى) الموصل للمراد ( فأجبنا وآمنا واتبعنا) بحذف ضمير المفعول في الثلاثة، ( فيقال نم) وفي رواية الحموي والأصيلي فيقال له نم حال كونك ( صالحًا فقد علمنا أن كنت لموقنًا) به وفي همزة إن الكسر والفتح ورجحه البدر الدماميني، بل قال إنه المتعين كما سبق تقريره في باب من أجاب الفتيا بإشارة: اليد والرأس من كتاب العلم ( وأما المنافق) غير المصدّق بقلبه بنبوّته عليه الصلاة والسلام ( أو المرتاب) الشاك قالت فاطمة ( لا أدري أي ذلك قالت أسماء) رضي الله عنها ( فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته) ومحل استدلال المؤلف للترجمة من هذا الحديث فعل أسماء

من جهة أنها كانت تصلي خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان يرى الدين خلفه وهو في الصلاة ولم ينقل أنه أنكر عليها، وقد تقدم شيء من مباحث هذا الحديث في باب العلم ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في كتاب صلاة الخسوف.

ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وفيه رواية الأقران هشام وزوجته فاطمة، وفيه التحديث بالإفراد والجمع والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلف في العلم والطهارة والكسوف والاعتصام والاجتهاد والسهو ومسلم في الصلاة.