فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم

باب هَلْ يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103]
هذا (باب) بالتنوين (هل يصلّى) بفتح اللام (على غير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الأنبياء والملائكة والمؤمنين استقلالاً أو تبعًا (وقول الله) ولأبي ذر وقوله (تعالى) لنبيه عليه الصلاة والسلام ({ وصلّ عليهم} ) أي العطف عليهم بالدعاء لهم ({ إن صلاتك سكن لهم} ) (التوبة: 103] يسكنون إليها وتطمئن قلوبهم بها ولغير أبي ذر صلاتك بالتوحيد وفتح التاء نصب بإن وبها قرأ حفص وحمزة والكسائي قيل وهي أكثر من الصلوات لأن المصدر بلفظه يدل على الكثرة.


[ قــ :6024 ... غــ : 6359 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِى أَوْفَى قَالَ: كَانَ إِذَا أَتَى رَجُلٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصَدَقَتِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ» فَأَتَاهُ أَبِى بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِى أَوْفَى».

وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) الجملي بالجيم أحد الأعلام (عن ابن أبي أوفى) بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها فاء مفتوحة مقصورة عبد الله الأسلمي له صحبة أنه (قال: كان إذا أتى رجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصدقته) المفروضة (قال):
(اللهم صل عليه) أي اغفر له وارحمه (فأتاه أبي) أبو أوفى (بصدقته) المفروضة وللحموي والمستملي بصدقة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (اللهم صل على آل أبي أوفى) امتثالاً لقوله تعالى: { وصل عليهم} [التوبة: 103] .

وفي حديث قيس بن سعد بن عبادة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفع يديه وهو يقول: "اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة" رواه أبو داود والنسائي وسنده جيد، وتمسك بذلك من جوّز الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً وهو مقتضى صنيع المصنف -رحمه الله تعالى- لأنه صدّر بالآية ثم بالحديث الدال على الجواز مطلقًا وقال قوم: لا تجوز مطلقًا استقلالاً وتجوز تبعًا فيما ورد به النص أو ألحق به لقوله تعالى: { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} [النور: 63] لأنه لما علمهم السلام قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ولما علمهم الصلاة قصر ذلك عليه وعلى أهل بيته، وقال آخرون: تجوز تبعًا مطلقًا ولا تجوز استقلالاً.
وأجابوا عن حديث ابن أبي أوفى ونحوه بأن لله ورسوله أن يخصا من شاءا بما شاءا وليس ذلك لغيرهما وثبت عن ابن عباس اختصاص الصلاة بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعند ابن أبي شيبة بسند صحيح من طريق عثمان بن حكيم عن عكرمة عنه ما أعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد إلا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحكي القول به عن مالك وقال: ما تعبدنا به ونحوه عن عمر بن عبد العزيز وعن مالك يكره، وقال القاضي عياض: عامة أهل العلم على الجواز، وقال سفيان: يكره إلا على نبي، ووجدت بخط بعض شيوخ مذهب مالك لا يجوز أن يصلّى إلا على محمد وهذا غير معروف من مذهب مالك وإنما قال: أكره الصلاة على غير الأنبياء وما ينبغي لنا أن نتعدى ما أمرنا به، وعند الترمذي والحاكم من حديث عليّ في الذي يحفظ القرآن وصل عليّ وعلى سائر النبيين، وعند إسماعيل القاضي بسند ضعيف من حديث أبي هريرة رفعه: "صلوا على أنبياء الله".
وقال ابن القيم: المختار أن يصلّى على الأنبياء والملائكة وأزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وآله وذريته وأهل الطاعة على سبيل الإجماع ويكره في غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعارًا.




[ قــ :605 ... غــ : 6360 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِىُّ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّى عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) الإِمام ( عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ( عن عمرو بن سليم) بفتح العين ( الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء وكسر القاف أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( أبو حميد) بضم الحاء المهملة مصغرًا عبد الرَّحمن ( الساعدي) -رضي الله عنه- ( أنهم) أي الصحابة ( قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال) :
( قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته) بضم الذال المعجمة نسله وعند عبد الرزاق من طريق ابن طاوس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رجل من الصحابة صل على محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته ( كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم) وآل ثابتة في الموضعين وهم إبراهيم وذريته من إسماعيل وإسحاق كما جزم به غير واحد وإن ثبت أن إبراهيم كان له أولاد من غير سارة وهاجر فهم داخلون والمراد المسلمون منهم بل المتقون دون من عداهم ( إنك حميد) محمود بتعجيل النعم ( مجيد) ظاهر الكرم بتأجيل النقم، ومناسبة ختم الدعاء بهذين الاسمين العظيمين أن المطلوب تكريم الله تعالى لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وثناؤه عليه والتنويه به وزيادة تقريبه وذلك مما يستلزم طلب الحمد والمجد:
واستشكل قوله كما صليت على إبراهيم بأن المقرر أن المشبه دون المشبه به والواقع هنا عكسه لأن محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفضل من إبراهيم وآل إبراهيم وقضية كونه أفضل أن تكون الصلاة المطلوبة له أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره.
وأجاب الشيخ عز الدّين بن عبد السلام: بأن المشبه أصل الصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وآله بالصلاة على إبراهيم وآله أي المجموع بالمجموع ومعظم الأنبياء هم آل إبراهيم اهـ.

وهذا غير متأت في هذه الرواية فإنه اقتصر فيها على إبراهيم فقط دون آله بالنسبة إلى الصلاة، وقد أجيب عن الاستشكال المذكور بأجوبة أخرى: منها أنه تشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا القدر بالقدر وهذا كما اختاروا في قوله تعالى: { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} [البقرة: 183] أن المراد أصل الصيام لا كميته ووقته ومنها أن هذه الصلاة الأمر بها للتكرار بالنسبة إلى كل صلاة في حق كل مصل فإذا اقتصر في حق كل على حصول صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان الحاصل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنسبة إلى مجموع الصلوات أضعافًا مضاعفة لا ينتهي إليها الإحصاء، وأورد ابن دقيق العيد هنا سؤالاً فقال: التشبيه حاصل بالنسبة إلى أصل هذه الصلاة والفرد منها فإذن الإِشكال وارد، وأجاب بأن الإشكال إنما يرد على تقدير أن الأمر ليس للتكرار وهو هنا للتكرار بالاتفاق فالمطلوب من
المجموع مقدار ما لا يحصى من الصلوات بالنسبة إلى المقدار الحاصل لإبراهيم عليه صلوات الله وسلامه.