فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من ساق البدن معه

باب مَنْ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ
( باب من ساق البدن) التي للهدي ( معه) من الحل إلى الحرم.


[ قــ :1619 ... غــ : 1691 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ.
فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِشَىْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَطَافَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَىْءٍ.
ثُمَّ خَبَّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعًا، فَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ

مِنْ شَىْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ".

وبالسند قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير ونسبه لجده لشهرته به المخزومي مولاهم المصري بالميم قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين بن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب ( أن) أبان ( ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: تمتع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج) التمتع بلغة القرآن الكريم وعرف الصحابة أعم من القِران كما ذكره غير واحد وإذا كان أعم منه احتمل أن يراد به الفرد المسمى بالقران في الاصطلاح الحادث وأن يراد به المخصوص باسم التمتع في ذلك الاصطلاح، لكن يبقى النظر في أنه أعم في عرف الصحابة أم لا ففي الصحيحين عن سعيد بن المسيب.
قال اجتمع علي وعثمان بعسفان فكان عثمان ينهى عن المتعة فقال عليّ: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تنهى عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك.
فقال إني لا أستطيع أن أدعك فلما رأى عليّ ذلك أهل بهما جميعًا، فهذا يبين أنه عليه الصلاة والسلام كان قارنًا ويفيد أيضًا أن الجمع بينهما تمتع فإن عثمان كان ينهى عن المتعة وقصد عليّ إظهار مخالفته تقديرًا لما فعله عليه الصلاة والسلام وأنه لم ينسخ فقرن، وإنما تكون مخالفة إذا كانت المتعة التي نهى عنها عثمان فدلّ على الأمرين اللذين عيناهما وتضمن اتفاق عليّ وعثمان على أن القران من مسمى التمتع وحينئذٍ يجب حمل قول ابن عمر: تمتع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على التمتع الذي نسميه قرانًا لو لم يكن عنده يخالف اللفظ، فكيف وقد وجد عنه ما يفيد ما قلنا، وهو ما في صحيح مسلم عن ابن عمر أنه قرن الحج مع العمرة وطاف لهما طوافًا واحدًا ثم قال: هكذا فعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فظهر أن مراده بلفظ المتعة في هذا الحديث الفرد المسمى بالقران.

( وأهدى) عليه الصلاة والسلام أي تقرب إلى الله تعالى بما هو مألوف عندهم من سوق شيء من النعم إلى الحرم ليذبح ويفرّق على مساكينه تعظيمًا له ( فساق معه الهدي) وكان أربعًا وستين بدنة ( من ذي الحليفة) ميقات أهل المدينة، ( وبدأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأهلّ) أي لبى في أثناء الإحرام ( بالعمرة، ثم أهل) أي لبى ( بالحج) وليس المراد أنه أحرم بالحج لأنه يؤدي إلى مخالفة الأحاديث الصحيحة السابقة فوجب تأويل هذا على موافقتها.
ويؤيد هذا التأويل قوله: ( فتمتع الناس) في آخر الأمر ( مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعمرة إلى الحج) لأنه معلوم أن كثيرًا منهم وأكثرهم أحرموا أولاً بالحج مفردين وإنما فسخوه إلى العمرة آخرًا فصاروا متمتعين، ( فكان من الناس من أهدى فساق) زاد في بعض الأصول معه ( الهدي، ومنهم من لم يهد.
فلما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة قال للناس)
: في رواية عن عائشة -رضي الله عنها- تقتضي أنه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قال لهم ذلك بعد أن أهلوا بذي الحليفة، لكن الذي تدل عليه الأحاديث في الصحيحين وغيرهما من رواية عائشة وجابر وغيرهما أنه إنما قال لهم ذلك في منتهى
سفرهم ودنوهم من مكة وهم بسرف كما في حديث عائشة أو بعد طوافه كما في حديث جابر، ويحتمل تكرار الأمر بذلك في الموضعين وأن العزيمة كانت آخرًا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة.

( من كان منكم أهدى فإنه لا يحل لشيء) ولأبي ذر وابن عساكر: من شيء ( حرم منه) أي من أفعاله ( حتى يقضي حجه) إن كان حاجًا فإن كان معتمرًا فكذلك لما في الرواية الأخرى، ومن أحرم بعمرة فلم يهد فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه ( ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر) من شعر رأسه وإنما لم يقل وليحلق وإن كان أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحج فإن الحلق في تحلل الحج أفضل منه في تحلل العمرة، ولأبي ذر: ويقصر بحذف لام الأمر والجزم عطفًا على المجزوم قبله والرفع على الأصل لأنه فعل مضارع مجرد من ناصب وجازم أي: وبعد الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة يقصر، ( وليحلل) بسكون اللام الأولى والثالثة وكسر الثانية وفتح التحتية أمر معناه الخبر أي صار حلالاً فله فعل كل ما كان محظورًا عليه في الإحرام، ويحتمل أن يكون إذنًا كقوله تعالى: { وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2] والمراد فسخ الحج عمرة واتمامها حتى يحل منها وفيه دليل على أن الحلق أو التقصير نسك وهو الصحيح، ( ثم ليهل بالحج) أي في وقت خروجه إلى عرفات لا أنه يهل عقب تحلل العمرة، ولذا قال ثم ليهل فعبر بثم المقتضية للتراخي والهلة ( فمن لم يجد هديًا) بأن عدم وجوده أو ثمنه أو زاد على ثمُن المثل أو كان صاحبه لا يريد بيعه ( فليصم ثلاثة أيام في الحج) بعد الإحرام به والأولى تقديمها قبل يوم عرفة لأن الأولى فطره فيندب أن يحرم المتمتع العاجز عن الدم قبل سادس ذي الحجة ويمتنع تقديم الصوم على الإحرام ( وسبعة إذا رجع إلى أهله) ببلده أو بمكان توطن به كمكة ولا يجوز صومها في توجهه إلى أهله لأنه تقديم للعبادة البدنية على وقتها ويندب تتابع الثلاثة والسبعة.

( فطاف) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( حين قدم مكة واستلم) أي مسح ( الركن) الأسود حال كونه ( أول شيء) أي مبدوءًا به ( ثم خب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة أي رمل ( ثلاثة طواف ومشى أربعًا) ولأبي ذر: أربعة أي من الأطواف ( فركع حين قضى) أدى ( طوافه بالبيت) سبعًا ( عند المقام) مقام إبراهيم ( ركعتين) للطواف ( ثم سلم) منهما ( فانصرف فأتى) عقب ذلك ( الصفا) بالقصر ( فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه) بالوقوف بعرفات ورمى الجمرات ولم يقل وعمرته لدخولها في الحج أو لأنه كان مفردًا ( ونحر هديه) الذي ساقه معه من المدينة ( يوم النحر وأفاض) أي دفع نفسه أو راحلته بعد الإتيان بما ذكر إلى المسجد الحرام ( فطاف بالبيت) طواف الإفاضة، ( ثم حل) عليه الصلاة والسلام ( من كل شيء حرم منه) أي حصل له الحل.
قال ابن عمر: ( وفعل مثل ما فعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مثل فعله فما مصدرية وفاعل فعل قوله ( من أهدى) ممن كان معه عليه الصلاة والسلام، ( وساق الهدي من الناس) "ومن" للتبعيض لأن من كان معه الهدي بعضهم لا كلهم.





[ قــ :1619 ... غــ : 169 ]
- وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

وقال ابن شهاب ( وعن عروة) بن الزبير عطفًا على قوله عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر، ووقع في بعض النسخ هنا ونسب لرواية أبي الوقت بعد قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باب: من أهدى وساق الهدي من الناس وعن عروة وهو غير صواب.
( أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تمتعه بالعمرة إلى الحج فتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن ابن عمر -رضي الله عنه- عن رسول الله) ولابن عساكر: عن النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

قال في الفتح: وقد تعقب المهلب قول ابن شهاب بمثل الذي أخبرني سالم فقال: يعني مثله في الوهم لأن أحاديث عائشة كلها شاهدة بأنه حج مفردًا.
وأجاب الحافظ ابن حجر: بأنه ليس وهمًا إذ لا مانع من الجمع بين الروايتين فيكون المراد بالإفراد في حديثها البداءة بالحج وبالتمتع بالعمرة إدخالها على الحج.
قال: وهو أولى من توهيم جبل من جبال الحفظ اهـ.

وحديث الباب أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الحج.