فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب بول الصبيان

باب بَوْلِ الصِّبْيَانِ
( باب) حكم ( بول الصبيان) بكسر الصاد ويجوز ضمها جمع صبي قال البرماوي والحافظ ابن

حجر، وتعقبه العيني فقال: لا يقال في الضم إلا صبوان بالواو، وقد وهم هذا القائل حيث لم يعلم الفرق بين المادّة الواوية والمادّة اليائية قال: وأصل صبيان بالكسر صبوان لأن المادّة واوية فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها اهـ.

قلت: وفيما قاله نظر، فإن الذي قاله ابن حجر موافق لما قاله إمام عصره في لسان العرب المجد الشيرازي في قاموسه، وعبارته الصبي من لم يفطم وجمعه أصبية وأصب وصبوة وصبية وصبوان وصبيان وتضم هذه الثلاثة اهـ وهو يردّ على العيني كما ترى.



[ قــ :218 ... غــ : 222 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ.
[الحديث 222 - أطرافه في: 5468، 6002، 6355] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة ( عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما ( عن عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها ( أنها قالت أُتي) بضم الهمزة وكسر المثناة الفوقية ولابن عساكر عن عائشة أم المؤمنين قالت:
أُتي ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصبي) وهو الذي لم يأكل ولم يشرب غير اللبن للتغذي وهو ابن أم قيس المذكورة بعد أو الحسن بن علي رضي الله عنهما أو أخوه الحسين رضي الله عنه كما في الأوسط للطبراني ( فبال على ثوبه) أي ثوب رسول الله -صى الله عليه وسلم- ( فدعا بماء فأتبعه إياه) بفتح همزة أتبعه وإسكان المثناة وفتح الموحدة أي أتبع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البول الذي على الثوب الماء بصبه عليه حتى غمره من غير سيلان كما يدل عليه قوله الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى ولم يغسله، واكتفى بذلك لأن النجاسة مخففة وشمل قولي كأئمتنا لم يأكل غير اللبن لبن الآدمي وغيره وهو متجه كما في المهمات، وظاهره أنه لا فرق بين النجس وغيره، وأما قول الزركشي: لو شرب لبنًا نجسًا أو متنجسًا فينبغي وجوب غسل بوله كما لو شربت السخلة لبنًا نجسًا يحكم بنجاسة أنفحتها، وكذا الجلالة فإنه مردود بأن استحالة ما في الجوف تغير حكمه الذي كان بدليل قول الجمهور بطهارة لحم جدي ارتضع كلبة أو نحوها، فنبت لحمه على لبنها وبعدم تسبيغ المخرج فيما لو أكل لحم كلب، وإن وجب تسبيع الفم وما قاس عليه لم يذكره الأئمة كما اعترف هو به في أثناء كلامه وهو ممنوع لأن الأنفحة لبن جامد لم يخرج من الجوف كما ذكره الإمام والروياني وغيرهما فهي مستحيلة في الجوف، وقد عرف أن الحكم يتغير بالاستحالة والجلالة لحمها ولبنها طاهران كما صححه النووي كالجمهور، ونقله الرافعي عنهم، وإن صحح في المحرر خلافه قاله في شرح التنقيح.

وهذا الحديث من الخماسيات وفيه التحديث والإخبار والعنعنة وأخرجه النسائي في الطهارة.





[ قــ :19 ... غــ : 3 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ.
[الحديث 3 - طرفه في: 5693] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير الأول ( ابن عتبة) بن مسعود رضي الله عنه ( عن أُم قيس) بفتح القاف وسكون المثناة التحتية، وذكرها الذهبي في تجريده في الكنى ولم يذكر لها اسمًا وعند ابن عبد البر اسمها جذامة بالجيم وبالذال المعجمة، وعند السهيلي آمنة ( بنت) ولأبي الوقت والأصيلي ابنة ( محصن) بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين آخره نون وهي أخت عكاشة بن محصن وهي من السابقات المعمرات، ولها في البخاري حديثان.

( أنها أتت بابن لها) ذكر ( صغير) بالجر صفة ابن كقوله ( لم يكل الطعام) لعدم قدرته على مضغه ودفعه لمعدته ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأجلسه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجره) بكسر الحاء وفتحها وسكون الجيم ( فبال على ثوبه) أي ثوب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فدعا بماء فنضحه) أي رشه بماء عمه وغلبه من غير سيلان كما يدل عليه قوله ( ولم يغسله) لأنه لم يبلغ الإسالة، وقد ادّعى الأصيلي أن قوله ولم يغسله من كلام ابن شهاب ليس من المرفوع والفاءات الأربعة في قوله فأجلسه فبال فدعا بماء فنضحه للعطف بين الكلام بمعنى التعقيب، ومراده بالصغير هنا الرضيع بدليل قوله: لم يأكل.
وعبّر بالابن دون الولد لأن الابن لا يطلق إلا على الذكر بخلاف الولد فإنه يطلق عليهما، والحكم المذكور إنما هو للذكر لا لها، ولا بدّ في بولها من الغسل على الأصل.
وقد روى ابن خزيمة والحاكم وصحّحاه يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام، وفرّق بينهما بأن الائتلاف بحمل الصبي أكثر فخفف في بوله، وبأنه أرق من بولها فلا يلصق بالمحل كلصوق بولها، ولأن بولها بسبب استيلاء الرطوبة والبرودة على مزاجها أغلظ وأنتن ومثلها الخنثى كما جزم به في المجموع ونقله في الروضة عن البغوي وأفهم قوله لم يأكل الطعام أنه لا يمنع النضح تحنيكه بتمر ونحوه ولا تناوله السفوف ونحوه للإصلاح، وممن قال بالفرق عليّ بن أبي طالب، وعطاء بن أبي رياح، والحسن وأحمد بن حنبل وابن راهويه وابن وهب من المالكية، وذهب أبو حنيفة ومالك رحمهما الله إلى عدم الفرق بين الذكر والأنثى بل قالا بالغسل فيهما مطلقًا سواء أكلا الطعام أم لا، واستدل لهما بأنه عليه الصلاة والسلام نضح والنضح هو الغسل لقوله عليه الصلاة والسلام في المذي فلينضح فرجه.
رواه أبو داود وغيره من حديث المقداد، والمراد به الغسل كما وقع التصريح به في مسلم والقصة واحدة كالراوي.

ولحديث أسماء في غسل الدم وانضحيه، وقد ورد الرش وأريد به الغسل كما في حديث ابن عباس في الصحيح لما حكى الوضوء النبوي أخذ غرفة من ماء ورش على رجله اليمنى حتى غسلها وأراد بالرش هنا الصب قليلاً قليلاً، وتأوّلوا قوله ولم يغسله أي غسلاً مبالغًا فيه بالعرك كما تغسل

الثياب إذا أصابتها النجاسة وأجيب بأن النضح ليس هو الغسل كما دل عليه كلام أهل اللغة ففي الصحاح والجمل لابن فارس وديوان الأدب للفارابي والمنتخب لكراع والأفعال لابن طريف والقاموس للفيروزاباذي النضح الرش ولا نسلم أنه في حديث المقداد وأسماء بمعنى الغسل ولئن سلمناه فبدليل خارجي واستدل بعضهم بقوله ولم يغسله على طهارة بول الصبي وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وحكي عن مالك والأوزاعي وأما حكايته عن الشافعي فجزم النووي بأنها باطلة قطعًا.

ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين تنيسي ومدني وفيه التحديث والإخبار والعنعنة.