فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب صلاة الضحى في الحضر

باب صَلاَةِ الضُّحَى فِي الْحَضَرِ
( باب صلاة الضحى في الحضر، قاله عتبان بن مالك) الأنصاري ( عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله أحمد بلفظ: إنه عليه الصلاة والسلام صلّى في بيته سبحة الضحى، فقاموا وراءه، وصلوا بصلاته.


[ قــ :1138 ... غــ : 1178 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْجُرَيْرِيُّ هُوَ ابْنُ فَرُّوخَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ".
[الحديث 1178 - طرفه في: 1981] .

وبه قال: ( حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي القصاب ( قال: أخبرنا) وللأصيلي، وأبي ذر: حدّثنا ( شعبة) بن الحجاج ( قال: حدّثنا عباس) بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة ( الجريري) بضم الجيم وفتح الراء، نسبة إلى جرير بن عباد، بضم العين وتخفيف الموحدة ( هو ابن فرّوخ) بفتح الفاء وضم الراء المشددة آخره خاء معجمة، وذلك ساقط عند أبوي ذر، والوقت، والأصيلي ( عن أبي عثمان النهدي) بفتح النون وسكون الهاء ( عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال) :

( أوصاني خليلي) ، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي تخللت محبته قلبي فصار في خلاله، أي: في باطنه.

وقوله هذا لا يعارضه قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو كنت متخذًا خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر"، لأن الممتنع أن يتخذ هو، عليه الصلاة والسلام، غيره تعالى خليلاً، لا أن غيره يتخذه هو.

( بثلاث لا أدعهن) بضم العين، أي: لا أتركهن ( حتى) أي: إلى أن ( أموت: صوم ثلاثة أيام) البيض ( من كل شهر) لتمرين النفس على نجس الصيام، ليدخل في واجبه بانشراح، ويثاب ثواب صوم الدهر بانضمام ذلك لصوم رمضان، إذ الحسنة بعشر أمثالها.

وصوم بالجر بدل من: ثلاث، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هي صوم.
وصلاة ونوم التاليان معطوفان عليه، فيجران، أو يرفعان.
( وصلاة الضحى) في كل يوم، كما زاده أحمد: ركعتين، كما يأتي في الصيام، وهما أقلها، ويجزئان عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كل يوم، وهي ثلثمائة وستون مفصلاً، كما في حديث مسلم، عن أبي ذر، وقال فيه: ويجزي عن ذلك ركعتا الضحى ( ونوم على وتر) ليتمرن على جنس الصلاة في الضحى، كالوتر قبل النوم في المواظبة؛ إذ الليل وقت الغفلة والكسل، فتطلب النفس فيه الراحة.

وقد روي أن أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على التهجد، فأمره بالضحى بدلاً عن قيام الليل، ولهذا أمره عليه الصلاة والسلام أنه: لا ينام إلا على وتر، ولم يأمر بذلك أبا بكر، ولا عمر، ولا غيرهما من الصحابة.

لكن، قد وردت وصيته عليه الصلاة والسلام بالثلاث أيضًا لأبي الدرداء، كما عند مسلم، ولأبي ذر، كما عند النسائي، فقيل خصهم بذلك لكونهم فقراء لا مال لهم، فوصاهم بما يليق بهم، وهو الصوم والصلاة، وهما من أشرف العبادات البدنية.

فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟
أجيب: بأنه يتناول حالتي: الحضر والسفر، كما يدل عليه قوله: لا أدعهن حتى أموت، فحصل التطابق من أحد الجانبين، وهو الحضر، وذلك كاف في المطابقة.

وفي الحديث استحباب تقديم الوتر على النوم، لكنه في حق من لم يثق بالاستيقاظ، أما من وثق به، فالتأخير أفضل لحديث مسلم: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل" فإن أوتر ثم تهجد لم يعده، لحديث أبي داود، وقال الترمذي: حسن، لا وتران في ليلة.

ورواة حديث الباب بصريون إلا شعبة فإنه واسطي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصوم، ومسلم والنسائي في: الصلاة.




[ قــ :1139 ... غــ : 1179 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ -وَكَانَ ضَخْمًا- لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الصَّلاَةَ مَعَكَ.
فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى بَيْتِهِ، وَنَضَحَ لَهُ طَرَفَ حَصِيرٍ بِمَاءٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ.
.

     وَقَالَ  فُلاَنُ بْنُ فُلاَنِ ابْنِ الجَارُودٍ لأَنَسٍ -رضي الله عنه-: أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الضُّحَى؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُهُ صَلَّى غَيْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ".

وبه قال: ( حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين ( قال: أخبرنا شعبة) بن الحجاج ( عن أنس بن سيرين) أخي محمد بن سيرين، مولى أنس بن مالك ( قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه، زاد في غير رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي: الأنصاري ( قال) :
( قال رجل من الأنصار) هو عتبان بن مالك فيما قيل ( -وكان ضخمًا-) سمينًا، ( للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني لا أستطيع الصلاة معك) في المسجد ( فصنع للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، طعامًا، فدعاه إلى بيته، ونضح له طرف حصير بماء) تطهيرًا له، أو تليينًا ( فصلّى عليه) أي: على الحصير، وصلينا معه ( ركعتين) .

( وقال) بالواو، ولأبي ذر: فقال ( فلان ابن فلان) عبد الحميد بن المنذر ( بن الجارود) ولغير أبي ذر، والأصيلي: ابن جارود ( لأنس) .

( أكان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي) صلاة ( الضحى؟ فقال) بالفاء، ولأبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت: قال أنس ( ما رأيته صلّى) الضحى ( غير ذلك اليوم) فنفي رؤية أنس لا يستلزم نفي فعلها قبل، فهو كنفي عائشة رؤيتها، وإثباتها فعله لها بطريق إخبار غيرها لها، كما مر.

وفي قول ابن الجارود: أكان عليه الصلاة والسلام يصلّي الضحى؟ إشارة إلى أن ذلك كان كالمتعارف عندهم، وقد سبق حديث عتبان في باب: هل يصلّي الإمام بمن حضر، من أبواب الامامة.