فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من أجاز طلاق الثلاث

باب مَنْ أَجَازَ طَلاَقَ الثَّلاَثِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} .

     وَقَالَ  ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَرِيضٍ طَلَّقَ: لاَ أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَتُهُ.
.

     وَقَالَ  الشَّعْبِيُّ: تَرِثُهُ:.

     وَقَالَ  ابْنُ شُبْرُمَةَ: تَزَوَّجُ إِذَا انْقَضَتِ الْعِدَّةُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ مَاتَ الزَّوْجُ الآخَرُ فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ؟
( باب من أجاز) ولأبي ذر من جوّز ( طلاق الثلاث) وفي نسخة الطلاق الثلاث أي دفعة واحدة أو مفرقًا ( لقول الله تعالى: { الطلاق مرّتان} ) أي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع ( { فإمساك بمعروف} ) برجعة ( { أو تسريح بإحسان} ) [البقرة: 229] وهذا عامّ يتناول إيقاع الثلاث دفعة واحدة، وقد دلّت الآية على ذلك من غير نكير خلافًا لمن لم يجز ذلك لحديث "أبغض الحلال إلى الله الطلاق".
وعند سعيد بن منصور بسند صحيح أن عمر كان إذا أَتي برجل طلق امرأته ثلاثًا أوجع ظهره.
وقال الشيعة وبعض أهل الظاهر: لا يقع إذا أوقعه دفعة واحدة.
قالوا: لأنه خالف السُّنّة فيردّ إلى السُّنّة.
وفي الأشراف عن بعض المبتدعة أنه إنما يلزم بالثلاث إذا كانت مجموعة واحدة وهو قول محمد بن إسحاق صاحب المغازي وحجاج بن أرطأة، وتمسكوا في ذلك
بحديث ابن إسحاق عن داود بن الحسين عن عكرمة عن ابن عباس المرويّ عند أحمد وأبي يعلى وصححه بعضهم قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد فحزن عليها حزنًا شديدًا، فسأله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كيف طلقتها؟ قال: ثلاثًا في مجلس واحد.
فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت فارتجعها".

وأجيب: بأن ابن إسحاق وشيخه مختلف فيهما مع معارضته بفتوى ابن عباس بوقوع الثلاث كما سيأتي إن شاء الله تعالى وبأنه مذهب شاذ فلا يعمل به إذ هو منكر، والأصح ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة أن ركانة طلّق زوجته البتة فحلفه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ما أراد إلا واحدة فردّها إليه، فطلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمن عثمان.
قال أبو داود: وهذا أصح.
وعورض بأنه نقل عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير كما نقله ابن مغيث في كتاب الوثائق له، ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار، بل في مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة.
فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم، وقال الشيخ خليل من أئمة المالكية في توضيحه: وحكى التلمساني عندنا قولًا بأنه إذا أوقع الثلاث في كلمة إنما يلزمه واحدة وذكر أنه في النوادر قال: ولم أره انتهى.

والجمهور على وقوع الثلاث، فعند أبي داود بسند صحيح من طريق ابن مجاهد قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلّق امرأته ثلاثًا فسكت حتى ظننت أنه رادّها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول: يا ابن عباس يا ابن عباس إن الله قال: { ومن يتق الله يجعل له مخرجًا} [الطلاق: 2] وأنت لم تتق الله فلم أجد لك مخرجًا عصيت ربك وبانت منك امرأتك.
وقد روي عن ابن عباس من غير طريق أنه أفتى بلزوم الثلاث لمن أوقعها مجتمعة.
وفي الموطأ بلاغًا قال رجل لابن عباس: إني طلّقت امرأتي مائة طلقة فماذا ترى؟ فقال ابن عباس: طلّقت منك ثلاثًا، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوًا، وقد أجيب عن قوله كان طلاق الثلاثة واحدة بأن الناس كانوا في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يطلقون واحدة، فلما كانوا في زمان عمر كانوا يطلقون ثلاثًا.
ومحصله أن المعنى أن الطلاق الموقع في زمن عمر ثلاثًا كان يوقع قبل ذلك واحدة لأنهم كانوا لا يستعجلون الثلاث وكانوا يستعملونها نادرًا وأما في زمن عمر فكثر استعمالهم لها.
وأما قوله: فأمضاه عليهم فمعناه أنه صنع فه من الحكم بإيقاع الطلاق ما كان يصنع قبله انتهى.

وقال الشيخ كمال الدين بن الهمام: تأويله أن قول الرجل أنت طالق، أنت طالق، كان واحدة في الزمن الأول لقصدهم التأكيد في ذلك الزمان ثم صاروا يقصدون التجديد فالزمهم عمر بذلك لعلمه بقصدهم قال: وما قيل في تأويله أن الثلاث التي يوقعونها الآن إنما كانت في الزمن الأول واحدة تنبيه على تغير الزمان ومخالفة السُّنّة فيشكل، إذ لا يتجه حينئذٍ قوله فأمضاه عمر،
واختلفوا مع الاتفاق على الوقوع ثلاثًا هل يكره أو يحرم أو يباح أو يكون بدعيًّا أو لا؟ فقال الشافعية: يجوز جمعها ولو دفعة، وقال اللخمي من أئمة المالكية: إيقاع الاثنتين مكروه: والثلاث ممنوع لقوله تعالى: { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا} [الطلاق: 1] أي من الرغبة في المراجعة والندم على الفرقة.
ولنا قوله تعالى: { لا جناح عليكم إن طلّقتم النساء} [البقرة: 236] و { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] وهذا يقتضي الإباحة، وطلّق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حفصة وكان الصحابة يطلقون من غير نكير حتى روي أن مغيرة بن شعبة كان له أربع نسوة فأقامهن بين يديه صفًّا فقال: أنتنّ حسنات الأخلاق، ناعمات الأوراق، طويلات الأعناق، اذهبن فأنتن الطلاق.
وكل هذا يدل على الإباحة.
نعم الأفضل عندنا أن لا يطلّق أكثر من واحدة ليخرج من الخلاف.
وقال الحنفية: يكون بدعيًّا إذا أوقعه بكلمة لحديث ابن عمر عند الدارقطني قلت يا رسول الله: أرأيت لو طلّقتها ثلاثًا؟ قال: "إذًا قد عصيت ربك وبانت منك امرأتك" ولأن الطلاق إنما جعل متعددًا ليمكنه التدارك عند الندم فلا يحلّ له تفويته.

وفي حديث محمود بن لبيد عند النسائي بسند رجاله ثقات قال: أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام مغضبًا فقال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم" لكن محمود بن لبيد ولد في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يثبت له منه سماع وهو مع ذلك محتمل لإنكاره عليه إيقاعها مجموعة وغير ذلك.

( وقال ابن الزبير) عبد الله فيما وصله الشافعي وعبد الرزاق ( في) رجل ( مريض طلق) امرأته ( لا أرى) بفتح الهمزة ( أن ترث مبتوتة) بالمثناتين الفوقيتين بينهما واو ساكنة، وقبل أولاهما موحدة منصوبة في اليونينية من قيل لها أنت طالق البتّة ويطلق على من أنبتت بالثلاث ولغير أبي ذر مبتوتة أي مبتوتة المريض.

( وقال الشعبي) عامر بن شراحيل ( ترثه) ما كانت في العدة وهذا وصله سعيد بن منصور.

( وقال ابن شبرمة) : بضم الشين المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة عبد الله قاضي الكوفة التابعي الشعبي ( تزوّج) استفهام حذفت منه الأداة أي هل تزوّج ( إذا انقضت العدة.
قال)
الشعبي: ( نعم) تزوّج ( قال) ابن شبرمة ( أرأيت) أي أخبرني ( إن مات الزوج الآخر) ترثه أيضًا فيلزم إرثها من الزوجين معًا واحدة ( فرجع) الشعبي ( عن ذلك) القول الذي قاله من أنها ترثه ما كانت في العدة وهذا وصله سعيد بن منصور، وساقه المؤلّف مختصرًا استطرادًا.


[ قــ :4978 ... غــ : 5259 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلاَنِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَسَأَلَ عَاصِمٌ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا،
حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: عَاصِمٌ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا قَالَ: عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لاَ أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا.
فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا».
قَالَ سَهْلٌ: فَتَلاَعَنَا، وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم ( أن سهل بن سعد الساعدي) -رضي الله عنه- ( أخبره أن عويمرًا) بضم العين مصغرًا ابن الحارث ( العجلاني) بفتح العين المهملة وسكون الجيم ( جاء إلى) ابن عمه ( عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن رجل ( وجد مع امرأته رجلًا) على بطنها ( أيقتله فتقتلونه) قصاصًا لآية { النفس بالنفس} [المائدة: 45] ( أم كيف يفعل سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فسأل عاصم عن ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسائل) المذكورة لما فيها من البشاعة والشناعة على المسلمين والمسلمات ( وعابها حتى كبر) بضم الباء الموحدة عظم وشق ( على عاصم ما سمع من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما رجع عاصم إلى أهله جاء عويمر، فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال) له ( عاصم: لم تأتني بخير قد كره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسألة التي سألته عنها.
قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسط الناس فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا)
أي أخبرني عن رجل ( وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( قد أنزل الله فيك) ولأبي ذر قد أنزل فيك ( وفي صاحبتك) زوجتك خولة بنت قيس على المشهور آية اللعان ( فاذهب فأتِ بها) قال سهل: ( فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في تفسير سورة النور بما سمى الله في كتابه ( فلما فرغا) من تلاعنهما ( قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

قيل: المطابقة بين الحديث والترجمة في قوله فطلقها ثلاثًا لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمضاه ولم ينكر عليه، وهذا فيه نظر لأن اللعان تعلق به انفساخ النكاح ظاهرًا وباطنًا كالرضاع والحرمة المؤبدة، لكن قد يقال: إن ذكره للطلاق الثلاث مجموعة ولم ينكره عليه الصلاة والسلام عليه يدل له، والظاهر أن عويمرًا لم يظن أن اللعان يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق الثلاث.

وهذا الحديث قد سبق في تفسير النور.

( قال ابن شهاب) الزهري بالسند السابق ( فكانت تلك) التفرقة ( سُنّة المتلاعنين) فلا يجتمعان بعد الملاعنة.




[ قــ :4979 ... غــ : 560 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاَقِي، وَإِنِّي نَكَحْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ الْقُرَظِيَّ، وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ».

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء وهو اسم جده واسم أبيه كثير قال: ( حدّثني) بالإفراد ( الليث) بن سعد الإمام قال: ( حدّثني) بالإفراد أيضًا ( عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي ولأبي ذر عن عقيل ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عروة ابن الزبير أن عائشة) -رضي الله عنها- ( أخبرته أن امرأة رفاعة) بكسر الراء وتخفيف الفاء ( القرظي) بالقاف المضمومة والظاء المعجمة من بني قريظة واسمها تميمة بنت وهب وقيل غير ذلك ( جاءت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبتّ طلاقي) بالموحدة المفتوحة والفوقية المشددة أي قطعه قطعًا كليًّا وفي كتاب الأدب من وجه آخر أنها قالت: طلّقني آخر ثلاث تطليقات ( وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وكسر الموحدة ابن باطا ( القرظي وإن ما معه) أي وإن الذي معه تعني فرجه ( مثل الهدبة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة، وفي رواية مثل هدبة الثوب أي طرفه الذي لم ينسج شبهوه بهدب العين وهو شعر جفنها وشبهته بذلك إما لصغره أو لاسترخائه، والثاني أظهر إذ يبعد أن يكون صغيرًا إلى حدّ لا يغيب معه مقدار الحشفة ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها:
( لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا) ترجعين إليه ( حتى يذوق) عبد الرحمن ( عسيلتك وتذوقي عسيلته) بضم العين على التصغير كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته، وأنّث في التصغير لأن العسل يذكّر ويؤنّث لأنه تصغير عسلة أي قطعة من العسل أو على إرادة اللذة لتضمنه ذلك.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فبتّ طلاقي إذ هو محتمل للثلاث دفعة واحدة ومتفرقة.




[ قــ :4980 ... غــ : 561 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا، فَتَزَوَّجَتْ فَطَلَّقَ.
فَسُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَحِلُّ لِلأَوَّلِ؟ قَالَ: «لاَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا كَمَا ذَاقَ الأَوَّلُ».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( محمد بن بشار) بندار قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان
( عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق ( عن عائشة) -رضي الله عنها- ( أن رجلًا طلّق امرأته) ولأبي ذر عن الكشميهني امرأة ( ثلاثًا فتزوجت) زوجًا غيره ( فطلّق) الزوج الثاني قبل أن يجامعها ( فسئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم السين مبنيًّا للمفعول ( أتحل للأول) الذي طلّقها ثلاثًا ( قال) :
( لا) تحل له ( حتى يذوق) الثاني ( عسيلتها كما ذاقـ) ـها ( الأول) قال في الفتح: وهذا الحديث إن كان مختصرًا من قصة رفاعة فقد سبق توجيهه وإن كان في أخرى، فالمراد منه طلقها ثلاثًا فإنه ظاهر في كونها مجموعة ولا يبعد التعدد.