فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها

باب هَلْ يُسَافِرُ بِالْجَارِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؟
وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: إِذَا وُهِبَتِ الْوَلِيدَةُ الَّتِي تُوطَأُ أَوْ بِيعَتْ أَوْ عَتَقَتْ فَلْيُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِحَيْضَةٍ؛ وَلاَ تُسْتَبْرَأُ الْعَذْرَاءُ.
.

     وَقَالَ  عَطَاءٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ مِنْ جَارِيَتِهِ الْحَامِلِ مَا دُونَ الْفَرْجِ.
.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى: { إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} .

(باب) بالتنوين (هل يسافر) الشخص (بالجارية) التي اشتراها (قبل أن يستبرئها).

(ولم ير الحسن) البصري فيما وصله ابن أبي شيبة (بأسًا أن يقبلها) أي الجارية (أو يباشرها) يعني فيما دون الفرج، وفي بعض الأصول ويباشرها بحذف الألف.

(وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: إذا وهبت الوليدة) بضم الواو وكسر الهاء والوليدة بفتح الواو وبعد اللام المكسورة مثناة تحتية ساكنة ثم دال مهملة الجارية (التي توطأ) مبنيًّا للمفعول (أو بيعت) بكسر الموحدة مبنيًّا للمفعول أيضًا (أو أعتقت) بفتح العين (فليستبرأ) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول أيضًا مجزوم بلام الأمر (رحمها) بالرفع نائب عن الفاعل (بحيضة).
وهذا وصله ابن أبي شيبة من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وأما قوله: (ولا تستبرأ العذراء) بضم الفوقية وفتح الراء مبنيًّا للمفعول أيضًا ولا نافية، والعذراء بفتح العين المهملة وسكون المعجمة ممدودًا البكر فوصله عبد الرزاق من طريق أيوب عن نافع عنه، وكأنه كان يرى أن البكارة مانعة من الحمل أو تدل على عدمه أو عدم الوطء وفيه نظر وعلى تقديره ففي الاستبراء شائبة تعبد، ولهذا تستبرأ التي أيست من الحيض وفي بعض الأصول فليستبرئ مبنيًّا للفاعل وكذا قوله: ولا تستبرئ العذراء بكسر همزة تستبرئ على أن لا نافية فهو مجزوم كسر لالتقاء الساكنين.

(وقال عطاء) هو ابن أبي رباح: (لا بأس أن يصيب) الرجل (من جاريته الحامل) من غيره (ما دون الفرج، وقال الله تعالى) في كتابه العزيز: { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} ) [المعارج: 30] من السراري ووجه الاستدلال بهذه الآية دلالتها على جواز الاستمتاع بجميع وجوهه فخرج الوطء بدليل فبقي الباقي على الأصل.

[ قــ :2147 ... غــ : 2235 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَىِّ بْنِ أَخْطَبَ -وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا- فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِهَا، حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ، فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى صَفِيَّةَ.
ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ".

وبه قال: (حدّثنا عبد الغفار بن داود) بن مهران أبو صالح الحرّاني نزيل مصر قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) القاريّ بتشديد الياء نسبة إلى القارة (عن عروة بن أبي عمرو) بفتح العين وسكون الميم فيهما مولى المطلب المدني أبي عثمان واسم أبيه ميسرة (عن أنس بن مالك رضي الله عنه) أنه (قال: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر) مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة قال ابن إسحاق خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بقية المحرم سنة سبع فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة (فلما فتح الله عليه الحصن) وهو القموص بالقاف المفتوحة والصاد المهملة (ذكر له) بضم الذال وكسر الكاف مبنيًّا للمفعول (جمال صفية بنت حيي بن أخطب) بالخاء المعجمة وكان سباها من هذا الحصن (وقد قتل زوجها) كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق (وكانت عروسًا) يستوي فيه المذكر والمؤنث (فاصطفاها)

اختارها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفسه) صفيًّا من مغنم خيبر والصفي ما يختار من سلاح أو دابّة أو جارية أو غير ذلك قبل القسمة، (فخرج بها) عليه الصلاة والسلام (حتى بلغنا سد الروحاء) بفتح الراء وسكون الواو ممدودًا موضع قريب من المدينة.
وقال في المصابيح كالتنقيح: جبلها (حلت) أي طهرت من حيضها، وقد روى البيهقي بإسناد لين أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استبرأ صفية بحيضة (فبنى) أي دخل (بها) عليه الصلاة والسلام (ثم صنع) عليه الصلاة والسلام (حيسًا) بفتح الحاء وبعد التحتية الساكنة سين مهملتين من تمر وسمن وأقط (في نطع صغير) بكسر النون وفتح الطاء المهملة على المشهور (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأنس:
(آذن) بهمزة ممدودة وكسر المعجمة أي أعلم (من حولك) من الناس لإشهار النكاح.
قال أنس: (فكانت تلك) الأخلاط التي من التمر والسمن والأقط (وليمة) عرس (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على صفية) بنصب وليمة ورفعها.
(ثم خرجنا إلى المدينة قال: فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحوي لها) بضم التحتية وفتح المهملة وتشديد الواو المكسورة (وراءه بعباءة) بعين مهملة مفتوحة وهمزة بعد الألف كساء صغير أي يدير العباءة على سنام البعير يحجبها بذلك لكونها صارت من أمهات المؤمنين ويهيئ لها من ورائه بالعباءة مركبًا وطيئًا ويسمى ذلك المركب حوية، (ثم يجلس) عليه الصلاة والسلام (عند بعيره فيضع ركبته) الشريفة (فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب) وقد ولد صفية مائة نبي ومائة ملك ثم صيرها الله تعالى أمة لسيد الرسل صلوات الله وسلامه عليه وكانت من سبط هارون قاله الجاحظ في كتاب الموالي.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي عن عبد الغفار وعن غيره في الجهاد وفي الأطعمة والدعوات، وأخرجه أبو داود في الخراج.