فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الصلاة بمنى

باب الصَّلاَةِ بِمِنًى
"باب" كيفية ( الصلاة بمنى) هل يصلي الرباعية أربعًا أو اثنتين قصرًا.


[ قــ :1585 ... غــ : 1655 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلاَفَتِهِ".

وبالسند قال: ( حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالحاء المهملة والزاي قال: ( حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: ( أخبرني) بالإفراد ( يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله بن عبد الله بن عمر) بتصغير عبد الأوّل ( عن أبيه قال: صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنى) الرباعية ( ركعتين) قصرًا، ( و) كذا صلاها ( أبو بكر وعمر) -رضي الله عنهما-، ( و) كذا ( عثمان) -رضي الله عنه- ( صدرًا من) أيام ( خلافته) ثم أتمها بعد ست سنين لأن الإتمام والقصر جائزان ورأى ترجيح طرف الإتمام لأن فيه زيادة مشقة.
وفي رواية أبي سفيان عن عبيد الله عند مسلم ثم إن عثمان صلّى أربعًا فكان ابن عمر إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعًا، وإذا صلّى وحده صلّى ركعتين.

ولمسلم أيضًا قال: صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنى صلاة المسافر وأبو بكر وعمر وعثمان ثمان سنين أو ست سنين، وقد اتفق الأئمة على أن الحاج القادم من مكة يقصر الصلاة بها وبمنى وسائر المشاهد لأنه عندهم في سفر لأن مكة ليست دار إقامة إلا لأهلها أو لمن أراد الإقامة بها.
وكان المهاجرون قد فرض عليهم ترك المقام بها فلذلك لم ينو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإقامة بها ولا بمنى، ومذهب المالكية القصر حتى أهل مكة وعرفة ومزدلفة للسنة.

قال ابن المنير السر في القصر في هذه المواضع المتقاربة إظهار الله تعالى تفضله على عباده حيث اعتد لهم بالحركة القريبة اعتداده بالسفر البعيد، فجعل الوافدين من عرفة إلى مكة كأنهم سافروا إليها ثلاثة أسفار: سفر إلى المزدلفة ولهذا يقصر أهل عرفة بالمزدلفة، وسفر إلى منى ولهذا يقصر أهل المزدلفة بمنى، وسفر إلى مكة ولهذا يقصر أهل مكة بمنى فهي على قربها من عرفة معدودة بثلاث مسافات كل مسافة منها سفر طويل، وسر ذلك والله أعلم أنهم كلهم وفد الله وأن القريب كالبعيد في إسباغ الفضل اهـ.




[ قــ :1586 ... غــ : 1656 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ "صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَنَحْنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنُهُ- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ".


وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي أياس قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق الهمداني) بسكون الميم المشهور بالسبيعي ( عن حارثة بن وهب الخزاعي) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وحارثة بالحاء المهملة والمثلثة ( -رضي الله عنه- قال) :
( صلّى بنا النبي) ولأبي الوقت: رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن أكثر ما كنا قط وآمنه) بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة في أفصح اللغات ظرف زمان لاستغراق ما مضى فيختص بالنفي يقال: ما فعلته قط، والعامة تقول: لا أفعله قط وهو خطأ واشتقاقه من قططته أي قطعته فمعنى ما فعلته قط ما فعلته فيما انقطع من عمري لأن الماضي منقطع عن الحال والاستقبال وبنيت لتضمنها معنى مذ وإلى إذ المعنى مدّ أن خلقت إلى الآن وعلى حركة لئلا يلتقي ساكنان وكانت ضمة تشبيهًا بالغايات حملاً على قبل وبعد قاله ابن هشام.
وتعقب الدماميني قوله: ويختص بالنفي بأن ملازمة قط للنفي ليست أمرًا مستمرًا على الدوام وإنما ذلك هو الغالب.
قال في التسهيل: وربما استعمل قط دونه لفظًا ومعنى يريد النفي، ومن شواهده قوله هنا أكثر ما كنا قط وله نظائر والجملة حالية وما مصدرية ومعناه الجمع لأن ما أضيف إليه أفعل يكون جمعًا.
وآمنه: رفع عطفًا على أكثر والضمير فيه راجع إلى ما والمعنى صلّى بنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والحال أنا أكثر أكواننا في سائر الأوقات عددًا وأكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنًا، وإسناد الأمن إلى الأوقات مجاز، ويجوز أن تكون ما نافية خبر المبتدأ الذي هو نحن، وأكثر منصوبًا على أنه خبرُ كان، والتقدير نحن ما كنا قط في وقت أكثر منا في هذا الوقت ولا آمن منا فيه، ويجوز إعمال ما بعد ما فيما قبلها إذا كانت بمعنى ليس فكما يجوز تقديم خبر ليس عليه يجوز تقديم خبر ما في معناه عليه ( بمنى ركعتين) قصرًا أي في منى والعامل فيه قوله صلّى.




[ قــ :1587 ... غــ : 1657 ]
- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُمَرَ -رضي الله عنه- رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمُ الطُّرُقُ، فَيَا لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ".

وبه قال ( حدّثنا قبيصة بن عقبة) بفتح القاف وكسر الموحدة وعقبة بضم العين وسكون القاف ابن محمد بن سفيان السوائي الكوفي قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن إبراهيم) النخعي ( عن عبد الرحمن بن يزيد) من الزيادة ابن قيس أخي الأسود الكوفي النخعي ( عن عبد الله) هو ابن مسعود ( -رضي الله عنه- قال) :
( صليت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المكتوبة بمنى ( ركعتين، و) صليت ( مع أبي بكر -رضي الله عنه- ركعتين ومع عمر -رضي الله عنه- ركعتين، ثم تفرفت) في قصر الصلاة وإتمامها ( بكم الطرق،) منكم من يقصر ومنكم من يتم.
( فيا ليت حظي) نصيبي ( من أربع ركعتان متقبلتان) بالألف فيهما رفع على الأصل فركعتان خبر ليت ومتقبلتان صفته، ولأبي الوقت: ركعتين متقبلتين بالياء فيهما نصب على

مذهب الفراء حيث جوز نصب خبر ليت كاسمه، والمعنى ليت عثمان صلّى ركعتين بدل الأربع كما صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحباه، وفيه إظهار لكراهة مخالفتهم أو يريد أنا أتم متابعة لعثمان، وليت الله قبل مني من الأربع ركعتين.
وهذه الأحاديث الثلاثة سبقت في أبواب تقصير الصلاة.