فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب عمرة القضاء

باب عُمْرَةُ الْقَضَاءِ ذَكَرَهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
( باب عمرة القضاء) .

قال السهيلي: سميت عمرة القضاء لأنه قاضى فيها قريشًا لا أنها قضاء عن عمرة الحديبية التي صدّ عنها لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة، ولذا عدّت في عمره عليه الصلاة والسلام، وقيل بل هي قضاء عنها، وإنما عدوها في عمره لثبوت الأجر فيها لا لأنها كملت وهو مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصدَّ عن البيت، والجمهور على وجوب الهدي من غير قضاء، وعن أبي حنيفة عكسه، ولأبي ذر عن المستملي: غزوة القضاء وتوجيه كونها غزوة أنه عليه الصلاة والسلام خرج مستعدًّا بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر، ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة، وسقط لفظ باب لأبي ذر فالتالي مرفوع.

( ذكره) أي حديث عمرة القضاء ( أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه لما دخل مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... قد أنزل الرحمن في تنزيله
بأن خير القتل في سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله
كما قتلناكم على تنزيله
رواه عبد الرزاق، ورواه ابن حبان في صحيحه بزيادة وهي:
ويذهل الخليل عن خليله ... يا رب إني مؤمن بقيله
فقال عمر -رضي الله عنه-: يا ابن رواحة أتقول الشعر بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دعه يا عمر فهذا أشد عليهم من وقع النبل".


[ قــ :4031 ... غــ : 4251 ]
- حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا: لاَ نُقِرُّ بِهَذَا لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ شَيْئًا وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ»، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ «امْحُ رَسُولَ اللَّهِ» قَالَ عَلِيٌّ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَمْحُوكَ أَبَدًا فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْكِتَابَ وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ فَكَتَبَ «هَذَا مَا قَاضَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لاَ يُدْخِلُ مَكَّةَ السِّلاَحَ إِلاَّ السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ وَأَنْ لاَ يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا»، فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي يَا عَمِّ يَا عَمِّ فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا.

     وَقَالَ  لِفَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، حَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهْيَ بِنْتُ عَمِّي.

     وَقَالَ  جَعْفَرٌ: هِيَ ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي.

     وَقَالَ  زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِخَالَتِهَا.

     وَقَالَ : «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ».

     وَقَالَ  لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ».

     وَقَالَ  لِجَعْفَرٍ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي».

     وَقَالَ  لِزَيْدٍ: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا».

     وَقَالَ  عَلِيٌّ أَلاَ تَتَزَوَّجُ بِنْتَ حَمْزَةَ قَالَ: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر عن المستملي: حدّثنا ( عبيد الله بن موسى) بضم العين ابن باذام الكوفي ( عن إسرائيل) بن يونس ( عن) جده ( أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي ( عن البراء) بن عازب ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: لما) بتشديد الميم وسقطت لما لابن عساكر ( اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أحرم بالعمرة ( في ذي القعدة) سنة ست من الهجرة وبلغ الحديبية ( فأبى) أي امتنع ( أهل مكة أن يدعوه) بفتح الدال أن يتركوه ( يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام) من العام المقبل ( فلما كتبوا) أي المسلمون ( الكتاب) ولأبي ذر عن الكشميهني: فلما كتب الكتاب بضم الكاف مبنيًّا للمفعول والكاتب علي بن أبي طالب ( كتبوا: هذا ما قاضى) ولأبي ذر عن الكشميهني: ما قاضانا ( عليه محمد رسول الله) قال ابن حجر: ورواية الكشميهني غلط وكأنه لما رأى قوله كتبوا ظن أن المراد قريش وليس كذلك بل المراد المسلمون ونسبة ذلك إليهم وإن كان الكاتب واحدًا مجازية ( قالوا: لا نقرّ بهذا) ولأبي ذر عن الكشميهني: لا نقر لك بهذا ( لو نعلم
أنك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما منعناك شيئًا)
وعند النسائي: ما منعناك بيته ( ولكن أنت محمد بن عبد الله فقال) :
( أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي: امح) ولأبي ذر وابن عساكر: لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- امح ( رسول الله) أي الكلمة المكتوبة من الكتاب ( قال عليّ) سقط لفظ عليّ لأبي ذر وابن عساكر ( لا والله لا أمحوك أبدًا، فأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكتاب وليس يحسن يكتب) فقال لعلي: أرني مكانها فمحاها فأعادها لعلي ( فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله) .

وبهذا التقرير يزول استشكال ظاهره المقتضي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب المستلزم لكونه غير أمي وهو يناقض الآية التي قامت بها الحجة وأفحمت الجاحد، وقيل المراد بقوله كتب أمر بالكتابة فإسناد الكتابة إليه مجاز وهو كثير كقولهم: كتب إلى كسرى، وكتب إلى قيصر فقوله: كتب أي أمر عليًّا أن يكتب، وأما إنكار بعض المتأخرين على أبي مسعود نسبتها إلى تخريج البخاري فليس بشيء فقد علم ثبوتها فيه، وكذا أخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى، وكذا أحمد عن يحيى بن المثنى عن إسرائيل ولفظه: فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، نعم لم يذكر البخاري هذه الزيادة في الصلح حيث ذكر الحديث عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد.
وقول الباجي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب بعد أن لم يكتب وأن ذلك معجزة أخرى رده عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بسبب ذلك بالزندقة والله أعلم.

قال السهيلي: والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضًا، ولأبي ذر وابن عساكر: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ( لا يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه ( مكة السلاح إلا السيف في القراب وأن لا يخرج) بفتح أوله وضم ثالثه ( من أهلها بأحد وإن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع من أصحابه أحدًا إن أراد) وسقط لأبي ذر لفظ إن من إن أراد الثانية ( أن يقيم بها، فلما دخلها) عليه الصلاة والسلام في العام المقبل ( ومضى الأجل) أي قرب مضي الثلاثة الأيام ( أتوا) كفار قريش ( عليًّا فقالوا) له: ( قل لصاحبك) يعنون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أخرج عنا فقد مضى الأجل) .

وفي مغازي أبي الأسود عن عروة: فلما كان اليوم الرابع جاءه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فقالا: ننشدك الله والعهد إلا ما خرجت من أرضنا فردّ عليهما سعد بن عبادة فأسكته النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وآذن بالرحيل وكأنه قد دخل في أثناء النهار فلم يكمل الثلاث إلا في مثل ذلك الوقت من النهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق، وكان مجيئهم في أثناء النهار قرب مجيء ذلك الوقت.

( فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتبعته ابنة حمزة) اسمها عمارة أو فاطمة أو أمامة أو أمة الله أو سلمى والأول أشهر ولابن عساكر بنت حمزة ( تنادي) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إجلالاً له ( يا عم يا عم) مرتين وإلا فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن عمها أو لكون حمزة كان أخاه من الرضاعة ( فتناولها عليّ) -رضي الله عنه- ( فأخذ بيدها
وقال لفاطمة)
زوجته ( عليها السلام: دونك) أي خذي ( ابنة) ولأبي ذر وابن عساكر بنت ( عمك حملتها) بتخفيف الميم بلفظ الماضي وكان الفاء سقطت وهي ثابتة عند النسائي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري، ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني: حمليها بتشديد الميم المكسورة وبعد اللام تحتية ساكنة بصيغة الأمر، وللأصيلي هنا مصحّحًا عليه في الفرع كأصله احمليها بألف بدل التشديد.

فإن قلت: كيف أخرجها عليه الصلاة والسلام من مكة ولم يردها إليهم مع اشتراط المشركين أن لا يخرج بأحد من أهلها إن أراد الخروج؟ جيب: بأن النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك وبأنه عليه الصلاة والسلام لم يخرجها ولم يأمر بإخراجها وبأن المشركين لم يطلبوها.

( فاختصم فيها) في بنت حمزة بعد أن قدموا المدينة كما عند أحمد والحاكم ( علي) هو ابن أبي طالب ( وزيد) هو ابن حارثة ( وجعفر) هو ابن أبي طالب أي في أيهم تكون عنده ( قال) ولابن عساكر فقال ( عليّ أنا أخذتها وهي بنت عمي) زاد أبو داود في حديث علي وعندي بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي أحق بها ( وقال جعفر: هي ابنة) ولأبي ذر: بنت ( عمي وخالتها) أسماء بنت عميس ( تحتي) أي زوجتي ( وقال) بالواو ولأبي ذر فقال ( زيد: ابنة) ولأبي ذر وابن عساكر بنت ( أخي) وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى بينه وبين حمزة كما ذكره الحاكم في الإكليل وأبو سعد في شرف المصطفى، وزاد في حديث عليّ إنما خرجت إليها، وعنده أيضًا أن زيدًا هو الذي أخرجها من مكة ( فقضى بها النبي) ولأبي ذر رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لخالتها) أسماء فرجح جانب جعفر لقرابته وقرابة امرأته منها دون الآخرين وفي رواية أبي سعيد السكري ادفعاها إلى جعفر فإنه أوسعكم ( وقال) عليه الصلاة والسلام:
( الخالة بمنزلة الأم) أي في الشفقة والحنوّ والاهتداء إلى ما يصلح الولد ( وقال لعلي: أنت مني وأنا منك) أي في النسب والصهر والسابقة والمحبة ( وقال لجعفر: أشبهت خَلقي وخُلقي) بفتح الخاء في الأولى أي صورتي وبضمها في الثانية أما الأولى فقد شارك جعفرًا فيها جماعة عدها بعضهم سبعًا وعشرين، وأما الثانية فخصوصية لجعفر نعم في حديث عائشة ما يقتضي حصول مثل ذلك لفاطمة لكنه ليس بصريح كما في قصة جعفر وهي منقبة عظيمة لجعفر على ما لا يخفى ( وقال) عليه الصلاة والسلام: ( لزيد: أنت أخونا) في الإيمان ( ومولانا) أي عتيقنا.

( وقال) : ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قال بإسقاط الواو ( عليّ) بالإسناد السابق له عليه الصلاة والسلام ( ألا تتزوّج بنت حمزة؟ قال) عليه الصلاة والسلام: ( إنها ابنة) ولأبي ذر وابن عساكر بنت ( أخي من الرضاعة) فلا تحل لي.

وهذا الحديث سبق في باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان ابن فلان من كتاب الصلح.




[ قــ :403 ... غــ : 45 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلاَ يَحْمِلَ سِلاَحًا عَلَيْهِمْ إِلاَّ سُيُوفًا وَلاَ يُقِيمَ بِهَا إِلاَّ مَا أَحَبُّوا فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلاَثًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( محمد بن رافع) النيسابوري ولأبي ذر محمد هو ابن رافع قال: ( حدّثنا سريح) بالسين والحاء المهملتين في الفرع والصواب بالجيم بعد المهملة ابن النعمان البغدادي الجوهري وهو شيخ المؤلّف روى عنه بالواسطة قالَ: ( حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام وبعد الياء الساكنة حاء مهملة لقب عبد الملك بن سليمان ( قال) المؤلّف ( ح) .

( وحدثني) بالإفراد ( محمد بن الحسين بن إبراهيم) المعروف بابن اشكاب الحافظ البغدادي قال: ( حدثني) بالإفراد ( أبي) الحسين اشكاب بن إبراهيم بن الحر العامري أبو علي الخراساني ثم البغدادي قال: ( حدّثنا فليح بن سليمان عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج) إلى مكة في ذي القعدة حال كونه ( معتمرًا فحال كفار قريش بينه وبين البيت) لما بلغ الحديبية ( فنحر هديه وحلق رأسه) للتحلل من العمرة ( بالحديبية وقاضاهم) أي صالحهم ( على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل سلاحًا عليهم إلا سيوفًا) يعني في قرابها كما في الحديث السابق ( ولا يقيم) بمكة ( إلا ما أحبوا) وهو ثلاثة أيام ما دل عليه قوله الآتي قريبًا ( فاعتمر) عليه الصلاة والسلام ( من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم فلما أن أقام بها ثلاثًا أمروه أن يخرج) منها ( فخرج) كما مرّ.

وهذا المتن لفظ رواية محمد بن الحسين، وأما لفظ محمد بن رافع ففي باب الصلح مع المشركين من كتاب الصلح.




[ قــ :4033 ... غــ : 453 ]
- حَدَّثَنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ: كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَرْبَعًا إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر وابن عساكر حدّثنا ( عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي قال: ( حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد الرازي ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن مجاهد) هو ابن جبر أنه ( قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد) النبوي ( فإذا عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- جالس) خبر عبد الله ( إلى حجرة عائشة ثم قال) : أي عروة بن الزبير كما وقع التصريح به في مسلم لابن عمر ( كم اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال) ابن عمر: اعتمر ( أربعًا إحداهن في رجب) .




[ قــ :4033 ... غــ : 454 ]
- ثُمَّ سَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ قَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ؟ فَقَالَتْ: مَا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمْرَةً إِلاَّ وَهْوَ شَاهِدٌ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ.

( ثم سمعنا استنان عائشة) أي حس مرور السواك على أسنانها ( قال عروة: يا أم المؤمنين ألا تسمعين) ولأبي ذر عن الكشميهني: ألم تسمعي ( ما يقول أبو عبد الرحمن) ؟ هي كنية ابن عمر ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتمر أربع عُمر: إحداهن في رجب: فقالت: ما اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمرة إلا وهو) أي ابن عمر ( شاهد) أي حاضر معه ( وما اعتمر في رجب قط) وثبت قوله عمرة لأبي ذر عن الكشميهني ولم تنكر عائشة على ابن عمر إلا قوله في رجب، وسكوته يدل على عدم تثبته في ذلك وحينئذٍ فلا يقال هنا قول ابن عمر المثبت مقدم على نفي عائشة كما لا يخفى.

وهذا الحديث مرّ في باب كم اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كتاب الحج.




[ قــ :4034 ... غــ : 455 ]
- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: لَمَّا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَتَرْنَاهُ مِنْ غِلْمَانِ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْهُمْ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن إسماعيل بن أبي خالد) الكوفي الحافظ أنه ( سمع ابن أبي أوفى) عبد الله ( يقول: لما اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عمرة القضية ( سترناه من غلمان المشركين ومنهم) أي ومن المشركين ( أن يؤذوا رسول الله) ولابن عساكر: النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند الحميدي وكنا نستره من أهل مكة أن يرميه أحد.

وهذا الحديث قد سبق في غزوة الحديبية.




[ قــ :4035 ... غــ : 456 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ.
وَزَادَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَامِهِ الَّذِي اسْتَأْمَنَ قَالَ: "ارْمُلُوا" لِيُرَي الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُمْ، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ.

وبه قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: ( حدّثنا حماد هو ابن زيد عن أيوب) السختياني ( عن سعيد بن جبير) الكوفي ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) مكة في عمرة القضية ( فقال المشركون: إنه) أي الشأن ( يقدم عليكم وفد) بالفاء الساكنة والرفع فاعل يقدم أي جماعة ولأبي الوقت وقد بالقاف المفتوحة فالضمير في أنه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي
أنه يقدم عليكم عليه السلام والحال أنه قد ( وهنتهم) أي الصحابة، ولابن عساكر: وهنهم بحذف الفوقية يعد النون أي أضعفهم ( حمى يثرب) فأطلع الله نبيه عليه الصلاة والسلام على ما قالوه ( فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرملوا) بضم الميم ( الأشواط الثلاثة) الأول ليرى المشركين قوّتهم بذلك ( وأن يمشوا ما بين الركنين) اليمانيين حيث لا يراهم قريش إذ كانوا من قبل قعيقعان وهو لا يشرف عليهما ( ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط) السبعة ( كلها إلا الإبقاء عليهم) بكسر الهمزة والرفع فاعل لم يمنعه أي إلا إرادة الرفق.

( وزاد) وللأصيلي قال أبو عبد الله: وزاد ( ابن سلمة) حماد فيما وصله الإسماعيلي ( عن أيوب) السختياني ( عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) أنه ( قال: لما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة ( لعامه الذي استأمن) أي دخل في الأمان ( قال) لأصحابه: ( ارملوا ليري) عليه الصلاة والسلام ( المشركين) بضم الياء وكسر الراء وفي اليونينية ليرى المشركون ( قومهم والمشركون من قبل) أي من جهة جبل ( قعيقعان) بضم القاف الأولى وكسر الثانية.

وهذا الحديث سبق في باب كيف كان بدء الرمل من الحج.




[ قــ :4036 ... غــ : 457 ]
- حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: إِنَّمَا سَعَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( محمد) هو ابن سلام ( عن سفيان) وللأصيلي وابن عساكر أخبرنا سفيان ( بن عيينة) الهلالي مولاهم الكوفي الأعور أحد الأعلام ( عن عمرو) بفتح العين ابن دينار ( عن عطاء) هو ابن رباح ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: إنما سعى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي رمل أي هرول ( بالبيت) عند الطواف به ( وبين الصفا والمروة ليري) عليه الصلاة والسلام ( المشركين قوته) .




[ قــ :4037 ... غــ : 458 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَيْمُونَةَ وَهْوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا وَهْوَ حَلاَلٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ.
قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ.

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد ( قال: حدّثنا أيوب) السختياني ( عن عكرمة) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: تزوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ميمونة) بنت الحارث الهلالية وسقط لفظ ميمونة لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر ( وهو محرم) بعمرة القضية ( وبنى بها وهو حلال وماتت) بعد ذلك ( بسرف) في الموضع الذي بني بها فيه وهو على عشرة أميال من مكة سنة إحدى وخمسين.
( قال أبو عبد الله) : أي البخاري وسقط هذا لغير الأصيلي.




[ قــ :4037 ... غــ : 459 ]
- وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ.

( وزاد) ولأبي ذر: زاد بإسقاط الواو ( ابن إسحاق) محمد فقال: ( حدثني) بالإفراد ( ابن أبي نجيح) عبد الله ( وأبان بن صالح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس قال: تزوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ميمونة في عمرة القضاء) وهذا وصله ابن إسحاق في سيرته وكان الذي زوجها منه العباس بن عبد المطلب وكانت أختها أم الفضل تحته.