فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} [القصص: 56]

باب قَوْلِهِ: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}
( قوله: {إنك}) أي يا محمد ولأبي ذر عن الهروي باب قوله: إنك ( {لا تهدي من أحببت}) [القصص: 56] هدايته أو أحببته لقرابته وقد أجمع المفسرون كما قاله الزجاج أنها نزلت في أبي طالب ( {ولكن الله يهدي من يشاء}) ولا تنافي بين هذه وبين قوله في الآية الأخرى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} لأن الذي أثبته وأضافه إليه الدعوة والذي نفى عنه هداية التوفيق وشرح الصدر وهو نور يقذف في القلب فيحيا به.


[ قــ :4512 ... غــ : 4772 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَ عِنْدَهِ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ: «أَيْ عَمِّ، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ».
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ».
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُولِي الْقُوَّةِ}: لاَ يَرْفَعُهَا الْعُصْبَةُ مِنَ الرِّجَالِ {لَتَنُوءُ}: لَتُثْقِلُ.
{فَارِغًا}: إِلاَّ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى.

{الْفَرِحِينَ}: الْمَرِحِينَ.
{قُصِّيهِ}: اتَّبِعِي أَثَرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ أَنْ يَقُصَّ الْكَلاَمَ.
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} عَنْ جُنُبٍ: عَنْ بُعْدٍ، عَنْ جَنَابَةٍ وَاحِدٌ، وَعَنِ اجْتِنَابٍ أَيْضًا.
يَبْطِشُ وَيَبْطُشُ، {يَأْتَمِرُونَ}: يَتَشَاوَرُونَ.
الْعُدْوَانُ وَالْعَدَاءُ وَالتَّعَدِّي وَاحِدٌ.
{آنَسَ}: أَبْصَرَ.
{الْجِذْوَةُ}: قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الْخَشَبِ لَيْسَ فِيهَا لَهَبٌ، وَالشِّهَابُ فِيهِ لَهَبٌ.
وَالْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الْجَانُّ وَالأَفَاعِي وَالأَسَاوِدُ.
{رِدْءًا}: مُعِينًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُصَدِّقُنِي.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ {سَنَشُدُّ}: سَنُعِينُكَ، كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيْئًا فَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ عَضُدًا.
{مَقْبُوحِينَ}: مُهْلَكِينَ.
{وَصَّلْنَا}: بَيَّنَّاهُ وَأَتْمَمْنَاهُ.
{يُجْبَى}: يُجْلَبُ.
{بَطِرَتْ}: أَشِرَتْ.
{فِي أُمِّهَا رَسُولًا}: أُمُّ الْقُرَى مَكَّةُ وَمَا حَوْلَهَا.
{تُكِنُّ}: تُخْفِي أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ أَخْفَيْتُهُ، وَكَنَنْتُهُ أَخْفَيْتُهُ وَأَظْهَرْتُهُ.
{وَيْكَأَنَّ اللَّهَ}: مِثْلُ.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}: يُوَسِّعُ عَلَيْهِ، وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( سعيد بن المسيب عن أبيه) المسيب بن حزن له ولأبي صحبة عاش إلى خلافة عثمان أنه ( قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة) أي علامتها بعد المعاينة وعدم الانتفاع بالإيمان لو آمن ( جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجد عنده أبا جهل) هو ابن هشام ( وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة) أخا أم سلمة أسلم عام الفتح كالمسيب فلم يشهد وفاة أبي طالب، فالحديث مرسل صحابي كذا قرره الكرماني، وردّه الحافظ ابن حجر بأنه لا يلزم من تأخر إسلامه عدم حضوره وفاة أبي طالب كما شهدها عبد الله بن أبي أمية وهو كافر ثم أسلم، وتعقبه العيني بأن حضور عبد الله بن أبي أمية ثبت في الصحيح ولم يثبت حضور المسيب لا في الصحيح ولا في غيره وبالاحتمال لا يرد على كلام بغير احتمال.

وأجاب في انتقاض الاعتراض فقال: هذا كلام عجيب إنما يتوجه الرد على من قال جازمًا إن المسيب لم يحضرها ولم يذكر مستندًا إلا أنه كان كافرًا لا يمتنع أن يشهد وفاة كافر فتوجه الرد على الجزم، ويؤيده أن عنعنة الصحابي محمولة على السماع إلا إذا أدرك قصة ما أدركها كحديث عائشة عن قصة المبعث النبوي فتلك الرواية تسمى مرسل صحابي، وأما لو أخبر عن قصة أدركها ولم يصرح فيها بالسماع ولا المشاهدة فإنها محمولة على السماع وهذا شأن حديث المسيب فهذا الذي يمشي على الاصطلاح الحديثي وأما الدفع بالصدر فلا يعجز عنه أحد لكنه لا يجدي شيئًا انتهى.

( فقال) : -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي طالب ( أي عم قل لا إله إلا الله كلمة) بالنصب على البدل ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف ( أحاجّ لك بها عند الله) بضم الهمزة وفتح الحاء المهملة وبعد الألف جيم مشدّدة مضمومة في الفرع خبر مبتدأ محذوف، وفي بعض النسخ فتح الجيم على الجزم جواب الأمر، والتقدير أن تقل أحاج وهو من المحاججة مفاعلة من الحجة.
وعند الطبري من طريق سفيان بن
حسين عن الزهري قال: أي عم إنك أعظم الناس عليّ حقًّا وأحسنهم عندي يدًا فقل كلمة تجب لي بها الشفاعة فيك يوم القيامة.

( فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية) : لأبي طالب ( أترغب عن ملة عبد المطلب؟) يقال رغب عن الشيء إذا لم يرده ورغب فيه إذا أراده ( فلم يزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعرضها) أي كلمة الإخلاص ( عليه) على أبي طالب ( ويعيدانه) بضم أوله والضمير المنصوب لأبي طالب ( بتلك المقالة) وهي قولهما: أتركب وكأنه كان قد قارب أن يقولها فيردانه.
وقال البرماوي كالزركشي: صوابه ويعيدان له تلك المقالة، وتعقبه في المصابيح فقال: ضاق عطنه يعني الزركشي عن توجيه اللفظ على الصحة فجزم بخطئه، ويمكن أن يكون ضمير النصب من قوله: ويعيدانه ليس عائدًا على أبي طالب وإنما هو عائد على الكلام بتلك المقالة، ويكون بتلك المقالة ظرفًا مستقرًّا منصوب المحل على الحال من ضمير النصب العائد على الكلام والباء للمصاحبة أي يعيدان الكلام في حالة كونه متلبسًا بتلك المقالة وإن بنينا على جواز إعمال ضمير المصدر كما ذهب إليه بعضهم في مثل مروري بزبد حسن وهو بعمرو قبيح فالأمر واضح، وذلك بأن يجعل ضمير الغيبة عائدًا على التكلم المفهوم من السياق والباء متعلقة بنفس الضمير العائد عليه أي ويعيدان التكلم بتلك المقالة.

( حتى قال أبو طالب آخر) نصب على الظرفية ( ما كلمهم على ملّة عبد المطلب) وفي الجنائز: هو على ملة عبد المطلب وأراد نفسه أو قال: أنا على ملة عبد المطلب فغيرها الراوي أنفة أن يحكى كلامه استقباحًا للتلفظ به.
( وأبى) امتنع ( أن يقول لا إله إلا الله) قال في الفتح: هو تأكيد من الراوي في نفي وقوع ذلك من أبي طالب.

( قال) المسيب: ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: والله لأستغفرن لك) كما استغفر الخليل لأبيه ( ما لم أُنه عنك) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ( فأنزل الله) تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا} أي ما ينبغي لهم {أن يستغفروا للمشركين} زاد في نسخة ( ولو كانوا أولي قربى} [التوبة: 113] الآية خبر بمعنى النهي.

واستشكل هذا بأن وفاة أبي طالب وقعت قبل الهجرة بمكة بغير خلاف، وقد ثبت أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية.
رواه الحاكم وابن أبي حاتم عن ابن مسعود والطبراني عن ابن عباس، وفي ذلك دلالة على تأخر نزول الآية عن وفاة أبي طالب، والأصل عدم تكرار النزول.
وأجيب: باحتمال تأخر نزول الآية وإن كان سببها تقدّم ويكون لنزولها سببان متقدم وهو أمر أبي طالب ومتأخر وهو أمر آمنة، ويؤيد تأخر النزول ما في سورة براءة من استغفاره عليه الصلاة والسلام للمنافقين حتى نزل النهي عنه قاله في الفتح قال: ويرشد إلى ذلك قوله: ( وأنزل الله) تعالى: {في أبي طالب فقال لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}) [القصص: 56] ففيه إشعار بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وغيره والثانية نزلت فيه وحده.

وقد مرّ الحديث في كتاب الجنائز.

( قال ابن عباس) : في ( {أولي القوة}) من قوله: {وآتيناه من الكنوز ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة} [القصص: 76] .
( لا يرفعها العصبة من الرجال) وروي عنه أنه كان يحمل مفاتح قارون أربعون رجلًا أقوى ما يكون من الرجال، وروي عن ابن عباس أيضًا حمل المفاتح على نفس المال فقال: كانت خزائنه يحملها أربعون رجلًا أقوياء.
( {لتنوء}) أي ( لتثقل) يقال: ناء به الحمل حتى أثقله وأماله أي لتثقل المفاتح العصبة والباء في بالعصبة للتعدية كالهمزة.

( {فارغًا}) في قوله: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا} [القصص: 10] أي خاليًا من كل شيء ( إلا من ذكر موسى) وقال البيضاوي كالزمخشري صفرًا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون.

( {الفرحين}) في قوله: {لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين} [القصص: 76] .
قال ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم عنه أي ( المرحين) وقال مجاهد يعني الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم، فالفرح بالدنيا مذموم مطلقًا لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارق ولا محالة يوجب الترح وما أحسن قول المتنبي:
أشد الغم عندي في سرور ... تيقن عنه صاحبه انتقالا
( {قصة}) في قوله حكاية عن أم موسى {وقالت لأخته قصيه} أي ( اتبعي أثره) حتى تعلمي خبره وكانت أخته لأبيه وأمه واسمها مريم ( وقد يكون أن يقص الكلام) كما في قوله تعالى: {نحن نقص عليك} وقص الرؤيا إذا أخبر بها.

( {عن جنب}) في قوله: {فبصرت به عن جنب} [القصص: 11] أي أبصرت أخت موسى موسى مستخفية كائنة ( عن بُعْد) صفة لمحذوف أي عن مكان بعيد، وقال أبو عمرو بن العلاء أي عن شوق وهي لغة جذام يقولون جنبت إليك أي اشتقت وقوله: ( عن جنابة واحد) أي في معنى البعد ( وعن اجتناب أيضًا) وقرئ قوله: عن جنب بفتح الجيم وسكون النون وبفتحهما وبضم الجيم وسكون النون، وعن جانب وكلها شاذة والمعنى واحد.

( {نبطش}) بالنون وكسر الطاء ( ونبطش) بضم الطاء لغتان ومراده الإشارة إلى قوله: {فلما أراد أن يبطش} [القصص: 19] لكن الآية بالياء وكذا وقع في بعض نسخ البخاري بل هو الذي في اليونينية وبالنون فيهما في فرعها والضم قراءة أبي جعفر والكسر قراءة الباقين.

( {يأتمرون}) في قوله: {يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} [القصص: 20] أي ( يتشاورون) بسببك.
قال في الأنوار: وإنما سمي التشاور ائتمارًا لأن كلاًّ من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر وسقط لأبي ذر والأصيلي.
قال ابن عباس: أولي القوة إلى هنا.

( العدوان) في قوله تعالى: {فلا عدوان عليّ} [القصص: 28] معناه ( والعداء) بالفتح والخفيف وفي الناصرية بضم العين وكسرها ولم يضبطها في الفرع كأصله وآل ملك ( والتعدي) بالتشديد ( واحد) في معنى التجاوز عن الحق.

( {آنس}) بالمد في قوله: {وسار بأهله آنس من جانب الطور نارًا} [القصص: 29] أي ( أبصر) من الجهة التي تلي الطور نارًا وكان في البرية في ليلة مظلمة.

( الجذوة) في قوله تعالى: {لعلّي آتيكم منها بخبر أو جذوة} [القصص: 29] هي ( قطعة غليظة من الخشب) أي في رأسها نار ( ليس فيها لهب) قال ابن مقبل:
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها ... جزل الجذا غير خوّار ولا ذعر الخوار الذي يتقصف والذعر الذي فيه لهب، وقد ورد ما يقتضي وجود اللهب فيه قال الشاعر:
وألقى على قيس من النار جذوة ... شديدًا عليها حميها والتهابها
وقيل: الجذوة العود الغليظ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن وليس المراد هنا إلا ما في رأسه نار كما في الآية أو جذوة من النار.

( والشهاب) المذكور في النمل في قوله: {بشهاب قبس} [النمل: 7] هو ما ( فيه لهب) وذكر تتميمًا للفائدة.

( والحيات) جمع حيّة يشير إلى قوله: ( {فألقاها}) يعني فألقى موسى عصاه {فإذا هي حية تسعى} [طه: 20] وأنها ( أجناس الجان) كما في قوله هنا: كأنها جان ( والأفاعي والأساود) وكذا الثعبان في قوله: {فإذا هي ثعبان مبين} [الأعراف: 107] ولم يذكره المؤلّف، وقد قيل إن موسى عليه السلام لما ألقى العصا انقلبت حيّة صفراء بغلظ العصا ثم تورمت وعظمت فلذلك سماها جانًا تارة نظرًا إلى المبدأ، وثعبانًا مرة باعتبار المنتهى، وحية أخرى بالاسم الشامل للحالين، وقيل كانت في ضخامة الثعبان وجلادة الجان ولذلك قال: كأنها جان.

( {ردءًا}) في قوله: {فأرسله معي ردءًا} [القصص: 34] أي ( معينًا) وهو في الأصل اسم ما يعان به كالدفء بمعنى المدفوء به فهو فعل بمعنى مفعول ونصبه على الحال.

( قال ابن عباس: يصدقني) بالرفع وبه قرأ حمزة وعاصم على الاستئناف أو الصفة لردءًا أو الحال من هاء أرسله أو من الضمير في ردءًا أي مصدقًا وبالجزم، وبه قرأ الباقون جوابًا للأمر يعني إن أرسلته يصدقني، وقيل ردءًا كيما يصدقني أو لكي يصدقني فرعون وليس الغرض بتصديق هارون أن يقول له: صدقت أو يقول للناس: صدق موسى بل إنه يلخص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل ويجيب عن الشبهات.

( وقال غيره) : أي غير ابن عباس ( {سنشد}) عضدك أي ( سنعينك كلما عززت شيئًا) بعين مهملة وزايين معجمتين ( فقد جعلت له عضدًا) يقويه وهو من باب الاستعارة شبه حالة موسى بالتقوّي بأخيه بحالة اليد المتقوية بالعضد فجعل كأنه يد مستندة بعضد شديدة، وسقط لأبي ذر والأصيلي من قوله: ( {أنس}) إلى هنا.

( مقبوحين) أي ( مهلكين) ومراده قوله: {ويوم القيامة هم من المقبوحين} [القصص: 42] .
وهذا تفسير أبي عبيدة وقال غيره: من المطرودين ويسمى ضد الحسن قبيحًا لأن العين تنبو عنه فكأنها تطرده.

( {وصلنا}) {لهم القول})
أي ( بيناه وأتممناه) قاله ابن عباس وقيل أتبعنا بعضه بعضًا فاتصل، وقال ابن زيد وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا، وقال الزجاج: أي فصلناه بأن وصلنا ذكر الأنبياء وأقاصيص من مضى بعضها ببعض.

( {يجبى}) في قوله: {أو لم نمكّن لهم حرفًا آمنًا يجبى} [القصص: 57] أي ( يجلب) إليه ثمرات كل شيء.

( {بطرت}) في قوله تعالى: {وكم أهلكنا من قرية بطرت} [القصص: 58] ( أشرت) وزنًا ومعنى أي وكم من أهل قرية كانت حالهم كحالكم في الأمن وخفض العيش حتى أشروا فدمر الله عليهم وخرب ديارم قال في الأنوار.

( {في أمّها رسولًا}) في قوله تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولًا} [القصص: 59] ( أم القرى مكة) لأن الأرض دحيت من تحتها ( وما حولها) ومراده أن الضمير في أمها للقرى ومكة وما حولها تفسير للأم لكن في إدخال ما حولها في ذلك نظر على ما لا يخفى.

( {تكنّ}) في قوله: {وربك يعلم ما تكنّ صدورهم} [القصص: 69] أي ( ما تخفي) صدورهم يقال ( أكننت الشيء) بالهمزة وضم التاء وفي بعضها بفتحها أي ( أخفيته وكننته) بتركها من الثلاثي وضم التاء وفتحها أي ( أخفيته وأظهرته) بالهمز فيهما، وفي نسخة معتمدة خفيته بدون همز أظهرته بدون واو قال ابن فارس: أخفيته سترته وخفيته أظهرته.
وقال أبو عبيدة: أكننته إذا أخفيته وأظهرته وهو من الأضداد.

( {ويكأن الله}) هي ( مثل: {ألم تر أن الله}) وحينئذ تكون ويكأن كلها كلمة مستقلة بسيطة وعند الفراء أنها بمعنى أما ترى إلى صنع الله؟ وقيل غير ذلك ( {يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر}) [الرعد: 26] أي ( يوسع عليه ويضيق عليه) أي بمقتضى مشيئته لا لكرامة تقتضي البسط ولا لهوان يوجب النقص، وسقط لأبي ذر والأصيلي: ويكأن الله الخ.