فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من زار قوما فلم يفطر عندهم

باب مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَمْ يُفْطِرْ عِنْدَهُمْ
( باب من زار قومًا) وهو صائم في التطوّع ( فلم يفطر عندهم) .


[ قــ :1902 ... غــ : 1982 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدٌ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، قَالَ: أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ فَإِنِّي صَائِمٌ.
ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ، فَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا.
فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي خُوَيْصَةً، قَالَ: مَا هِيَ؟
قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ.
فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلاَ دُنْيَا إِلاَّ دَعَا لِي بِهِ: اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالاً وَوَلَدًا، وَبَارِكْ لَهُ.
فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصَارِ مَالاً.
وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ الْبَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ".

قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ سَمِعَ أَنَسًا -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[الحديث 1982 - أطرافه في: 6334، 6344، 6378، 6380] .

وبالسند قال: ( حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري الزمن ( قال: حدثني) بالإفراد ولأبي الوقت حدّثنا ( خالد هو ابن الحرث) بينه لرفع الإيهام لاشتراك من يسمى خالدًا في الرواية عن حميد الآتي ممن يمكن أن يروي عنه ابن المثنى وخالد هذا هو الهجيمي قال: ( حدّثنا حميد) الطويل البصري ( عن أنس -رضي الله عنه-) أنه قال: ( دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أم سليم) ، والدة أنس المذكور واسمها الغميصاء بالغين المعجمة والصاد المهملة أو الرميصاء بالراء بدل المعجمة وقيل اسمها سهلة.
وعند أحمد من طريق حماد عن ثابت عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على أم حرام وهي خالة أنس لكن في بقية

الحديث ما يدل على أنهما معًا كانتا مجتمعتين ( فأتته) أم سليم ( بتمر وسمن) على سبيل الضيافة ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( أعيدوا سمنكم في سقائه) بكسر السين ظرف الماء من الجلد وربما جعل فيه السمن والعسل ( و) أعيدوا ( تمركم في وعائه فإني صائم) ( ثم قام إلى ناحية من البيت فصلّى غير المكتوبة) .

وفي رواية أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد فصلّى ركعتين وصلينا معه ( فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول الله إن لي خويصة) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون المثناة التحتية وتشديد الصاد المهملة تصغير خاصة وهو مما اغتفر فيه التقاء الساكنين أي الذي يختص بخدمتك ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( ما هي) الخويصة ( قالت) هو ( خادمك أنس) .
فادع له دعوة خاصة وصغرته لصغر سنه، وقولها أنس رفع عطف بيان أو بدل، ولأحمد من رواية ثابت المذكورة أن لي خويصة خويدمك أنس ادع الله له قال أنس: ( فما ترك خير آخرة ولا) خير ( دنيا إلا دعا لي به) .
قال في الكشاف في قوله تعالى: { إنما صنعوا كيد ساحر} [طه: 69] .

فإن قلت: فلم نكر أوّلاً وعرّف ثانيًا؟ قلت: إنما نكر من أجل تنكير المضاف لا من أجل تنكيره في نفسه كقول العجاج:
يوم ترى النفوس ما أعدّت ... في سعي دنيا طالما قد مدّت
وفي حديث عمر -رضي الله عنه-: لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة أراد تنكير الأمر كأنه قيل: إنما صنعوا كيد سحري وفي سعي دنيوي وأمر دنيوي وأخروي اهـ.

فتنكير الآخرة هنا القصد به تنكير خير المضاف إليهما أي: ما ترك خيرًا من خيور الآخرة ولا خيرًا من خيور الدنيا إلا دعا لي به، لكن تعقب أبو حيان في البحر الزمخشري بأن قول العجاج في سعي دنيا محمول على الضرورة إذ دنيا تأنيث الأدنى ولا يستعمل تأنيثه إلا بالألف واللام أو بالإضافة.
قال: وأما قول عمر فيحتمل أن يكون من تحريف الرواة اهـ.

وعند أحمد من رواية عبيدة بن حميد عن حميد فكان من قوله أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "اللهم أرزقه مالاً وولدًا وبارك له" وزاد أبو ذر وابن عساكر ونسبها الحافظ ابن حجر للكشميهني فيه بالتوحيد باعتبار المذكور، ولأحمد فيهم بالجمع اعتبارًا بالمعنى ( فإني لمن أكثر الأنصار مالاً) نصب على التمييز، وفاء فإني لتفسير معنى البركة في ماله، واللام في قوله لمن للتأكيد، ولم يذكر الراوي ما دعا له به من خير الآخرة اختصارًا، ويدل له ما رواه ابن سعد بإسناد صحيح عن الجعد عن أنس قال: اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه أو أن لفظ بارك إشارة إلى خير الآخرة أو المال والولد الصالحان من جلة خير الآخرة لأنهما يستلزمانها قاله البرماوي كالكرماني.


قال أنس: ( وحدثتني ابنتي أمينة) بضم الهمزة وفتح الميم وسكون المثناة التحتية وفتح النون ثم هاء تأنيث تصغير آمنة ( أنه دفن) بضم الدال مبنيًا للمفعول من ولدي ( لصلبي) أي غير أسباطه وأحفاده ( مقدم) مصدر وسمي بالنصب على نزع الخافض أي أن الذي مات من أول أولاده إلى مقدم ( حجاج) ولأبي ذر: مقدم الحجاج أي ابن يوسف الثقفي ( البصرة) سنة خمس وسبعين وكان عمر أنس إذ ذاك نيفًا وثمانين سنة ( بضع وعشرون ومائة) بكسر الموحدة وقد تفتح ما بين الثلاث إلى التسع والبصرة نصب بمقدم بمعنى قدوم ويقدر قلبه زمان قدومه البصرة إذ لو جعل مقدم اسم زمان لم ينصب مفعولاً قاله البرماوي كالكرماني.

ورواة هذا الحديث كلهم بصريون.

وبه قال ( حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: قال ( ابن أبي مريم) سعيد الجمحي المصري فعلى الأول يكون موصولاً ( أخبرنا يحيى) ولأبوي ذر والوقت: يحيى بن أيوب الغافقي المصري ( قال: حدثني) بالإفراد ( حميد) الطويل أنه ( سمع أنسًا -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
وفائدة ذكر هذه الطريق بيان سماع حميد لهذا الحديث من أنس لما اشتهر من أن حميدًا كان ربما دلس على أنس وقد طرح زائدة حديثه لدخوله في شيء من أمر الخلفاء، وقد اعتنى البخاري في تخريجه لأحاديث حميد بالطرق التي فيها تصريحه بالسماع بذكرها متابعة وتعليقًا وروى له الباقون.