فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الصبر على الأذى

باب الصَّبْرِ عَلَى الأَذَى
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] .

( باب) فضيلة ( الصبر) أي حبس النفس عن المجازاة ( على الأذى) قولاً وفعلاً، ولأبي ذر في الأذى ( وقول الله تعالى) : بالجر عطفًا على المجرور السابق ( { إنما يوفي الصابرون} ) على تحمل المشاق من تجرع الغصص واحتمال البلايا في طاعة الله وازدياد الخير ( { أجرهم بغير حساب} ) [الزمر: 10] قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لا يهتدى إليه حساب الحساب ولا يعرف، وقال مالك بن أنس: هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها، وقد ذكر الله تعالى الصبر في خمسة وتسعين موضعًا من القرآن.
وفي الصحيحين حديث: ما أعطى أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر وهو عبارة عن ثبات باعث الذين في مقاومة باعث الهوى قاله في قوت الأحياء، وفي البلاء كتم الشكوى لغيره تعالى، والصبي والمجنون فيه مثابان إذ كسبهما التوجع ولا صبر عليهما فتأثير البلاء بلا صبر في التفكير غالبًا ومع الصبر فمزيد الأجر وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا.


[ قــ :5770 ... غــ : 6099 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى الأَعْمَشُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ، عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ -أَوْ لَيْسَ شَىْءٌ- أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان ( عن سفيان) أنه ( قال: حدثني) بالإفراد ( الأعمش) سليمان بن مهران ( عن سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب ( السلمي) بضم السين المهملة وفتح اللام وكسر الميم ( عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري ( -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( ليس أحد أو ليس شيء) بالشك من الراوي ( أصبر) أفعل تفضيل من الصبر أي أحلم ( على أذى سمعه من الله) عز وجل.
قال الكرماني: صلة لقوله أصبر وأصبر بمعنى أحلم كما مرّ يعني حبس العقوبة عن مستحقها إلى زمان آخر يعني تأخيرها ( إنهم ليدعون له) تعالى ( ولدًا) بيان لسابقه واللام في ليدعون للتأكيد وداله ساكنة أي ينسبون إليه ما هو منزه عنه ( وأنه) تعالى ( ليعافيهم) في أنفسهم ( ويرزقهم) صفة فعل من أفعاله تعالى فهو من صفات فعله لأن رازقًا يقتضي مرزوقًا، والله سبحانه وتعالى كان ولا مرزوق وكل ما لم يكن ثم كان فهو محدث والله تعالى موصوف بأنه الرزاق وصف نفسه بذلك قبل خلق الخلق يعني أنه تعالى سيرزق إذا خلق المرزوقين.

وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في التوحيد ومسلم في التوبة والنسائي في النعوت.




[ قــ :5771 ... غــ : 6100 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَسَمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ قُلْتُ: أَمَّا أَنَا لأَقُولَنَّ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِى أَصْحَابِهِ فَسَارَرْتُهُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَغَضِبَ حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ أَخْبَرْتُهُ ثُمَّ قَالَ: «قَدْ أُوذِىَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ».

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص) قال: ( حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران ( قال: سمعت شقيقًا) أبا وائل بن سلمة ( يقول: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه-: ( قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم حنين ( قسمة كبعض ما كان يقسم) في غيرها من المغازي من تنفيل المؤلّفة ( فقال رجل من الأنصار) : اسمه معتب بن قشير المنافق كما قاله الواقدي ( والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله) قال ابن مسعود ( قلت: أما أنا) بفتح الهمزة وتشديد الميم ولأبي ذر عن الكشميهني أم بتخفيف الميم وحذف الألف بعدها ( لأقولن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أما بتخفيف الميم وإثبات الألف بعدها حرف تنبيه لأقولن ( للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مقالته ( فأتيته وهو في أصحابه فساررته) بذلك ( فشق ذلك على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته) بذلك ( ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( قد أوذي موسى) عليه السلام ( بأكثر من ذلك) الذي قاله الرجل الأنصاري ( فصبر) أشار إلى قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالدين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا} [الأحزاب: 69] والمراد براءته عن مضمون القول ومؤداه وهو الأمر المعيب، وأذى موسى عليه السلام هو حديث المومسة التي أمرها قارون أن تزعم أن موسى عليه السلام راودها حتى كان ذلك سبب هلاك قارون، أو لاتهامهم إياه بقتل هارون فأحياه الله تعالى فأخبرهم ببراءة موسى، أو قولهم آدر.

وهذا الحديث سبق في أحاديث الأنبياء، ويأتي إن شاء الله تعالى في الدعوات، وأخرجه مسلم في الزكاة.