فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الوفاء بالنذر

باب الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] .

(باب) حكم (الوفاء بالنذر) أي فعله (وقوله) تعالى ({ يوفون بالنذر} [الإنسان: 70] أي بما أوجبوا على أنفسهم مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن من وفى بما أوجبه هو على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أوفى ويؤخذ منه أن الوفاء بالنذر قربة للثناء على فاعله لكنه مخصوص بنذر التبرر.


[ قــ :6342 ... غــ : 6692 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: أَوَلَمْ يُنْهَوْا عَنِ النَّذْرِ؟ إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ النَّذْرَ لاَ يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلاَ يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنَ الْبَخِيلِ».

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظي بضم الواو وفتح الحاء المهملة المخففة وبعد الألف ظاء معجمة مكسورة قال: (حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة قال (حدّثنا سعيد بن الحارث) الأنصاري قاضي المدينة (أنه سمع ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: أو لم ينهوا عن النذر) بضم التحتية وفتح الهاء وفيه حذف ذكره الحاكم في المستدرك من طريق المعافى بن سليمان، والإسماعيلي من طريق أبي عامر العقدي ومن طريق أبي داود واللفظ له قالا: حدّثنا فليح عن سعيد بن الحارث قال: كنت عند ابن عمر فأتاه مسعود بن عمرو أحد بني عمرو بن كعب فقال: يا أبا عبد الرَّحمن إن ابني كان مع عمر بن عبيد الله بن معمر بأرض فارس فوقع فيها وباء وطاعون شديد فجعلت على نفسي لئن الله سلم ابني ليمشين إلى بيت الله تعالى فقدم علينا وهو مريض ثم مات فما تقول؟ فقال ابن عمر: أو لم تنهوا عن النذر ثم قال: (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إن النذر لا يقدم شيئًا) من قدر الله ومشيئته (ولا يؤخر) بحذف ضمير النصب أي لا يؤخره (وإنما يستخرج بالنذر من البخيل) أي لا يأتي بهذه القربة تطوعًا ابتداء بل مقابلة لشفاء المريض ونحوه ذكره النووي وغيره، والحديث من أفراده.




[ قــ :6343 ... غــ : 6693 ]
- حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّذْرِ.

     وَقَالَ : «إِنَّهُ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ».

وبه قال: ( حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان الكوفي سكن مكة قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن منصور) هو ابن المعتمر أنه قال: ( أخبرنا عبد الله بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء
الخارفي بالخاء المعجمة والراء والفاء الهمداني بسكون الميم الكوفي ( عن عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- أنه قال: ( نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن النذر) أي عن عقد النذر ( وقال) :
( إنه لا يرد شيئًا) تعليل للنهي وصرح في هذا الحديث بالنهي بخلاف السابق وهل النهي للتحريم على الأصل أو لا فمنهم من تأوّله على الكراهة لأنه لو كان المراد به التحريم لبطل حكمه وسقط لزوم الوفاء به لأنه بالنهي للتحريم يصير معصية ولا يلزم وأيضًا فلو كان كذلك ما أمر الله أن يوفى به، ولأحمد به فاعله لكنه ورد النهي عنه تعظيمًا لشأنه لئلا يستهان به فيفرط في الوفاء به، وحمله القرطبي على التحريم في حق من يخاف عليه أن يعتقد أن النذر يوجب ذلك الغرض أو أن الله تعالى يفعله لذلك قال: والأول يقارب الكفر، والثاني خطأ صراح وأما من لا يعتقد ذلك فهو محمول على التنزيه فيكون مكروهًا وهو ما نص عليه الشافعي، لكن قال القاضي حسين والمتولي والغزالي والرافعي: إنه قربة لقوله تعالى { وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر} [البقرة: 7] الآية.
ولأنه وسيلة إلى القربة فيكون قربة.

قال في الفتح: وذهب أكثر الشافعية ونقله أبو علي السنجي عن نص الشافعي إلى أنه مكروه لثبوت النهي عنه، وكذا نقل عن المالكية وجزم به عنهم ابن دقيق العيد، وأشار ابن العربي إلى الخلاف عنهم والجزم عن الشافعية بالكراهة قال: واحتجوا بأنه ليس طاعة محضة لأنه لم يقصد به خالص القربة وإنما قصد أن ينفع نفسه أو يدفع عنها ضررًا بما التزم وجزم الحنابلة بالكراهة وعندهم رواية في أنها كراهة تحريم وتوقف بعضهم في صحتها انتهى.

والذي رأيته في شرح مختصر الشيخ خليل للشيخ بهرام المالكي: إن النذر المطلق وهو الذي يوجبه الإنسان على نفسه ابتداء شكرًا له تعالى مندوب قال ابن رشد: وهو مذهب مالك، وأما المكرر وهو ما إذا نذر صوم كل خميس أو كل اثنين أو نحو ذلك فمكروه قال في المدونة: مخافة التفريط في الوفاء به واختلف في النذر المعلق في شرط كقوله إن شفى الله مريضي أو نجاني من كذا أو رزقني كذا فعليّ المشي إلى مكة أو صدقة كذا أو نحو ذلك هل هو مكروه، وإليه ذهب الباجي وابن شاس وغيرهما أو لا وإليه ذهب صاحب البيان انتهى.

وفرق بغضهم بين نذر اللجاج والغضب فحمل النهي الوارد عليه وبين نذر التبرر إذ هو كما مرّ وسيلة إلى طاعة وإذا كانت وسيلة الطاعة فيشكل القول بالكراهة على ما لا يخفى، ويحتمل أن يكون سبب ذلك أن الناذر لما لم يبذل القربة إلا بشرط أن يفعل له ما يريد صار كالمعارضة التي تقدح في نيّة المتقرب ويشير إلى هذا التأويل قوله إنه لا يرد شيئًا ( ولكنه يستخرج به) أي بالنذر ( من البخيل ما لم يكن يريد أن يخرجه) .

والحديث مضى في القدر.




[ قــ :6344 ... غــ : 6694 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَأْتِى ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَىْءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ فَيُؤْتِى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِى عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا يأتي ابن آدم النذر بشيء) بنصب ابن على المفعولية والنذر بالرفع على الفاعلية ( لم يكن قدر له) بضم القاف مبنيًّا للمفعول والجملة صفة لقوله بشيء وفي نسخة بغير الفرع وعليها شرح في فتح الباري وهو في اليونينية لأبي ذر لم أكن قدرته قال: وهذا من الأحاديث القدسية لكن سقط منه التصريح بنسبته إلى الله تعالى ( ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدر له) بضم القاف وكسر المهملة المشددة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر قدرته له ( فيستخرج الله به) بالنذر ( من البخيل) فيه التفات على رواية لم أكن قدرته إذ كان نسق الكلام أن يقال فأستخرج به ليوافق قوله قدرته ( فيؤتي) بكسر المثناة الفوقية، ولأبي ذر: فيؤتيني وله عن الحموي والمستملي يؤتيني بحذف الفاء وله أيضًا عن الكشميهني يؤتني بحذف الياء للجزم بدل من قوله يكن المجزوم بلم أي يعطني ( عليه) أي على ذلك الأمر الذي بسببه نذر كالشفاء ( ما لم يكن يؤتى) يعطي ( عليه من قبل) أي من قبل النذر.