فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: المؤمن يأكل في معى واحد فيه أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

باب الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ
فِيهِ أَبُو هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (المؤمن يأكل في معًى واحد) بكسر الميم وتنوين العين مقصورًا جمعه إمعاء بالمد وهي المصارين وإنما عدى الأكل بفي على معنى أوقع إلى فيها وجعلها مكانًا للمأكول كقوله تعالى: {إنما يأكلون في بطونهم نارًا} [النساء: 10] أي ملء بطونهم (فيه أبو هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).


[ قــ :5101 ... غــ : 5393 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَكَلَ كَثِيرًا.
فَقَالَ: يَا نَافِعُ لاَ تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ».
[الحديث 5393 - أطرافه في: 5394، 5395] .

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) العبدي الملقب ببندار قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد التنوري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن واقد بن محمد) بالقاف والدال المهملة ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى) بضم التحتية وفتح الفوقية (بمسكين يأكل معه فأدخلت رجلًا) هو أبو نهيك كما أخرجه المصنف من وجه آخر في هذا الباب (يأكل معه فأكل كثيرًا فقال) ابن عمر (يا نافع لا تدخل هذا عليّ) أي لما فيه من الاتّصاف بصفة الكافر وهي كثرة الأكل ونفس المؤمن تنفر ممن هو متصف بصفة الكافر ثم استدلّ لذلك بقوله: {سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(المؤمن يأكل في معًى واحد) بكسر الميم والقصر (والكافر يأكل في سبعة أمعاء) ومما يؤيد أن كثرة الأكل صفة الكافر قوله تعالى: {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 12] وتخصيص السبعة قيل للمبالغة والتكثير كما في قوله تعالى: {والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر} [لقمان: 27] فيكون المراد أن المؤمن يقل حرصه وشرهه على الطعام ويبارك له في مأكله ومشربه فيشبع بالقليل والكافر يكون كثير الحرص شديد الشره لا يطمح بصره إلا إلى المطاعم والمشارب كالأنعام فمثل ما بينهما من التفاوت في الشره بما بين من يأكل في معًى واحد ومن يأكل في سبعة أمعاء وهذا باعتبار الأعم الأغلب، وفي معنى سبعة أمعاء أقوال أُخر تأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.

<

باب الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ
فِيهِ أَبُو هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

هذا ( باب) بالتنوين ( المؤمن يأكل في معًى واحد فيه أبو هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا ثبت، لأبي ذر وسقط ذلك للباقين وهو أولى إذ لا فائدة في إعادته.


[ قــ :510 ... غــ : 5394 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَإِنَّ الْكَافِرَ أَوِ الْمُنَافِقَ» فَلاَ أَدْرِى أَيَّهُمَا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ «يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ».
.

     وَقَالَ  ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِهِ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن سلام) البيكندي قال: ( أخبرنا عبدة) بن سليمان ( عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري ( عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه قال ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إن المؤمن يأكل في معًى واحد وإن الكافر أو المنافق) قال عبدة: ( فلا أدري أيهما قال عبيد الله) العمري، وأخرجه مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بلفظ الكافر من غير شك، وعند الطبراني من حديث سمرة بلفظ المنافق بدل الكافر ( يأكل في سبعة أمعاء) بالمد كما مرّ جمع معًى وهو على الأكل من الإنسان.

( وقال ابن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير فيما وصله أبو نعيم في المستخرج ( حدّثنا مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة ( عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمثله) أي بمثل الحديث السابق لكن بلفظ الكافر من غير شك كما في الموطأ فالمراد أصل الحديث لا خصوص الشك.




[ قــ :5103 ... غــ : 5395 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ كَانَ أَبُو نَهِيكٍ رَجُلًا أَكُولًا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»، فَقَالَ: فَأَنَا أُؤمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو) بفتح العين ابن دينار أنه ( قال كان أبو نهيك) بفتح النون وكسر الهاء ( رجلًا) من أهل مكة ( أكولًا) يأكل كثيرًا ( فقال له) أي لأبي نهيك ( ابن عمر) -رضي الله عنهما- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء) قال القرطبي: شهوات الطعام سبع: شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع ( فقال) أبو نهيك لما قال له ابن عمر ذلك ( فأنا أؤمن بالله ورسوله) فلا يلزم اطّراد الحكم في حق كل مؤمن وكافر فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرًا إما بحسب العادة وإما لعارض يعرض له في مرض باطن أو لغير ذلك، وقد يكون في الكفار من يأكل قليلًا إما لمراعاة الصحة على رأي الأطباء، وإما للرياضة على رأي
الرهبان، وإما لعارض كضعف، قال في شرح المشكاة: ومحصل القول إن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في الحديث.




[ قــ :5104 ... غــ : 5396 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ».
[الحديث 5396 - أطرافه في: 5397] .

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( يأكل المسلم في معًى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء) ونقل القاضي عياض عن أهل التشريح أن أمعاء الإنسان سبعة: المعدة، ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب والصائم والرقيق وهي كلها رقاق ثم ثلاثة غلاظ الأعور والقولون والمستقيم وطرفه الدبر، ونظمها شيخ مشايخنا الحافظ الزين العراقي كما أنبأني شيخنا أبو العباس الجمالي قال: أتاح لي شيخنا الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم العراقي قال:
سبعة أمعاء لكل آدمي ... معدة بوابها مع صائم
ثم الرقيق أعور قولون مع ... المستقيم مسلك المطاعم
وحينئذ فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشرهه لا يشبعه إلاّ ملء أمعائه السبعة والمؤمن يشبعه ملء معًى واحد، والحاصل أن المؤمن من شأنه الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر.




[ قــ :5105 ... غــ : 5397 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا، فَأَسْلَمَ فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا قَلِيلًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ».

وبه قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عدي بن ثابت) الكوفي الأنصاري ( عن أبي حازم) سليمان الأشجعي ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( أن رجلًا كان يأكل أكلًا كثيرًا) قال ابن بشكوال فيما حكاه الحافظ ابن حجر في المقدمة الأكثر على أن هذا الرجل هو جهجاه الغفاري رواه ابن أبي شيبة والبزار في مسنده وغيرهما، وقيل هو نضلة بن عمرو رواه أحمد في مسنده وأبو مسلم الكجي في سننه وثابت بن قاسم في الدلائل، وقيل هو أبو نصرة الغفاري ذكره أبو عبيد في الغريب وعبد الغني بن سعيد في
المبهمات، وقيل ثمامة بن أثال ذكره ابن إسحاق وحكاه ابن بطال ( فأسلم) فبورك له ( فكان يأكل أكلًا قليلًا فذكر ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم ذال ذكر مبنيًّا للمفعول وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضافه ضيف وهو كافر فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى ثم أخرى حتى شرب حلاب سبع شياه ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له بشاة فشرب حلابها ثم بأخرى فلم يستتمها.
( فقال) :
( إن المؤمن) لعدم شرهه وعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويعين على العبادة مع ما يحذره من الحساب على ذلك ( يأكل في معًى واحد والكافر) بالنصب عطفًا على المنصوب بأن لكثرة شرهه وعدم وقوفه على مقصود الشرع وحذره من تبعات الحساب والحرام ( يأكل في سبعة أمعاء) فصار نسبة أكل المسلم إلى أكل الكافر بقدر السبع منه ومن أعمل فكره فيما يصير إليه منعه من استيفاء شهوته.
وفي حديث أبي أمامة رفعه: "من كثر تفكّره قلّ مطعمه ومن قل تفكّره كثر مطعمه وقسا قلبه" وقالوا: لا تدخل الحكمة معدة ملئت من الطعام ومن قلّ طعامه قلّ شربه وخفّ منامه ومن خفّ منامه ظهرت بركة عمره ومن امتلأ بطنه كثر شربه ومن كثر شربه ثقل نومه ومن ثقل نومه محقت بركة عمره، وعند الطبراني من حديث ابن عباس قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدًا في الآخرة" وعند البيهقي في الشعب من حديث عائشة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يشتري غلامًا فألقي بين يديه تمرًا فأكل الغلام فأكثر فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن كثرة الأكل شؤم" وأمر بردّه.