فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {حتى إذا استيأس الرسل} [يوسف: 110]

باب قَوْلِهِ: { حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} [يوسف: 110]
( باب قوله) تعالى: ( { حتى إذا استيأس الرسل} ) [يوسف: 110] ليس في الكلام شيء تكون حتى غاية له ولذا اختلف في تقدير شيء يصح تغييته بحتى فقدره الزمخشري وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً فتراخى نصرهم حتى وقدره القرطبي وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالاً ثم لم نعاقب أمتهم بالعقاب حتى إذا وقدره ابن الجوزي وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً فدعوا قومهم فكذبوهم وطال دعاؤهم وتكذيب قومهم حتى.
قال في اللباب وأحسنها الأول اهـ.


[ قــ :4440 ... غــ : 4695 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ لَهُ وَهُوَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} قَالَ:.

قُلْتُ أَكُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: كُذِّبُوا، قُلْتُ: فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ قَالَتْ: أَجَلْ لَعَمْرِي لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهَا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا، قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ الآيَةُ قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلاَءُ وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ حَتَّى اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَظَنَّتِ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن أويس أبو القاسم القرشي الأويسي المدني الأعرج قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ( عن صالح) هو ابن كيسان ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوّام ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت له) أي لعروة وسقط لفظ له
لأبي ذر: ( وهو) أي والحال أنه ( يسألها عن قول الله تعالى { حتى إذا استيأس الرسل} قال) أي عروة: ( قلت) لها: ( أكذبوا) بتخفيف المعجمة المكسورة بعد ضم الكاف ( أم كذبوا) بتشديدها ( قالت عائشة كذبوا) مشددة كما صرح به في الثلاثة في رواية الإسماعيلي تخفيفًا وتشديدًا قال عروة ( قلت) لها: ( فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن قالت) أي عائشة ( أجل) تعني نعم ( لعمري لقد استيقنوا بذلك) ولم يظنوا قال عروة ( فقلت لها وظنوا أنهم قد كذبوا) بالتخفيف فردت عليه حيث ( قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها) وهذا ظاهره أنها أنكرت قراءة التخفيف بناء على أن الضمير للرسل ولعلها لم تبلغها، فقد ثبتت متواترة في قراءة الكوفيين في آخرين ووجهت بأن الضمير في وظنوا عائد على المرسل إليهم لتقدمهم في قوله: كيف كان عاقبة الدين من قبلهم، والضمير أي في أنهم وكذبوا على الرسل أي وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا أي كذبهم من أرسلوا إليه بالوحي وبنصرهم عليهم أو أن الضمائر كلها ترجع إلى المرسل إليهم أي ظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما ادعوا من النبوّة فيما يوعدون به من لم يؤمن من العقاب أو كذبهم المرسل إليهم بوعد الإيمان، وقول الكرماني لم تنكر عائشة القراءة وإنما أنكرت التأويل خلاف الظاهر.

قال عروة: ( قلت) لها: ( فما هذه الآية؟ قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم) أي وصدقوا الرسل ( فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم) فالضمائر كلها على قراءة التشديد عائدة على الرسل أي وظن الرسل أنهم قد كذبهم أممهم فيما جاؤوا به لطول البلاء عليهم ( جاءهم نصر الله عند ذلك) وحصلت النجاة لمن تعلقت به مشيئته وهم النبي والمؤمنون والظن هنا بمعنى اليقين أو على حقيقته وهو رجحان أحد الطرفين.




[ قــ :4440 ... غــ : 4696 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ فَقُلْتُ لَعَلَّهَا كُذِبُوا مُخَفَّفَةً قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عروة) بن الزبير ( فقلت) أي لعائشة ( لعلها كذبوا مخففة قالت معاذ الله نحوه) أي فذكرت نحو حديث صالح بن كيسان، وقد ساقه المؤلّف مختصرًا وأورده أبو نعيم في مستخرجه تامًّا ولفظه عن عروة أنه سأل عائشة فذكره نحو السابقة.


[13] - سورة الرَّعْدِ
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: { كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ} : مَثَلُ الْمُشْرِكِ الَّذِي عَبَدَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا غَيْرَهُ كَمَثَلِ الْعَطْشَانِ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى خَيَالِهِ فِي الْمَاءِ مِنْ بَعِيدٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ وَلاَ
يَقْدِرُ،.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: سَخَّرَ: ذَلَّلَ، { مُتَجَاوِرَاتٌ} : مُتَدَانِيَاتٌ { الْمَثُلاَتُ} : وَاحِدُهَا مَثُلَةٌ، وَهْيَ الأَشْبَاهُ وَالأَمْثَالُ.
.

     وَقَالَ : { إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا} [يونس: 10] بِمِقْدَارٍ: بِقَدَرٍ { مُعَقِّبَاتٌ} : مَلاَئِكَةٌ حَفَظَةٌ تُعَقِّبُ الأُولَى مِنْهَا الأُخْرَى وَمِنْهُ قِيلَ الْعَقِيبُ يُقَالُ: عَقَّبْتُ فِي إِثْرِهِ.
{ الْمِحَالُ} : الْعُقُوبَةُ.
{ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} : لِيَقْبِضَ عَلَى الْمَاءِ.
{ رَابِيًا} : مِنْ رَبَا يَرْبُو.
{ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ} : مِثْلُهُ الْمَتَاعُ، مَا تَمَتَّعْتَ بِهِ.
{ جُفَاءً} : أَجْفَأَتِ الْقِدْرُ: إِذَا غَلَتْ فَعَلاَهَا الزَّبَدُ ثُمَّ تَسْكُنُ فَيَذْهَبُ الزَّبَدُ بِلاَ مَنْفَعَةٍ فَكَذَلِكَ يُمَيِّزُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ.
{ الْمِهَادُ} : الْفِرَاشُ.
{ يَدْرَءُونَ} : يَدْفَعُونَ دَرَأْتُهُ دَفَعْتُهُ.
{ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} : أَيْ يَقُولُونَ: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ.
{ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} : تَوْبَتِى.
{ أَفَلَمْ يَيْأَسْ} : لَمْ يَتَبَيَّنْ.
{ قَارِعَةٌ} : دَاهِيَةٌ.
{ فَأَمْلَيْتُ} : أَطَلْتُ مِنَ الْمَلِيِّ وَالْمُلاَوَةُ وَمِنْهُ.
{ مَلِيًّا} : وَيُقَالُ لِلْوَاسِعِ الطَّوِيلِ مِنَ الأَرْضِ مَلًى مِنَ الأَرْضِ.
{ أَشَقُّ} : أَشَدُّ مِنَ الْمَشَقَّةِ.
{ مُعَقِّبَ} : مُغَيِّرٌ،.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: { مُتَجَاوِرَاتٌ} : طَيِّبُهَا وَخَبِيثُهَا السِّبَاخُ.
{ صِنْوَانٌ} : النَّخْلَتَانِ، أَوْ أَكْثَرُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ.
{ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} : وَحْدَهَا.
{ بِمَاءٍ وَاحِدٍ} : كَصَالِحِ بَنِي آدَمَ وَخَبِيثِهِمْ أَبُوهُمْ وَاحِدٌ.
{ السَّحَابُ الثِّقَالُ} : الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ.
{ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ} : يَدْعُو الْمَاءَ بِلِسَانِهِ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ فَلاَ يَأْتِيهِ أَبَدًا.
{ سَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} : تَمْلأُ بَطْنَ وَادٍ.
{ زَبَدًا رَابِيًا} : زَبَدُ السَّيْلِ خَبَثُ الْحَدِيدِ وَالْحِلْيَةِ.

( [13] سورة الرعد)
مكية في قول ابن عباس ومجاهد وابن جبير مدنية في قول قتادة إلا { ولا يزال الذين كفروا} وعنه من أولها إلى { ولو أن قرآنًا} وهي خمس وأربعون آية.

( بسم الله الرحمن الرحيم) .

( قال ابن عباس) : سقطت البسملة لغير أبي ذر وزاد واوًا قبل قال ابن عباس: ( { كباسط كفيه} ) يريد قوله تعالى: { له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه} [الرعد: 14] أي ( مثل المشرك الذي عبد مع الله إلهًا غيره) ولأبي ذر إلهًا آخر غيره ( كمثل العطشان الذي ينظر إلى خياله) ولأبي ذر: إلى ظل خياله ( في الماء من بعيد وهو يريد أن يتناوله ولا يقدر) أي عليه وهذا وصله ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ويجوز أن يراد بالموصول في قوله والذين يدعون المشركون فالواو في يدعون عائده ومفعوله محذوف وهو الأصنام والواو في لا يستجيبون عائد على مفعول يدعون المحذوف وعاد عليه الضمير كالعقلاء لمعاملتهم إياه معاملتهم، والتقدير والمشركون الذين يدعون الأصنام لا تستجيب لهم الأصنام إلا استجابة كاستجابة الماء من بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه ولا يقدر أن يجيبه ويبلغ فاه فوجه التشبيه عدم قدره المدعو على تحصيل مراده بل عدم العلم بحال الداعي أو شبهوه في عدم فائدة دعائهم بمن بلغه العطش حتى كربه الموت وكفاه في الماء قد وضعهما لا يبلغان فاه رواه
الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس أو كطالب الماء من البئر بلا دلو ولا رشاء يمدّ يده إليها ليرتفع الماء إليه.
رواه الطبري أيضًا من طريق أبي أيوب عن علي.

( وقال غيره) أي غير ابن عباس في قوله تعالى: ( { سخر} ) أي ( ذلل) الشمس والقمر لما يقصد منهما كتذليل المركوب للراكب أو لنيل منافعهما، وسقط هذا لأبي ذر، وفي اليونينية سخر ذلك بكاف بعد اللام وهي مصلحة في الفرع لامًا هو الذي رأيته في النسخ المعتمدة كنسخة آل ملك.

( { متجاورات} ) ومراده قوله تعالى: { وفي الأرض قطع متجاورات} [الرعد: 4] أي ( متدانيات) في الأوضاع مختلفة باعتبار كونها طيبة وسبخة رخوة وصلبة صالحة للزرع والشجر أو لأحدهما وغير صالحة لشيء مع أن تأثير الشمس وسائر الكواكب فيها على السواء فلم يكن ذلك بسبب الاتصالات الفلكية والحركات الكوكبية وكذلك أشجارها وزروعها مختلفة جنسًا ونوعًا وطعمًا مع أنها تسقى بماء واحد فلا بد من مخصص يخصص كلاًّ منها بخاصية دون أخرى وما ذلك إلا إرادة الفاعل المختار وفي نسخة هنا وقال مجاهد متجاورات طيبها عذبها وخبيثها السباخ هذا وصله أبو بكر بن المنذر من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.

( { المثلات} ) في قوله: { وقد خلت من قبلهم المثلات} [الرعد: 6] ولأبي ذر وقال غيره المثلات ( واحدها مثلة) بفتح الميم وضم المثلثة كسمرة وسمرات ( وهي الأشباه والأمثال) قال أبو عبيدة وعند الطبري من طريق معمر عن قتادة قال: المثلات العقوبات.
وقال ابن عباس: العقوبات المستأصلات كمثلة قطع الأذن والأنف ونحوهما وسميت بذلك لما بين العقاب والمعاقب من المماثلة كقوله: { وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40] ( وقال) تعالى: ( { إلا مثل أيام الذين خلوا} ) [يونس: 10] .

وقوله تعالى: { وكل شيء عنده} ( { بمقدار} ) [الرعد: 8] أي ( بقدر) لا يجاوزه ولا ينقص عنه والعندية يحتمل أن يكون المراد بها أنه تعالى خصص كل حادث بوقت معين وحالة معينة بمشيئته الأزلية وإرادته السردية وعند حكماء الإسلام أنه تعالى وضع أشياء كلية وأودع فيها قوى وخواص وحرّكها بحيث يلزم من حركاتها المقدرة بالمقادير المخصوصة أحوال جزئية متعينة ومناسبات مخصوصة متقدرة ويدخل في هذه الآية أفعال العباد وأحوالهم وخواطرهم وهي من أدل الدلائل على بطلان قول المعتزلة.

وقوله: له ( { معقبات} ) ولأبي ذر يقال معقبات أي ( ملائكة حفظة) يحفظونه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام من بين يديه ومن خلفه ليلاً ونهارًا ( تعقب) في حفظه ( الأولى منها الأخرى) فإذا صعدت ملائكة النهار عقبتها ملائكة الليل وبالعكس.

وأخرج الطبري من طريق كنانة العدوي أن عثمان سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن عدد الملائكة الموكلين بالآدمي فقال: لكل آدمي عشرة بالليل وعشرة بالنهار واحد عن يمينه وآخر عن شماله واثنان من بين يديه ومن خلفه واثنان على جبينه وآخر قابض على ناصيته فإن تواضع رفعه وإن تكبر وضعه واثنان على شفتيه ليس يحفظان عليه إلا الصلاة على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والعاشر يحرسه من الحية أن تدخل فاه يعني إذا نام.

( ومنه) أي ومن أصل المعقبات ( قيل العقيب) للذي يأتي في أثر الشيء ( يقال عقبت) ولأبي ذر قيل العقيب أي عقبت ( في أثره) بتشديد القاف في الفرع كأصله وضبطه الدمياطي.

قال الزمخشري: وأصل معقبات متعقبات فأدغمت التاء في القاف كقوله وجاء المعذرون أي المعتذرون ويجوز معقبات بكسر العين وتعقبه أبو حيان فقال هذا وهم فاحش فإن التاء لا تدعم في القاف ولا القاف في التاء لا من كلمة ولا من كلمتين وقد نص التصريفيون على أن القاف والكاف كل منهما يدغم في القاف ولا يدغمان في غيرها ولا يدغم غيرهما فيهما، وأما تشبيهه بقوله تعالى: { وجاء المعذرون} [التوبة: 90] فلا يتعين أن يكون أصله المعتذرون، وأما قوله ويجوز معقبات بكسر العين فهذا لا يجوز لأنه بناه على أن أصله معتقبات فأدغمت التاء في القاف، وقد بينا أن ذلك وهم فاحش والضمير في له يعود على المكررة أي لمن أسر القول ولمن جهر به ولمن استخفى ولمن سرب جماعة من الملائكة يعقب بعضهم بعضًا أو يعود على من الأخيرة وهو قول ابن عباس.
قال ابن عطية: فالمعقبات على هذا حرس الرجل الذين يحفظونه.
قالوا: والآية على هذا في الرؤساء الكفار، واختاره الطبري في آخرين إلا أن الماوردي ذكر على هذا التأويل أن الكلام نفي والتقدير لا يحفظونه، وهذا ينبغي أن لا يسمع البتة كيف يبرز كلام موجب ويراد به نفي وحذف لا إنما يجوز إذا كان المنفي مضارعًا في جواب قسم نحو تالله تفتأ وقد تقدم تحريره وإنما معنى الكلام كما قال المهدوي يحفظونه من أمر الله في زعمه وظنه اهـ.

ومن إما للسبب أي بسبب أمر الله أو على بابها.
قال أبو البقاء: من أمر الله من الجن والإنس وذكر الفراء أنه على التقديم والتأخير أي له معقبات من أمر الله يحفظونه لكن قال في الدر: والأصل عدم ذلك مع الاستغناء عنه وأخرج الطبري من طريق سعيد بن جبير قال حفظهم إياه من أمر الله.

( { المحال} ) يريد قوله: { وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال} [الرعد: 13] هو ( العقوبة) قاله أبو عبيدة.

( وقوله تعالى: { كباسط كفيه على الماء} [الرعد: 14] ليقبض على الماء) فلا يحصل منه على شيء قال:
فأصبحت مما كان بيني وبينها ... من الودّ مثل القابض الماء باليد
والمعنى أن الذي يبسط يده إلى الماء ليقبضه كما لا ينتفع به كذلك المشركون الذين يعبدون مع الله آلهة غيره لا ينتفعون بها أبدًا وقد مر قريبًا مزيد لهذا.

وقوله تعالى: { فاحتمل السيل زبدًا} ( { رابيًا} ) [الرعد: 17] ( من ربا يربو) أي إذا زاد وقال الزجاج: طافيًا فوق الماء والزبد وضر الغليان وخبثه أو ما يحمله السيل من غثاء ونحوه.

( { أو متاع زبد} مثله المتاع ما تمتعت به) كالأواني وآلات الحرث والحرب.

( { جفاء} ) قال أبو عمرو بن العلاء ( أجفأت القدر) ولأبي ذر يقال أجفأت القدر ( إذا غلت فعلاها الزبد ثم تسكن فيذهب الزبد بلا منفعة فكذلك يميز الحق من الباطل) وذلك أن هذا الكلام ضربه للحق وأهله الشامل للقرآن وغيره والباطل وحزبه فقوله: { أنزل من السماء ماء} مثل للقرآن والأودية مثل للقولب أي أنزل القرآن فاحتملت منه القلوب على قدر اليقين فالقلب الذي يأخذ منه ما ينتفع به فيحفظه ويتدبره تظهر عليه ثمرته ولا يخفى أن بين القلوب في ذلك تفاوتًا عظيمًا وقوله: { وأما الزبد} فهو مثل الباطل في قلة نفعه وسرعة زواله.

( { المهاد} ) في قوله: { ومأواهم جهنم وبئس المهاد} [الرعد: 18] هو ( الفراش) وهذا ساقط لأبي ذر ثابت لغيره.

( يدرؤون) في قوله: ( { ويدرؤون} ) [الرعد: ] أي ( يدفعون) السيئة بمقابلتها بالحسنة وهذا وصف سيدنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في التوراة فيندرج تحته الدفع بالحسن من الكلام والوصل في مقابلة قطع الأرحام وغيرهما من أخلاق الكرام وتغيير منكرات أفعال اللئام ( درأته عني) أي ( دفعته) وسقط لغير أبي ذر عني.

( { سلام عليكم} ) يريد قوله تعالى: { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم} [الرعد: 3] ( أي يقولون سلام عليكم) فأضمر القول ها هنا لأن في الكلام دليلاً عليه والقول المضمر حال من فاعل يدخلون أي يدخلون قائلين سلام عليكم بشارة بدوام السلامة.

( { وإليه متاب} ) [الرعد: 35] أي ( توبتي) .
ومرجعي فيثيبني على المشاق أو إليه أتوب عن سالف خطيئتي ولأبي ذر والمتاب إليه توبتي.

وقوله: ( { أفلم ييأس} ) [الرعد: 31] أي ( لم) ولأبي ذر فلم ( يتبين) وبها قرأ عليّ وابن عباس وغيرهما وردّه الفرّاء بأنه لم يسمع يئست بمعنى علمت وأجيب: بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ويدل على ذلك قراءة عليّ وغيره كما مر وقد قال القاسم بن معن وهو من ثقات الكوفيين: هي لغة هوازن وقال ابن الكلبي: هي لغة حيّ من النخع ومنه قول رباح بن عدي:
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه ... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
وقول سحيم الرياحي:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ... ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
والمعنى أفلم يعلم المؤمنون أنه لو تعلقت مشيئة الله تعالى على وجه الإلجاء بإيمان الناس جميعًا لآمنوا.

( { قارعة} ) أي ( داهية) تقرعهم وتقلقلهم.

( { فأمليت} ) أي ( أطلت) للذين كفروا المدة بتأخير العقوبة ( من الملي) بفتح الميم وكسر اللام
وتشديد التحتية قال في الصحاح الهويّ من الدهر يقال أقام مليًا من الدهر قال تعالى: { واهجرني مليًا} [مريم: 46] أي طويلاً ومضى مليّ من النهار أي ساعة طويلة ( والملاوة) بكسر الميم ولأبي ذر والملاوة بضمها يقال أقمت عنده ملاوة من الدهر أي حينًا وبرهة ( ومنه { مليًّا} ) كما مر ( ويقال للواسع الطويل من الأرض) : وهو الصحراء ( ملى) بفتح الميم مقصورًا كما في اليونينية وفرعها لأبي ذر وفي أصل اليونينية ملى كذا ( من الأرض) وسقط لأبي ذر من الأرض الثاني.

( { أشق} ) أي ( أشد من المشقّة) قاله أبو عبيدة.

( { معقب} مغير) يريد قوله: { لا معقب لحكمه} [الرعد: 41] أي لا مغير لإرادته ولا يعقبه أحد بالرد والإبطال.

( وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ( { متجاورات} طيبها وخبيثها السباخ) وهذا قد ثبت في نسخة قبل قوله المثلات كما مر.

( { صنوان} ) جمع صنو كقنوان جمع قنو ( النخلتان أو أكثر في أصل واحد) وفي الحديث "عم الرجل صنو أبيه" أي يجمعهما أصل واحد ( { وغير صنوان} ) النخلة ( وحدها { بماء واحد} كصالح بني آدم وخبيثهم) قال الحسن: هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم فقلب يرق فيخشع ويخضع وقلب يسهو ويلهو والكل ( أبوهم واحد) .

وقوله: ( { السحاب الثقال} ) يريد قوله تعالى: { وينشئ السحاب الثقال} [الرعد: 1] أي ( الذي فيه الماء) قال: والسحاب اسم جنس والواحد سحابة والثقال جمع ثقيلة لأنك تقول سحابة ثقيلة وسحاب ثقال كما تقول امرأة كريمة ونساء كرام وقال عليّ: السحاب غربال الماء.

وقوله تعالى: ( { كباسط كفيه} ) زاد أبو ذر إلى الماء أي ( يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدًا) إذ لا إشعار له به وهذا وصله الفريابي والطبري من طرق عن مجاهد وهو مثل الذين يدعون آلهة غير الله وسبق هذا في موضعين من هذه السورة ( { سالت} ) ولأبي ذر: فسالت ( { أودية بقدرها} تملأ بطن واد) ولأبي ذر كل واد بحسبه فهذا كبير يسع كثيرًا من الماء وهذا صغير يسع بقدره ( { زبدًا رابيًا} زبد السيل) : ولأبي ذر الزبد زبد السيل ولأبي ذر زبد مثله أي ومما توقدون عليه من الذهب والفضة والحديد وغيرهما زبد مثل زبد الماء هو ( خبث الحديد والحلية) وقوله زبد مثله ثابت لأبي ذر وسبق ما في ذلك من البحث قريبًا.