فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} [الفتح: 1]

باب { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({ إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} [الفتح: 1] الأكثرون على أنه صلح الحديبية، وقيل فتح مكة والتعبير عنه بالماضي لتحقّقه قال في الكشاف وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن المخبر ما لا يخفى اهـ.

قال الطيبي لأن هذا الأسلوب إنما يرتكب في أمر يعظم مناله ويعز الوصول إليه ولا يقدر على نيله إلا مَن له قهر وسلطان ولذا ترى أكثر أحوال القيامة واردة على هذا المنهج لأن فتح مكة من أمهات الفتوح وبه دخل الناس في دين الله أفواجًا وأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالاستغفار والتأهّب للمسير إلى دار القرار.
وقال مجاهد: فتح خيبر وقيل فتح الروم وقيل فتح الإسلام بالحجة والبرهان والسيف والسنان وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.


[ قــ :4570 ... غــ : 4833 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فُلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْ أُمُّ عُمَرَ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لاَ يُجِيبُكَ، قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ.
ثُمَّ قَرَأَ: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} ».

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي المدني مولى عمر (عن أبيه) أسلم المخضرم المتوفى سنة ثمانين وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة زاد البزار من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن مالك سمعت عمر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسير في بعض أسفاره) هو سفر الحديبية كما في حديث ابن مسعود عند الطبراني وظاهر قوله عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإرسال لأن أسلم لم يدرك هذه القصة لكن قوله في أثناء هذا الحديث فقال عمر فحركت بعيري الخ يقضي بأنه سمعه من عمر ويؤيده تصريح رواية البزار بذلك كما مر (وعمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (يسير معه ليلًا فسأله عمر بن الخطاب) سقط ابن الخطاب لأبي ذر (عن شيء فلم يجبه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لاشتغاله بما كان من نزول الوحي (ثم سأله) عمر (فلم يجبه) عليه الصلاة والسلام (ثم سأله فلم يجبه) تكرير السؤال ثلاثًا يحتمل أنه
خشي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن سمعه (فقال عمر بن الخطاب ثكلت) بفتح المثلثة وكسر الكاف أي فقدت (أم عمر) عمر دعا على نفسه بسبب ما وقع منه من الإلحاح.
وقال ابن الأثير: دعا على نفسه بالموت والموت يعمّ كل أحد فإذن الدعاء كلا دعاء ولأبي ذر عن الكشميهني ثكلتك أم عمر (نزرت) بزاي مفتوحة مخففة وتثقل فراء ساكنة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ألححت عليه وبالغت في السؤال ثلاث مرات (كل ذلك لا يجيبك قال) ولأبي ذر فقال (عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل فيّ القرآن) بتشديد ياء فيّ ولأبي ذر قرآن بإسقاط آلة التعريف (فما نشبت) بفتح النون وكسر المعجمة وبعد الموحدة الساكنة فوقية فما لبثت وما تعلقت بشيء (أن سمعت صارخًا) لم يسم (يصرخ بي فقلت لقد خشيت أن يكون نزل فيّ قرآن، فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلمت عليه فقال) أي بعد أن ردّ عليّ السلام:
(لقد أُنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس) لما فيها من البشارة بالمغفرة والفتح وغيرهما واللام في لهي للتأكيد (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام ({ إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} ) [الفتح: 1] .

وهذا الحديث أخرجه في المغازي.




[ قــ :4571 ... غــ : 4834 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قَالَ الْحُدَيْبِيَةُ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( محمد بن بشار) بالمعجمة المشدّدة بندار العبدي البصري قال: ( حدّثنا غندر) هو لقب محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( قال: سمعت قتادة) بن دعامة ( عن أنس -رضي الله عنه-) في قوله تعالى: ( { إنّا فتحنا لك فتحًا مبينًا} قال) هو ( الحديبية) أي الصلح الواقع فيها وجعله فتحًا باعتبار ما فيه من المصلحة وما آل الأمر إليه قال الزهري فيما ذكره في اللباب لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر سواد الإسلام.




[ قــ :4571 ... غــ : 4835 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ سُورَةَ الْفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا، قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَحْكِيَ لَكُمْ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَفَعَلْتُ.

وبه قال: ( حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي البصري قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( حدّثنا معاوية بن قرة) بالقاف المضمومة والراء المشدّدة المزني أبو إياس البصري ( عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة البصري أنه ( قال: قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يوم فتح مكة سورة الفتح فرجع فيها)
أي ردّد صوته القراءة زاد في التوحيد من طريق أخرى كيف ترجيعه قال آآآ ثلاث مرات وهو محمول على إشباع المد في موضعه كما قاله الطيبي.

ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى عند قوله باب: حسن الصوت بالقراءة.

( قال معاوية) هو ابن قرة بالسند السابق: ( لو شئت أن أحكي لكم قراءة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفعلت) .

وهذا الحديث قد ذكره في غزوة الفتح.