فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب فضل القرآن على سائر الكلام

باب فَضْلِ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلاَمِ
( باب فضل القرآن على سائر الكلام) هذه الترجمة كما نبّه عليه في الفتح لفظ حديث أخرج الترمذي معناه بسند رجاله ثقات إلا عطية الكوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يقول الرب عز وجل من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه" أي من شغله القرآن عن الذكر والمسألة اللذين ليسا في القرآن كالدعوات والدليل عليه التذييل بقوله وفضل كلام الله الخ وقال المظهري ينبغي أن لا يظن القارئ أنه إذا لم يطلب من الله حوائجه لا يعطيه أكمل الإعطاء فإنه من كان لله كان الله له.

وعن العارف أبي عبد الله بن خبيق قدّس الله سره شغل القرآن القيام بموجباته من إقامة فرائضه والاجتناب عن محارمه فإن الرجل إذا أطاع الله فقد ذكره وإن قلّ صلاته وصومه وإن عصاه نسيه وإن كثر صلاته وصومه وعند ابن الضريس من طريق الجراح بن الضحاك عن
علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رفعه "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" ثم قال: "وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه" وذلك أنه منه وقد بيّن العسكري أن هذه الزيادة من قول أبي عبد الرحمن السلمي.


[ قــ :4751 ... غــ : 5020 ]
- حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ أَبُو خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلاَ رِيحَ لَهَا.
وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ، وَلاَ رِيحَ لَهَا».
[الحديث 5020 - أطرافه في: 5059، 5427، 7560] .

وبه قال: ( حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال المهملة ( أبو خالد) وسقطت الكنية لأبي ذر قال: ( حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري قال: ( حدّثنا قتادة) بن دعامة السدوسي قال: ( حدّثنا أنس بن مالك) ثبت ابن مالك في رواية الأصيلي ( عن أبي موسى الأشعري) سقط قوله الأشعري لغير الأصيلي ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( مثل الذي يقرأ القرآن) ويعمل به ( كالأترجة) بضم الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء وفتح الجيم المشددة وتخفف ويزاد قبلها نون ساكنة وتحذف الهمزة مع الوجهين فهي أربعة ومع التخفيف ثمان ( طعمها طيب وريحها طيب) ومنظرها حسن وملمسها لين فاقع لونها تسرّ الناظرين تتوق إليها النفس قبل التناول يفيد أكلها بعد الالتذاذ بذوقها طيب نكهة ودباغ معدة وقوّة هضم ويستخرج من حبها دهن له منافع وحامضها يسكن غلمة النساء ويجلو اللون والكلف وقشرها في الثياب يمنع السوس ويتداوى به وهو مفرح بالخاصية وقيل إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج فناسب أن يمثل به قارئ القرآن الذي لا يقربه شيطان وغلاف قلبه أبيض فيناسب قلب المؤمن ( والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة) بالفوقية وسكون الميم ( طعمها طيب ولا ريح لها ومثل الفاجر) أي المنافق ( الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر) ونبّه في اليونينية أن قوله ومثل الفاجر الخ ثابت في أصل أي الوقت وأن سقوطه غلط ( ومثل الفاجر) أي المنافق "الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها".

قال شارح مشكاة المصابيح: إن هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وصف لموصوف اشتمل على معنى معقول صرف لا يبرزه عن مكنونه إلا تصويره بالمحسوس المشاهد، ثم إن كلام الله المجيد له تأثير في باطن العبد وظاهره وإن العباد متفاوتون في ذلك، فمنهم مَن له النصيب الأوفر من ذلك التأثير وهو المؤمن القارئ ومنهم مَن لا نصيب له البتّة وهو المنافق الحقيقي، ومنهم مَن تأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي أو بالعكس وهو المؤمن الذي لا يقرؤه وإبراز هذه المعاني
وتصويرها في المحسوسات ما هو مذكور في الحديث ولم يجد ما يوافقها ويلائمها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك لأن المشبهات والمشبه بها واردة على التقسيم الحاصر، لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن.
والثاني إما منافق صرف أو ملحق به، والأول إما مواظب على القراءة أو غير مواظب عليها، فعلى هذا قس الأثمار المشبه بها ووجه التشبيه في المذكورات مركب منتزع من أمرين محسوسين طعم وريح ثم إن إثبات القراءة في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ القرآن على صيغة المضارع ونفيها في قوله لا يقرأ ليس المراد منهما حصولها مرة ونفيها بالكلية بل المراد منهما الاستمرار والدوام عليها وإن القراءة دأبه وعادته أو ليس ذلك من هجيراه كقولك فلان يقري الضيف ويحمي الحرم اهـ.

وفي هذا الحديث فضيلة حامل القرآن، ومطابقته للترجمة من حيث ثبوت فضل قارئ القرآن على غيره فيستلزم فضل القرآن على سائر الكلام كما فضل الأترج على سائر الفواكه، وفيه رواية تابعي عن صحابي وصحابي عن صحابي، وهي رواية قتادة عن أنس عن أبي موسى.

وأخرجه أيضًا في التوحيد، ومسلم في الصلاة، وأبو داود في الأدب، والترمذي في الأمثال، والنسائي في الوليمة.




[ قــ :475 ... غــ : 501 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ بِقِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً، قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَذَاكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ شِئْتُ».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد ( عن يحيى) بن سعيد الأنصاري ( عن سفيان) الثوري أنه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( إنما أجلكم في أجل من) وللأصيلي ما ( خلا) مضى ( من الأمم كما بين) أجزاء وقت ( صلاة العصر ومغرب الشمس ومثلكم) مع نبيكم ( ومثل اليهود والنصارى) مع أنبيائهم ( كمثل رجل استعمل عمالًا فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط) مرتين لأبي ذر عن الكشميهني ولغيره مرة واحدة ( فعملت اليهود) إلى نصف النهار ( فقال من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر) وزاد الأصيلي على قيراط ( فعملت النصارى) إلى العصر ( ثم أنتم) أيها المسلمون ( تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين) بالتكرار مرتين واستكملوا أجْر الفريقين ( قالوا) أي اليهود والنصارى ( نحن أكثر عملًا) لأن الوقت من الصبح إلى العصر أكثر من وقت العصر إلى
الغروب ( وأقل عطاء قال: هل ظلمتكم) أي نقصتكم ( من حقكم) ؟ أي الذي شرطته لكم ( قالوا: لا) لم تنقصنا من أجْرنا شيئًا ( قال: فذاك) ولأبي ذر فذلك باللام ( فضلي أُوتيه مَن شئت) .

ومطابقة هذا الحديث من جهة ثبوت فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم وثبوت الفضل لها بما ثبت من فضل كتابها الذي أمرت بالعمل به.
وهذا الحديث سبق في باب مَن أدرك ركعة من العصر من كتاب الصلاة.