فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الرجل للرجل اخسأ

باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ اخْسَأْ
( باب) بيان ( قول الرجل للرجل اخسأ) بسكون الخاء المعجمة وفتح السين المهملة بعدها همزة ساكنة زجر وإبعاد لمن قال أو فعل ما لا ينبغي له مما يسخط الله تعالى أي اسكت سكوت ذل وهوان.


[ قــ :5843 ... غــ : 6172 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاِبْنِ صَائِدٍ «قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا فَمَا هُوَ»؟ قَالَ: الدُّخُّ قَالَ: «اخْسَأْ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: ( حدّثنا سلم بن زرير) بفتح السين المهملة وسكون اللام وزرير بفتح الزاي وكسر الراء بعدها تحتية ساكنة فراء أخرى العطاردي قال: ( سمعت أبا رجاء) بالجيم عمران بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة العطاردي مشهور بكنيته قال: ( سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما-) يقول ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابن صائد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لابن صياد بالتحتية المشددة.

( قد خبأت لك خبيئًا) ولأبي ذر خبأ أي أضمرت لك في صدري وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أضمر له في صدره الشريف يوم تأتي السماء بدخان مبين كما هو عند الإمام أحمد ( فما هو) ؟ ( قال) ابن صياد هو ( الدخ) أراد أن يقول: الدخان فلم يستطع أن يتمها على عادة الكهان من اختطاف بعض الكلمات من أوليائهم من الجن ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: ( اخسأ) وهي كلمة يزجر بها الكلب ويطرد أي اسكت صاغرًا مطرودًا.

والحديث من أفراده.




[ قــ :5844 ... غــ : 6173 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فِى أُطُمِ بَنِى مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ»؟ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ فَرَضَّهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ» ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ صَيَّادٍ: «مَاذَا تَرَى»؟ قَالَ: يَأْتِينِى صَادِقٌ وَكَاذِبٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا» قَالَ هُوَ الدُّخُّ؟ قَالَ: «اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ» قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْذَنُ لِى فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ يَكُنْ هُوَ لاَ تُسَلَّطُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِى قَتْلِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( سالم بن عبد الله أن) أباه ( عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- ( أخبره أن) أباه ( عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رهط) دون العشرة ( من أصحابه) -رضي الله عنهم- ( قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة جهة ( ابن صياد) لما ذكر أن عينه ممسوحة والأخرى ناتئة فأشفق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكون هو الدجال ( حتى وجده يلعب مع الغلمان في أطم) بضم الهمزة وسكون الطاء المهملة حصن ( بني مغالة) بفتح الميم والغين المعجمة وبعد الألف لام مفتوحة مخففة قبيلة من الأنصار ( وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر) أي ابن صياد ( حتى ضرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهره بيده ثم قال) له:
( أتشهد أني رسول الله؟ فنظر إليه) ابن صياد ( فقال: أشهد أنك رسول الأميين) العرب ( ثم قال ابن صياد) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أتشهد أني رسول الله فرضّه) بالضاد المعجمة المشددة فدفعه ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حتى وقع فتكسر يقال رض الشيء فهو رضيض ومرضوض وقال الخطابي: الصواب الصاد المهملة أي قبض عليه بثوبه فضم بعضه إلى بعض ( ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( آمنت بالله ورسله ثم قال لابن صياد) ليظهر كذبه المنافي لدعواه الرسالة ( ماذا ترى؟ قال: يأتيني صادق وكاذب.
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خلط عليك الأمر)
بضم الخاء المعجمة وتشديد اللام المكسورة أي خلط عليك شيطانك ما يلقي إليك ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني خبأت) أي أضمرت ( لك خبيئًا) شيئًا في صدري، ولأبي ذر: خبأ بسكون الموحدة وإسقاط التحتية، وعند الطبراني في الأوسط أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان خبأ له سورة الدخان وكأنه أطلق السورة وأراد بعضها ( قال) ابن صياد ( هو الدخ) فنطق ببعض الكلمة ( قال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( اخسأ) بهمزة وصل ( فلن تعدو قدرك) بالفوقية في تعدو فقدرك منصوب به أي لا تتجاوز قدرك وقدر أمثالك من الكهان الذين يحفظون من إلقاء الشيطان كلمة واحدة من جمل كثيرة أو بالتحتية فمرفوع أي لا يبلغ قدرك أن تطالع بالغيب من قبل الوحي المخصوص بالأنبياء ولا من قبل الإلهام، وإنما قال ابن صياد: هو الدخ بما ألقاه الشيطان إما لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلم بذلك بينه وبين نفسه فسمعه الشيطان أو حدّث به بعض أصحابه ( قال عمر) -رضي الله عنه-: ( يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه) بالجزم في أضرب مصححًا عليه في الفرع كأصله جواب الطلب.
( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن يكن هو) الدجال، ولأبي ذر عن الكشميهني أن يكنه بوصل الضمير وعلى رواية الفصل فهو تأكيد للضمير المستتر وكان تامة أو وضع هو موضع إياه أي إن يكن إياه ( لا تسلط عليه) لأن الذي يقتله إنما هو عيسى صلوات الله وسلامه عليه ( وإن لم يكن هو) بفصل الضمير ووصله كما مرّ ( فلا خير لك في قتله) ولم يأذن في قتله مع ادّعائه النبوّة لأنه كان غير بالغ أو لأنه كان في أيام مهادنة اليهود أو كان يرجو إسلامه.




[ قــ :5844 ... غــ : 6174 ]
- قَالَ سَالِمٌ: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِىُّ يَؤُمَّانِ النَّخْلَ الَّتِى فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَفِقَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَّقِى بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَهْوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِى قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ -أَوْ زَمْزَمَةٌ- فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَتَّقِى بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادٍ: أَىْ صَافِ وَهْوَ اسْمُهُ هَذَا مُحَمَّدٌ فَتَنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ».

(قال سالم): هو ابن عبد الله بن عمر بالإسناد المتقدم (فسمعت عبد الله بن عمر يقول: انطلق بعد ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي بعد انطلاقه هو وعمر في رهط (وأبي بن كعب الأنصاري) سقط الأنصاري لأبي ذر حال كونهما (يؤمّان) يقصدان (النخل التي فيها ابن صياد حتى إذا دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طفق) بكسر الفاء جعل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتقي) يخفي نفسه (بجذوع النخل) بالذال المعجمة حتى لا يراه (وهو) أي والحال أنه (يختل) بفتح التحتية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفوقية بعدها لام يستغفل (أن يسمع من ابن صياد شيئًا) من كلامه الذي يقوله في خلوته (قبل أن يراه) ابن صياد كي يعلم هو وأصحابه أهو كاهن أو ساحر (وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة) كساء له خمل (له فيها) في القطيفة (رمرمة) براءين مهملتين وميمين صوت خفي (أو زمزمة) بزايين معجمتين وميمين أيضًا ومعناهما واحد أو صوت تديره العلوج في خياشيهما وحلوقها من غير استعمال لسان ولا شفة فيفهم بعضها عن بعض والشك من الراوي (فرأت أم ابن صياد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد: أي صاف وهو اسمه هذا محمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فتناهى) عما كان فيه وسكت (ابن صياد.
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو تركته) أمه بحيث إنه لا يعلم بي (بين) لكم باختلاف كلماته ما يهون عليكم شأنه أو بيّن ما في نفسه.




[ قــ :5846 ... غــ : 6175 ]
- قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنِّى أُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِىٍّ إِلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّى سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِىٌّ لِقَوْمِهِ، تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ»
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: خَسَأتُ الكَلْبَ بَعَّدْتُهُ، خَاسِئِينَ مُبْعَدِينَ.

( قال سالم) : بالسند المذكور أولاً ( قال عبد الله) بن عمر: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الناس خطيبًا ( فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال) :
( إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه) ولأبي ذر أنذره قومه بإثبات الضمير ( لقد أنذره نوح قومه) خصّه بعد التعميم لأن نوحًا أبو البشر الثاني وذريته هم الباقون في الدنيا ( ولكني) بالتحتية بعد النون وسقطت الواو لأبي ذر وللكشميهني ولكن بحذف التحتية ( سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه تعلمون) بالخبر الصدق ( أنه أعور) عين اليمنى ( وأن الله ليس بأعور) واختلف السلف في أمر ابن صياد بعد كبره فروي أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى يراه الناس، وقيل لهم اشهدوا.
وكان ابن
عمر وجابر يحلفان أن ابن صياد هو الدجال لا يشكان فيه فقيل لجابر إنه أسلم فقيل إنه دخل مكة وكان بالمدينة فقال: وإن دخل مكة.
وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن جابر قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة وهذا يبطل رواية من روى أنه مات بالمدينة وصلي عليه قاله الخطابي.

( قال أبو عبد الله) المؤلّف ( خسأت الكلب) أي ( بعدته) بتشديد العين المهملة ( خاسئين) أي ( مبعدين) بضم الميم وسكون الموحدة وفتح العين قاله أبو عبيدة وهو ثابت في رواية المستملي والكشميهني.