فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين، والأنصار

باب إِخَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ
( باب إخاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الهمزة ( بين المهاجرين والأنصار) وعند ابن سعد أنه آخى بين
مائة: خمسين من المهاجرين وخمسين من الأنصار، وكان ذلك قبل بدر بخمسة أشهر في دار أنس
يأتي ذكر من سمي منهم إن شاء الله تعالى في باب: كيف آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أصحابه قبيل
المغازي بعون الله تعالى، وسقط لفظ باب لأبي ذر فما بعده رفع.


[ قــ :3604 ... غــ : 3780 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ.
قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالاً، فَأَقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ.
وَلِي امْرَأَتَانِ، فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَسَمِّهَا لِي أُطَلِّقْهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا.
قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، أَيْنَ سُوقُكُمْ؟ فَدَلُّوهُ عَلَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَمَا انْقَلَبَ إِلاَّ وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ.
ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ.
ثُمَّ جَاءَ يَوْمًا وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَهْيَمْ؟ قَالَ: تَزَوَّجْتُ.
قَالَ: كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ -أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ- شَكَّ إِبْرَاهِيمُ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( إبراهيم بن سعد) بسكون العين ( عن أبيه) سعد ( عن جده) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه ( قال: لما قدموا المدينة) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه، وهذا صورته صورة الإرسال لأن إبراهيم بن عبد الرحمن لم يشهد ذلك لكن المؤلّف ساق الحديث في أول البيع من طريق ظاهرها الاتصال وهي طريق عبد العزيز بن عبد الله حدّثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: قال عبد الرحمن بن عوف: لما قدّمنا المدينة ( آخى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة بالجنة ( و) بين ( سعد بن الربيع) بفتح الراء ابن عمرو بن أبي زهير الأنصارى الخزرجي النقيب ( قال) ولأبي ذر فقال: أي سعد ( لعبد الرحمن إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم مالي نصفين) وفي البيع
فأقسم لك نصف مالي ( ولي امرأتان) اسم إحداهما عمرة بنت حزم والأخرى لم تسم ( فانظر) في نفسك ( أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها) بالجزم جواب الأمر ( فإذا انقضت عدتها فتزوجها) بالجزم على الأمر ( قال) له عبد الرحمن ( بارك الله لك في أهلك ومالك) وفي البيع لا حاجة لي في ذلك ( أين سوقكم) بالجمع، ولأبي ذر: سوقك ( فدلوه على سوق بني قينقاع) بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فنون مضمومة وبعد القاف ألف فعين مهملة غير مصروف على إرادة القبيلة وبالصرف على إرادة الحي بطن من اليهود أضيف إليهم السوق ( فما انقلب) عبد الرحمن منه ( إلا معه فضل من أقط) بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن.
قال عياض: هو جبن اللبن المستخرج زبده، وخصه ابن الأعرابي بالضأن، وقيل لبن مجفف مستحجر يطبخ به ( وسمن ثم تابع الغدو) أي الذهاب في صبيحة كل يوم إلى السوق للتجارة ( ثم جاء يومًا وبه أثر صفرة) من الطيب الذي استعمله عند الزفاف ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له:
( مهيم) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح التحتية وسكون الميم كلمة يمانية أي: ما هذا؟ وقال بعض المتأخرين: أصلها ما هذا الأمر فاقتصر من كل كلمة على حرف لأمن اللبس ( قال) عبد الرحمن ( تزوّجت) زاد في الرواية اللاحقة كالتي في البيع امرأة من الأنصار ولم تسم نعم هي بنت أنس بن رافع الأنصاري الأوسي، وفي الأوسط للطبراني عن أبي هريرة -رضي الله عنه- بسند فيه ضعف أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد خضب بالصفرة فقال: ما هذا الخضاب أعرّست؟ قال: نعم ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( كم سقت إليها؟) مهرًا ( قال) : سقت إليها ( نواة من ذهب أو) قال: ( وزن نواة) أي خمسة دراهم ( من ذهب) وسقط من ذهب وهذه لأبي ذر ( شك إبراهيم) بن سعد الراوي.

ومرّ هذا الحديث في أول البيوع، ويأتي إن شاء الله تعالى زوائد فوائد قريبًا في الحديث التالي.




[ قــ :3605 ... غــ : 3781 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَآخَى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ -وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ- فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالاً، سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ.
فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَلَمْ؛ يَلْبَثْ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَهْيَمْ؟ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: مَا سُقْتَ فِيهَا؟ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ -أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ- فَقَالَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد أبو رجاء البلخي قال: ( حدّثنا إسماعيل بن جعفر)
الأنصاري ( عن حميد) الطويل ( عن أنس -رضي الله عنه- أنه قال: قدم علينا عبد الرحمن بن عوف) المدينة ( وآخى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينه وبين سعد بن الربيع) الخزرجي وعند عبد بن حميد من طريق ثابت عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين عثمان بن عفان فقال: عثمان لعبد الرحمن أن لي حائطين الحديث قال في الفتح وهو وهم من رواية زاذان ( وكان) سعد ( كثير المال فقال سعد) لعبد الرحمن: ( قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالاً سأقسم مالي بيني وبينك شطرين ولي امرأتان) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم امرأتي سعد إلا أن ابن سعد ذكر كان له من الولد أم سعد واسمها جميلة وأمها عمرة بنت حزم، وتزوج زيد بن ثابت أم سعد فولدت له ابنه خارجة فيؤخذ من هذا تسمية إحدى امرأتي سعد، وقال شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوي: أنه وجد تسمية الزوجة الثانية في تفسير مقاتل عند قوله: { الرجال قوّامون على النساء} [النساء: 34] وأنها حبيبة بنت زيد بن أنس زهير ( فانظر أعجبهما إليك فأطلقها) بالرفع لأجلك ( حتى إذا حلّت) بأن انقضت عدتها ( تزوجتها) بفوقية بعد الجيم الساكنة ( فقال) له ( عبد االرحمن: بارك الله لك في أهلك) زاد في السابقة ومالك ( فلم يرجع) فيه حذف اختصره الراوي، وهو قوله في الرواية السابقة أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع.
وزاد في أخرى في الوليمة فخرج إلى السوق فباع واشترى وفي رواية حماد فاشترى وباع فربح فلم يرجع ( يومئذٍ حتى أفضل) أي ربح ( شيئًا من سمن وإقط) وفي رواية زهير بن معاوية أول البيوع فأتي به أهل منزله ( فلم يلبث إلا يسيرًا حتى جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه وضر) بفتح الواو والمعجمة آخره راء أي لطخ ( من صفرة) أي صفرة خلوق والخلوق طيب يصنع من زعفران وغيره ( فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( مهيم) كلمة استفهام مبنية على السكون وهل هي بسيطة أم مركبة؟ قولان لأهل اللغة.

وقال ابن مالك: هي اسم فعل بمعنى أخبر، وفي الأوسط للطبراني فقال له: مهيم وكانت كلمته إذا أراد أن يسأل عن الشيء، وعند المصنف في رواية حماد بن زيد قال: ما هذا؟ ( قال: تزوّجت امرأة من الأنصار) قال البيضاوي: يحتمل أن يكون مهيم استفهامًا إنكاريًّا لما تقدم من النهي عن التضمخ بالخلوق، فأجابه بقوله تزوجت أي فتعلق بي منها ولم أقصده، ويأتي مزيد لهذا إن شاء الله تعالى في موضعه، وقد جزم الزبير بن بكار في كتاب النسب أن التي تزوجها بنت أبي الحيسر بفتح المهملتين بينهما تحتية ساكنة آخره راء واسمه أنس بن رافع الأوسي كما مرّ قريبًا ( فقال) عليه الصلاة والسلام له: ( ما سقت فيها؟) ولأبي ذر عن الكشميهني: إليها بدل فيها، وفي رواية حماد بن سلمة في الوليمة كم أصدقتها ( قال) عبد الرحمن: سقت إليها ( وزن نواة من ذهب أو نواة من ذهب) بالشك من الراوي كما مرّ.

واستنكر الداودي رواية وزن نواة ورجح الثانية وردّ عليه بأن في رواية شعبة عن عبد العزيز بن صهيب على وزن نواة وكذا لغيره بالجزم وهم أئمة حفاظ فلا وهم في الرواية لأنها وإن كانت نواة تمر أو غيره لها قدر معلوم يصلح أن يقال: وزن نواة، ولعل المراد نوى التمر كما
يوزن بنوى الخروب، وقيل كان القيمة عنها يومئذٍ خمسة دراهم، وقيل ربع دينار كذا قرره بعضهم.
وعورض بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معيارًا لما يوزن به.

وبقية مبحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في موضعه بعون الله وقوّته.

( فقال) عليه الصلاة والسلام له: ( أولم ولو بشاة) استدلّ به على تأكيد أمر الوليمة إذ إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر باستدراكها بعد انقضاء الدخول وباقي إن شاء الله تعالى اختلاف الأئمة هل وقتها عند العقد أو عقبه أو عند الدخول أو عقبه وموسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول.




[ قــ :3606 ... غــ : 378 ]
- حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَتِ الأَنْصَارُ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ النَّخْلَ، قَالَ: لاَ.
قَالَ: يَكْفُوننَا الْمَئُونَةَ وَيُشْرِكُونَنا فِي الثَّمْرِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا».

وبه قال: ( حدّثنا الصلت بن محمد) بفتح المهملة وسكون اللام آخره فوقية ( أبو همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى الخاركي بالخاء المعجمة وخارك من ساحل البصرة ( قال: سمعت المغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي المدني قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قالت الأنصار) : لما قدموا المدينة وزاد في باب إذا قال: اكفني مؤنة النخل من المزارعة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( اقسم بيننا وبينهم النخل) بسكون المعجمة وفي المزارعة بيننا وإخواننا ومرادهم المهاجرون ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( لا) أقسم ( قال) الأنصار لهم: أيها المهاجرون ( تكفونا) ولأبي ذر: يكفوننا بالتحتية وبالنونين ( المؤونة) في النخل بتعهده بالسقي والتربية ( وتشركونا) بفتح الفوقية والراء ونون واحدة وبضم الفوقية وكسر الراء ولأبي ذر ويشركوننا بالتحتية المضمومة وكسر الراء ( في التمر) بالمثناة الفوقية وسكون الميم أي يكون التمر بيننا وبينهم شركة، ولأبي ذر عن الكشميهني في الأمر بدل التمر أي الأمر الحاصل من ذلك وهو من قولهم أمر ماله بكسر الميم أي كثر ( قالوا) : أي المهاجرون للأنصار ( سمعنا وأطعنا) وإنما أبى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقسم بينهم النخل لأنه علم أن الفتوح ستفتح عليهم فكره أن يخرج عنهم شيئًا من رقبة نخيلهم التي بها قوامهم شفقة عليهم، ولما فهم الأنصار ذلك جمعوا بين المصلحتين امتثالاً لأمره عليه الصلاة والسلام ومواساة للمهاجرين.