فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة وتفسيرها «

باب الأَحْكَامِ الَّتِى تُعْرَفُ بِالدَّلاَئِلِ وَكَيْفَ مَعْنَى الدِّلاَلَةِ وَتَفْسِيرِهَا؟
وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْرَ الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ سُئِلَ عَنِ الْحُمُرِ فَدَلَّهُمْ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وَسُئِلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الضَّبِّ فَقَالَ: «لاَ آكُلُهُ وَلاَ أُحَرِّمُهُ».
وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الضَّبُّ فَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ.

(باب) بيان (الأحكام التي تعرف بالدلائل) ولأبي ذر عن الكشميهني بالدليل بالإفراد والدليل ما يرشد إلى المطلوب ويلزم من العلم به العلم بوجود المدلول والمراد بالأدلة الكتاب والسُّنَّة والإجماع والقياس والاستدلال.
وقال إمام الحرمين والغزالي.
ثلاثة فقط فأسقطا القياس والاستدلال فالإمام بناه على أن الأدلة لا تتناول إلا القطعي والغزالي خص الأدلة بالثمرة للأحكام فلهذا كانت ثلاثة وجعل القياس من طرق الاستثمار فإنه دلالة من حيث معقول اللفظ كلما أن العموم والخصوص دلالة من حيث صيغته (وكيف معنى الدلالة) بتثليث الدال وهي في عرف الشرع الإرشاد إلى أن حكم الشيء الخاص الذي لم يرد فيه نص داخل تحت حكم دليل آخر بطريق العموم (وتفسيرها) أي تبيينها وهو تعليم المأمور كيفية ما أمر به كتعليم عائشة -رضي الله عنها- للمرأة السائلة التوضؤ بالفرصة.

(وقد أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في أول أحاديث هذا الباب (أمر الخيل وغيرها، ثم سئل عن الحمر) بضمتين (فدلهم على قوله تعالى: ({ فمن} ) بالفاء ولأبي ذر من ({ يعمل مثقال ذرة خيرًا يره}
[الزلزلة: 7] ) إذ فيه إشارة إلى أن حكم الحمر وغيرها مندرج في العموم المستفاد منه (وسئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما في ثالث أحاديث هذا الباب (عن الضب) أيحل أكله (فقال: لا آكله ولا أحرمه.
وأُكل على مائدة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الضب فاستدل ابن عباس بأنه ليس بحرام) لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يقرّ على باطل.


[ قــ :6963 ... غــ : 7356 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِى لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَطَالَ فِى مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَصَابَتْ فِى طِيَلِهَا ذَلِكَ الْمَرْجِ وَالرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٍ وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِىَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ وَهِىَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَجْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِى رِقَابِهَا وَلاَ ظُهُورِهَا فَهْىَ لَهُ سِتْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً فَهِىَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ».
وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْحُمُرِ قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] .

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) الفقيه العدوي مولى عمر المدني (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر) بكسر الواو وسكون الزاي إثم (فأما الرجل الذي) هي (له أجر فرجل ربطها) للجهاد (في سبيل الله فأطال) في الحبل الذي ربطها به حتى تسرح للرعي ولأبي ذر عن الكشميهني فأطال لها (في مرج) بفتح الميم وبعد الراء الساكنة جيم موضع كلأ (أو روضة) بالشك من الراوي (فما أصابت) أي ما أكلت وشربت ومشت (في طيلها) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية في حبلها المربوطة به (ذلك المرج) ولأبي ذر والأصيلي من المرج (والروضة) ولأبي ذر أو الروضة (كان له) أي لصاحبها (حسنات) يوم القيامة (ولو أنها قطعت طيلها) حبلها المذكور (فاستنت) بفتح الفوقية والنون المشددة عدت بمرج ونشاط (شرفًا أو شرفين) بفتح الشين المعجمة والراء فيهما شوطًا أو شوطين (كانت آثارها) بمد الهمزة وبالمثلثة في الأرض بحوافرها عند خطواتها (وأرواثها حسنات له) يوم القيامة (ولو أنها مرت بنهر) بفتح الهاء وتسكن (فشربت منه) بغير قصد صاحبها (ولم يرد أن يسقي به) أي يسقيه والباء زائدة وللأصيلي أن تسقى بضم الفوقية وفتح القاف (كان ذلك) أي ذلك الشرب وإرادته (حسنات له وهي لذلك الرجل أجر ورجل ربطها تغنّيًا) بفتح الفوقية والمعجمة وكسر النون المشدّدة أي يستغني بها عن الناس والنصب على التعليل (وتعففًا) يتعفف بها عن الافتقار إليهم بما يعمل عليها ويكسبه على ظهرها (ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها) سقط لفظ لا لأبي ذر واستدلّ به الحنفية في
إيجاب الزكاة في الخيل وقال غيرهم أي يؤدي زكاة تجارتها وظهورها بأن يركب عليها في سبيل الله (فهي له ستر) تقيه من الفاقة (ورجل ربطها فخرًا) لأجل الفخر (ورياء) أي إظهارًا للطاعة والباطن بخلافه (فهي على ذلك وزر) إثم.

(وسئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحمر) هل لها حكم الخيل؟ ويحتمل أن يكون السائل صعصعة بن معاوية عم الفرزدق لحديث النسائي في التفسير وصححه الحاكم عنه بلفظ قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسمعته يقول: { من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره} [الزلزلة: 7] إلى آخر السورة.
قال: ما أبالي أن لا أستمع غيرها حسبي حسبي (قال: ما أنزل الله عليّ فيها إلا هذه الآية الفاذة) بالفاء وبعد الألف ذال معجمة مشدّدة القليلة المثل المنفردة في معناها (الجامعة) لكل خير وشر ({ فمن} ) بالفاء ولأبي ذر من ({ يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره} [الزلزلة: 7 - 8] ).
قال ابن مسعود: هذه أحكم آية في القرآن وأصدق، واتفق العلماء على عموم هذه الآية القائلون بالعموم ومن لم يقل به.
وقال كعب الأحبار: لقد أنزل الله تعالى إلى محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف: { فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره} .

والحديث سبق في الجهاد وعلامات النبوة والتفسير.




[ قــ :6964 ... غــ : 7357 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى) هو ابن جعفر البيكندي كما جزم به الكلاباذي والبيهقي أو هو ابن موسى البلخي قال: ( حدّثنا ابن عيينة) سفيان بن أبي عمران ميمون الهلالي أبو محمد الكوفي ثم المكلي الحافظ الفقيه الحجة ( عن منصور ابن صفية) اسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن عبد الدار العبدري الحجبي المكي ثقة أخطأ ابن حزم في تضعيفه ( عن أمه) صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية لها رؤية وحديث عن عائشة وغيرها من الصحابة وفي البخاري التصريح بسماعها من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنكر الدارقطني إدراكها ( عن عائشة) -رضي الله عنها- ( أن امرأة) اسمها أسماء بنت شكل بفتح المعجمة والكاف بعدها لام ( سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال المؤلّف.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَتْنِى أُمِّى عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْحَيْضِ كَيْفَ تَغْتَسِلُ مِنْهُ؟ قَالَ: «تَأْخُذِينَ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِينَ بِهَا».
قَالَتْ: كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَوَضَّئِى».
قَالَتْ: كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَوَضَّئِينَ بِهَا».
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَرَفْتُ الَّذِى يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَذَبْتُهَا إِلَىَّ فَعَلَّمْتُهَا.

( حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا ( محمد هو ابن عقبة) بضم العين وسكون القاف الشيباني الكوفي يكنى أبا عبد الله فيما جزم به الكلاباذي وهو من قدماء شيوخ البخاري ولفظ الحديث له، وسقط لأبي ذر هو فقط قال: ( حدّثنا الفضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ( ابن سليمان) بضم السين وفتح اللام ( النميري) بضم النون وفتح الميم أبو سليمان البصري قال: ( حدّثنا منصور بن عبد الرحمن بن شيبة) قال الحافظ ابن حجر: وقع هنا منصور بن عبد الرحمن بن شيبة وشيبة إنما هو جد منصور لأمه لأن أمه صفية بنت شيبة بن عثمان بن طلحة الحجبي وعلى هذا فيكتب ابن شيبة بالألف وبالرفع كإعراب منصور لأنه صفته لا إعراب عبد الرحمن فهو نسبة إلى أبي أمه والذي في اليونينية بكسر النون فقط صفة لسابقه قال: ( حدّثتني) بالإفراد ( أمي) صفية بنت شيبة ( عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة) هي أسماء كما مرّ قريبًا ( سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي الوقت رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحيض كيف نغتسل منه) ؟ بنون مفتوحة وكسر السين ولأبي ذر يغتسل بتحتية مضمومة بدل النون وفتح السين وفي نسخة بالمثناة الفوقية المفتوحة ( قال) :
( تأخذين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تأخذي بحذف النون والأول هو الصواب ( فرصة) بتثليث الفاء وسكون الراء وبالصاد المهملة قطعة من قطن ( ممسكة) مطيبة بالمسك ( فتوضئين بها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فتوضئي بها بحذف النون أي وضوًا لغويًّا أي تنظفي بها ( قالت: كيف أتوضأ بها يا رسول الله؟ قال) ولأبي ذر فقال ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: توضئين) ليس هنا بها ( قالت: كيف أتوضأ بها يا رسول الله؟ قال) : ولأبي ذر فقال ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: توضئين) وللكشميهني توضئي بها ( بها.
قالت عائشة)
-رضي الله عنها- ( فعرفت الذي يريد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بقوله توضئي بها ( فجذبتها) بالذال المعجمة ( إليّ) بتشديد الياء ( فعلمتها) .

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله توضئي بها فإنه وقع بيانه للسائلة بها فهمته عائشة -رضي الله عنها- وأقرها-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك لأن السائلة لم تكن تعرف أن تتبع الدم بالفرصة يسمى توضؤًا فلما فهمت عائشة غرضه بيّنت للسائلة ما خفي عليها من ذلك فالمجمل يوقف على بيانه من القرائن وتختلف الأفهام في إدراكه.

وسبق هذا الحديث في الطهارة بلفظ سفيان بن عيينة.




[ قــ :6965 ... غــ : 7358 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا، فَدَعَا بِهِنَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ فَتَرَكَهُنَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَالْمُتَقَذِّرِ لَهُ، وَلَوْ كُنَّ حَرَامًا مَا أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ وَلاَ أَمَرَ بِأَكْلِهِنَّ.

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح ( عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية ( عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم
أحد الأعلام ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( أن أم حفيد) بضم الحاء المهملة وفتح الفاء وبعد التحتية الساكنة دال مهملة هزيلة بضم الهاء وفتح الزاي مصغر هزلة ( بنت الحارث بن حزن) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها نون الهلالية أخت ميمونة أم المؤمنين وخالة ابن عباس ( أهدت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمنًا وإقطًا) لبنًا مجمدًا ( وأَضُبًّا) بهمزة مفتوحة فصاد معجمة مضمومة جمع ضب وللكشميهني وضبًّا بفتح الضاد بلفظ الإفراد ( فدعا بهن) أو به ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأكلن) أو فأكل ( على مائدته فتركهن) أو تركه ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كالمتقذر له) بالقاف والذال المعجمة المشددة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لهن ( ولو كن) أي الأضب ( حرامًا ما أكلن) ولأبي ذر عن الكشميهني ولو كان أي الضب حرامًا ما أكل ( على مائدته ولا أمر بأكلهن) أو بأكله.
ومطابقته ظاهرة.




[ قــ :6966 ... غــ : 7359 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً، فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِى بَيْتِهِ».
وَإِنَّهُ أُتِىَ بِبَدْرٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِى طَبَقًا فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ عَنْهَا، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ فَقَالَ: قَرِّبُوهَا فَقَرَّبُوهَا إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ: «كُلْ فَإِنِّى أُنَاجِى مَنْ لاَ تُنَاجِى».
.

     وَقَالَ  ابْنُ عُفَيْرٍ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ وَأَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ قِصَّةَ الْقِدْرِ، فَلاَ أَدْرِى هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِىِّ أَوْ فِى الْحَدِيثِ.

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر بن الطبراني المصري الحافظ قال: ( حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: ( أخبرني) بالإفراد ( يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن سلم الزهري أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة المخففة ( من جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( مَن أكل ثومًا) بضم المثلثة ( أو بصلاً فليعتزلنا) جواب الشرط أي فليعتزل الحضور عندنا والصلاة معنا ( أو ليعتزل مسجدنا) عامّ في جميع المساجد ويؤيده الرواية الأخرى مساجدنا بلفظ الجمع فيكون لفظ الإفراد للجنس أو هو خاص بمسجده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكونه مهبط الملك بالوحي ( وليقعد) ولأبي ذر عن الكشميهني: أو ليقعد ( في بيته) فلا يحضر المساجد والجماعات وليصل في بيته فإن ذلك عذر له عن التخلف ( وإنه) بكسر الهمزة ( أتي) بضم الهمزة عليه الصلاة والسلام ( ببدر) بفتح الموحدة وسكون الدال المهملة بعدها راء ( قال ابن وهب) عبد الله ( يعني طبقًا فيه) بقول ( خضرات) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين وسمي الطبق بدرًا لاستدارته كاستدارة القمر وللأصيلي خضرات بضم الخاء وفتح الضاد وهو مبتدأ مسوّغهُ تقدم الخبر في المجرور والجملة في محل الصفة لبدر، وهو مسوّغ ثانٍ والخضرات جمع خضرة العشب الناعم ( من يقول فوجد) بفتحات أصاب ( لها ريحًا) كريهة كالبصل والثوم والفجل ( فسأل عنها) بفتح السين والفاء سببية أي
بسبب ما وجد من الريح سأل وفاعل سأل ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فأخبر) بضم الهمزة وكسر الموحدة مبنيًّا للمجهول والمفعول الذي لم يسم فاعله ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو هنا يتعدى إلى الثالث بحرف الجر وهو قوله ( بما فيها من البقول) وما موصول والعائد ضمير الاستقرار وضمير فيها يعود على الخضرات أي أخبر بما اختلط فيها وتكون في مجازًا في الظرف ( فقال) عليه الصلاة والسلام ( قربوها) أي إلى فلان ففيه حذف ( فقربوها إلى بعض أصحابه كان معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا منقول بالمعنى لأن لفظه عليه الصلاة والسلام قربوها لأبي أيوب فكان الراوي لم يحفظه فكنى عنه وعلى تقدير أن لا يكون عينه ففيه التفات لأن الأصل أن يقول إلى بعض أصحابي وقوله كان معه من كلام الراوي ( فلما رآه كره أكلها) بفتح الهمزة وفاعل رآه يعود على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضمير المفعول على الذي قرّب إليه وضمير كره يعود على الرجل وجملة كله في محل الحال من مفعول رأى لأن الرؤية بصرية وجواب لما قوله ( قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للرجل ( كل فإني أناجي من لا تناجي) من الملائكة.

( وقال) وسقط الواو لأبي ذر ( ابن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء وهو سعيد بن كثير بن عفير شيخ المؤلّف ( عن ابن وهب) عبد الله ( بقدر) بكسر القاف وسكون الدال المهملة ( فيه خضرات) بفتح الخاء وكسر الضاد وللأصيلي خضرات بضم ثم فتح بدل من ببدر ( ولم يذكر الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي في الزهريات ( وأبو صفوان) عبد الله بن سعيد الأموي فيما وصله في الأطعمة في روايتهما ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( قصة القدر فلا أدري هو من قول الزهري) محمد بن مسلم مدرجًا ( أو) هو مروي ( في الحديث) وقد بالغ بعضهم فقال: إن لفظة القدر بالقاف تصحيف وسبب ذلك استشكال القدر فإنه يُشعِر بأنه مطبوخ وقد ورد الإذن بأكلها مطبوخة، ويمكن الجواب بأن ما في القدر قديمات بالطبخ حتى تذهب رائحته الكريهة أصلاً، وقد لا ينتهي به إلى ذلك فتحمل هذه الرواية الصحيحة على الحالة الثانية بل يجوز أن يكون قد جعل في القدر على نية أن يطبخ ثم اتفق أن أُتي به قبل الطبخ لكن أمره بالتقريب لبعض أصحابه ببعد هذا الاحتمال ولكن مع هذه الاحتمالات لا يبقى إشكال يُفضي إلى جعله مصحفًا أو ضعيفًا.

والحديث سبق في الصلاة في باب ما جاء في أكل الثوم النّيء.




[ قــ :6967 ... غــ : 7360 ]
- حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى وَعَمِّى قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّ أَبَاهُ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَلَّمَتْهُ فِى شَىْءٍ، فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ قَالَ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِى فَأْتِى أَبَا بَكْرٍ».

زَادَ الْحُمَيْدِىُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ كَأَنَّهَا تَعْنِى الْمَوْتَ.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( عبيد الله) بضم العين ( ابن سعد بن إبراهيم) بن سعد بسكون
العين فيهما ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو الفضل البغدادي قاضي أصبهان قال: ( حدّثنا أبي) سعد ( وعمي) يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ( قالا) أي قال كلٌّ منهما ( حدّثنا أبي) إبراهيم ( عن أبيه) سعد قال ( أخبرني) بالإفراد ( محمد بن جبير أن أباه جبير بن مطعم) القرشي النوفلي ( أخبره أن امرأة من الأنصار) أي تسمّ وسقط من اليونينية والملكية لفظ من الأنصار ( أتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكلمته في شيء) يعطيها ( فأمرها بأمر) وفي مناقب أبي بكر فأمرها أن ترجع إليه ( فقالت: أرأيت) أي أخبرني ( يا رسول الله إن لم أجدك.
قال)
عليه الصلاة والسلام:
( إن لم تجديني فائتي أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه- ( زاد الحميدي) عبد الله بن الزبير على الحديث السابق ولأبى ذر زاد لنا الحميدي ( عن إبراهيم بن سعد) المذكور بالسند المذكور ( كأنها تعني) بقولها إن لم أجدك ( الموت) أي إن جئت فوجدتك قد من ماذا أفعل؟ قال في الكواكب: ومناسبة هذا الحديث للترجمة أنه يستدل به على خلافة أبي بكر لكن بطريق الإشارة لا التصريح.

والحديث سبق في مناقب أبي بكر.


بسم الله الرحمن الرحيم

باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، عَنْ شَىْءٍ»
( بسم الله الرحمن الرحيم) .

سقطت البسملة لأبي ذر.

( باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تسألوا أهل الكتاب) اليهود والنصارى ( عن شيء) مما يتعلق بالشرائع لأن شرعنا غير محتاج لشيء فإذا لم يوجد فيه نص ففي النظر والاستدلال غنى عن سؤالهم.
نعم لا يدخل في النهي سؤالهم عن الأخبار المصدقة لشرعنا والأخبار عن الأمم السالفة وكذا سؤال من آمن منهم.


[ قــ :6967 ... غــ : 7361 ]
- وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ كَعْبَ الأَحْبَارِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلاَءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ، عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ.

( وقال أبو اليمان) شيخ المؤلّف الحكم بن نافع ولم يقل حدّثنا أبو اليمان إما لكونه أخذه عنه مذاكرة أو لكونه أثرًا موقوفًا.
نعم أخرجه الإسماعيلي عن عبد الله بن العباس الطيالسي عن البخاري قال: حدّثنا أبو اليمان ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم.
قال في الفتح: فظهر أنه مسموع له وترجح الاحتمال الثاني وكذا هو في التاريخ الصغير للمؤلّف قال: حدّثنا أبو اليمان قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد
( حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء مصغرًا ابن عوف أنه ( سمع معاوية) بن أبي سفيان ( يحدّث رهطًا من قريش بالمدينة) لما حج في خلافته وقال ابن حجر: لم أقف على تعيين الرهط.

( وذكر كعب الأحبار) بن ماتع بالفوقية بعدها عين مهملة ابن عمرو بن قيس من آل ذي رعين وقيل ذي الكلاع الحميري وكان يهوديًّا عالمًا بكتبهم أسلم في عهد عمر أو أبي بكر أو في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتأخرت هجرته والأول أشهر ( فقال) أبي معاوية ( إن كان) كعب ( من أصدق هؤلاء المحدّثين الذين يحدّثون عن أهل الكتاب) ممن هو نظير كعب ممن كان من أهل الكتاب وأسلم ( وإن كنّا مع ذلك لنبلو) بالنون لنختبر ( عليه الكذب) الضمير المخفوض بعلى يعود على كعب الأحبار يعني أنه يخطئ فيما يقوله في بعض الأحيان ولم يرد أنه كان كذابًا كذا ذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقيل إن الهاء في عليه راجعة إلى الكتاب من قوله: إن كان من أصدق هؤلاء المحدّثين الذين يحدّثون عن أهل الكتاب، وذلك لأن كتبهم قد بدلت وحرّفت وليس عائدًا على كعب.
قال القاضي عياض: وعندي أنه يصح عوده على كعب أو على حديثه وإن لم يقصد الكذب أو يتعمده كعب إذ لا يشترط في الكذب عند أهل السُّنّة التعمد بل هو إخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه وليس في هذا تجريح لكعب بالكذب، وقال ابن الجوزي: يعني أن الكذب فيما يخبر به عن أهل الكتاب لا منه فالأخبار التي يحكيها عن القوم يكون في بعضها كذب فأما كعب الأحبار فهو من خيار الأحبار، وأخرج ابن سعد من طريق عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال: قال معاوية إلا أن كعب الأحبار أحد العلماء إن كان عنده لعلم كالثمار وإن كنا فيه لمفرّطين.