فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: لا يفرق بين اثنين يوم الجمعة

باب لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
هذا ( باب) بالتنوين ( لاّ يفرّق) الداخل المسجد ( بين اثنين يوم الجمعة) لا: ناهية، والفعل من التفريق مبني للفاعل أو المفعول.

والتفرقة تتناول، أمرين أحدهما: التخطي، والثاني: أن يزحزح رجلين عن مكانهما ويجلس بينهما.

فأما الأوّل: فهو مكروه لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رأى رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال له: "اجلس، فقد آذيت وآنيت".
أي تأخرت.
رواه ابن ماجة، والحاكم وصححاه.

وفي الطبراني أنه عليه الصلاة والسلام قال لرجل: "رأيتك تتخطى رقاب الناس وتؤذيهم، من آذى مسلمًا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله".

وللترمذي: "من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرًا إلى جهنم".
قال العراقي: المشهور: اتخذ مبنيًّا للمفعول، أي: يجعل جسرًا على طريق جهنم ليوطأ، ويتخطى كما تخطى رقاب الناس، فإن الجزاء من جنس العمل، ويحتمل أن يكون على بناء الفاعل، أي: اتخذ لنفسه جسرًا يمشي عليه إلى جهنم بسبب ذلك.

ولأبي داود، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه رفعه: "ومن تخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا"، أي: لا تكون له كفّارة لما بينهما.

نعم: لا يكره للإمام إذا لم يبلغ المحراب إلاّ بالتخطي لاضطراره إليه، ومن لم يجد فرجة بأن لم يبلغها إلاّ بتخطي صف أو صفين، فلا يكره، وإن وجد غيرها لتقصير القوم بإخلاء الفرجة، لكن يستحب له إن وجد غيرها أن لا يتخطى.

وهل الكراهة المذكورة للتنزيه أم للتحريم؟ صرّح بالأول في المجموع، ونقل الشيخ أبو حامد الثاني عن نص الشافعي رحمه الله، واختاره في الروضة في: الشهادات، وقيد المالكية والأوزاعي الكراهة بما إذا كان الإمام على المنبر لحديث أحمد الآتي:
وأما الثاني: وهو، أن يزحزح رجلين عن مكانهما ويجلس بيهما، فيأتي إن شاء الله تعالى في الباب التالي.


[ قــ :883 ... غــ : 910 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ وَدِيعَةَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ، ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الإِمَامُ أَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى».


وبالسند قال: ( حدّثنا عبدان) هو ابن عبد الله بن عثمان المروزي ( قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك ( قال: أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا ( ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن ( عن سعيد المقبري) بضم الموحدة ( عن أبيه) أبي سعيد، كيسان ( عن ابن وديعة) بفتح الواو، عبد الله ( عن سلمان الفارسي) رضي الله عنه، ولابن عساكر: حدّثنا سلمان الفارسي ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( من اغتسل يوم الجمعة، وتطهر بما استطاع من طهر) كقص الشارب، وقلم الظفر، وحلق العانة، وتنظيف الثياب ( ثم ادّهن) بتشديد الدال: طلى جسده به ( أو مسَّ من طيب) بأو التي للتفصيل ( ثم راح) ذهب إلى صلاة الجمعة ( فلم) بالفاء، وللأصيلي: ولم ( يفرق) في المسجد ( بين اثنين) بالتخطي أو بالجلوس بينهما، وهو كناية عن التبكير، كما مرّ، لأنه إذا بكر لا يتخطى ولا يفرق ( فصلّى ما كتب له) أي فرض من صلاة الجمعة، أو ما قدره فرضًا أو نفلاً ( ثم إذا خرج الإمام أنصت) لسماع الخطبة، ( غفر له ما بينه) أي بين يوم الجمعة الماضية ( وبين) يوم ( الجمعة الأخرى) المستقبلة.

والحديث سبق في باب الدهن للجمعة مع شرحه.