فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125]

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]
(باب قوله تعالى: { واتخذوا} بكسر الخاء على الأمر أي وقلنا لهم: اتخذوا { من مقام إبراهيم مصلّى} [البقرة: 125] مدّعى يدعى عنده، وقال البرماوي موضع صلاة.
وتعقب بأنه لا يصلى فيه بل عنده، ويترجح القول الأول بأنه جار على المعنى اللغوي والغرض البيت لا المقام لأن مَن صلّى إلى الكعبة لغير جهة المقام فقد أدّى فرضه، والأمر في: واتخذوا للاستحباب كما لا يخفى، ومقام إبراهيم هو الحجر الذي فيه أثر قدمه.
وقال مجاهد: المراد بمقام إبراهيم الحرم كله، وقرأ نافع وابن عامر { واتّخذوا} بفتح الخاء بلفظ الماضي عطفًا على جعلنا البيت مثابة للناس وأمنًا واتخذوا.


[ قــ :390 ... غــ : 395 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ الْعُمْرَةَ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
[الحديث 495 - أطرافه في: 1623، 1627، 1645، 1647، 1793] .

وبالسند قال: (حدّثنا الحميدي) بضم الحاء وفتح الميم عبد الله بن الزبير القرشي المكّي (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا عمرو بن دينار) بفتح العين المكي (قال):

(سألنا عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (عن رجل طاف بالبيت العمرة) بالنصب للمستملي والحموي أي طواف العمرة ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وللأربعة للعمرة بلام الجر أي لأجل العمرة (ولم يطف) أي لم يسع (بين الصفا والمروة أيأتي) أي هل حلّ من إحرامه حتى يجوز له أن يجامع (امرأته) ويفعل غير ذلك من محرمات الإحرام أم لا؟ (فقال) عبد الله بن عمر مجيبًا له: (قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فطاف بالبيت سبعًا، وصلّى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة، وقد

كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة) فأجاب ابن عمر بالإشارة إلى وجوب اتباعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لا سيما وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خذوا عني مناسككم).




[ قــ :390 ... غــ : 396 ]
- وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: لاَ يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
[الحديث 396 - أطرافه في: 164، 1646، 1794] .

قال عمر بن دينار: ( وسألنا جابر بن عبد الله) الأنصاري عن ذلك ( فقال) ( لا يقربنّها) جملة فعلية مؤكدة بالنون الثقيلة ( حتى يطوف بين الصفا والمروة) فأجاب بصريح النهي.
ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في الحج.

ورواة هذا الحديث الثلاثة مكيّون، وفيه التحديث والسؤال وهو من مسند ابن عمر لا من مسند جابر لأنه لم يرفعه وأخرجه المؤلّف في الحج وكذا مسلم والنسائي وابن ماجة.




[ قــ :391 ... غــ : 397 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَيْفٍ -يعني ابن سليمان- قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا قَالَ: "أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْكَعْبَةَ.
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْتُ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ خَرَجَ، وَأَجِدُ بِلاَلاً قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَسَأَلْتُ بِلاَلاً فَقُلْتُ: أَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إِذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ".
[الحديث 397 - أطرافه في: 468، 504، 505، 506، 1167، 1598، 1599، 988، 489، 4400] .

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن سيف) بفتح السين زاد ابن عساكر يعني ابن أبي سليمان كما في الفرع المخزومي المكّي (قال: سمعت مجاهدًا) الإمام المفسّر (قال):
(أُتي ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (فقيل له) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسم هذا القائل (هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل الكعبة.
فقال ابن عمر: فأقبلت والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد خرج) من الكعبة (وأجد بلالاً) حال كونه (قائمًا بين البابين) أي مصراعي الباب، إذ لم يكن للكعبة يومئذ إلاّ باب.
وفي رواية الحموي: بين الناس بالنون والسين المهملة بدل البابين.

قال في الفتح: وهي أوضح وعبّر بالمضارع في قوله وأجد حكاية عن الحال الماضية أو استحضارًا لتلك الصورة حتى كأن المخاطب يشاهدها، وإلاّ فكان المناسب للسياق أن يقول: ووجدت (فسألت بلالاً فقلت أصلى) بهمزة الاستفهام، ولأبي ذر والأصيلي صلّى بإسقاطها (النبي) وللأصيلي وحده رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكعبة، قال: نعم) صلّى (ركعتين بين الساريتين) تثنية سارية وهي الأسطوانة (اللتين على يساره) أي الداخل أو يسار البيت أو هو من الالتفات ولأبي ذر عن الكشميهني يسارك بالكاف وهي أنسب لقوله: (إذا دخلت ثم خرج) من البيت (فصلّى في وجه) مواجهة (الكعبة

ركعتين) عند مقام إبراهيم، وبذلك تحصل المطابقة لترجمة أو جهة الباب عمومًا، وقد أجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال لأنه مثبت ومعه زيادة علم، فوجب ترجيح روايته على النافي كأسامة، وسبب نفيه اشتغاله بالدعاء في ناحية من نواحي البيت غير التي كان فيها الرسول مع غلق الباب وكان بلال قريبًا منه عليه الصلاة والسلام، فخفي على أسامة (لبعده واشتغاله ما شاهده بلال لقربه وجاز له النفي عملاً بالظن، أو أنه عليه الصلاة دخل البيت مرتين مرة صلّى ومرة دعا ولم يصلّ.

ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري ومكّي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الحج والصلاة والجهاد ومسلم في الحج وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة.





[ قــ :39 ... غــ : 398 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ.
فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قُبُلِ الْكَعْبَةِ.

     وَقَالَ : هَذِهِ الْقِبْلَةُ».
[الحديث 398 - أطرافه في: 1601، 3351، 335، 488] .

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبة إلى جدّه لشهرته به وإلاّ فأبوه إبراهيم السعدي ( قال: حدّثنا عبد الرزّاق) بن همام ( قال: أخبرنا) وللأصيلي وأبي الوقت حدّثنا ( ابن جريح) نسبة إلى جدّه لشهرته به واسمه عبد الملك بن عبد العزيز ( عن عطاء) هو ابن أبي رباح ( قال: سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما ( قال) :
( لما دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البيت دعا في نواحيه كلها) جمع ناحية وهي الجهة ( ولم يصل) فيه ( حتى
خرج منه)
ورواية بلال المثبت أرجح من نفي ابن عباس هذا، لا سيما أن ابن عباس لم يدخل، وحينئذٍ فيكون مرسلاً لأنه أسنده عن غيره ممن دخل مع النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-الكعبة فهو مرسل صحابيّ، ( فلما خرج) عليه الصلاة والسلام منه ( ركع) أي صلّى ( ركعتين) فأطلق الجزء وأراد به الكل ( في قبل الكعبة) وما استقبله منها وهو وجهها بضم القاف والموحدة وقد تسكن ( وقال) عليه الصلاة والسلام ( هذه) أي الكعبة هي ( القبلة) التي استقر الأمر على استقبالها فلا تنسخ كما نسخ بيت المقدس أو علمهم بذلك سنة موقف الإمام في وجهها دون أركانها وجوانبها الثلاثة، وإن كان الكل جائزًا أو أن من حكم من شاهد البيت وجوب مواجهة عينه جزمًا بخلاف الغائب أو أن الذي أمرتم باستقباله ليس هو الحرم كله ولا مكة ولا المسجد حول الكعبة بل الكعبة نفسها.

ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مدني وصنعاني ومكّي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع، وأخرجه مسلم في المناسك والنسائي.