فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب المحاربين من أهل الكفر والردة

باب المحاربين من أهل الكفر والردة
( باب المحاربين) بكسر الراء ( من أهل الكفر والردة) زاد النسفيّ في روايته ومن يجب عليه الحدّ في الزنا.

قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] .

( وقول الله تعالى) : بثبوت الواو والجرّ لأبي ذر ولغيره قول الله تعالى بالحذف والرفع على الاستئناف ( { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} ) يحاربون الله أي يحاربون أولياءه كذا قرّره الجمهور، وقال الزمخشري: يحاربون رسول الله ومحاربة المسلمين في حكم محاربته أي المراد الإخبار بأنهم يحاربون رسول الله وإنما ذكر اسم الله تعالى تعظيمًا وتفخيمًا لمن يحارب ( { ويسعون في الأرض فسادًا} ) مصدر واقع موقع الحال أي يسعون في الأرض مفسدين أو مفعول من أجله أي يحاربون ويسعون لأجل الفساد وخبر جزاء قوله: ( { أن يقتلوا} ) وما عطف عليه قصاصًا من غير صلب إن أفردوا القتل ( { أو يصلبوا} ) مع القتل إن جمعوا بين القتل وأخذ المال وهل يقتل ويصلب أو يصلب حيًّا وينزل ويطعن حتى يموت خلاف ( { أو تقطع أيديهم وأرجلهم} ) إن أخذوا المال ولم يقتلوا ( { من خلاف} ) حال من الأيدي والأرجل أي مختلفة فتقطع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى ( { أو ينفوا من الأرض} ) [المائدة: 33] ينفوا من بلد إلى آخر وفسر أبو حنيفة رحمة الله عليه النفي بالحبس وأو للتنويع أو للتخيير، فالإمام مخيّر بين هذه العقوبات في قاطع الطريق، وسقط لأبي ذر من قوله { ويسعون} الخ وقال بعد قوله: { ورسوله} الآية، والجمهور على أن هذه الآية نزلت فيمن خرج من المسلمين يسعى في الأرض بالفساد ويقطع الطريق، وهو قول مالك والشافعي والكوفيين.

وقال الضحاك: نزلت في قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا.
وقال الكلبي: نزلت في قوم هلال بن عويمر وذلك أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وادع هلال بن عويمر وهو أبو بردة الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه، ومن مرّ بهلال بن عويمر إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو آمن لا يهاج فمرّ قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من أسلم من قوم هلال بن عويمر ولم يكن هلال شاهدًا فنهدوا إليهم فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزل جبريل بالقضية، ولهذا ذهب البخاري إلى أن الآية نزلت في أهل الكفر والردة.


[ قــ :6449 ... غــ : 6802 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو قِلاَبَةَ الْجَرْمِىُّ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ فَأَسْلَمُوا، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا،
فَفَعَلُوا فَصَحُّوا فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا وَاسْتَاقُوا فَبَعَثَ فِى آثَارِهِمْ فَأُتِىَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا الوليد بن مسلم) الأموي قال: ( حدّثنا الأوزاعي) عبد الرَّحمن قال: ( حدثني) بالإفراد ( يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة قال: ( حدثني) بالإفراد أيضًا ( أبو قلابة) عبد الله بن زيد ( الجرميّ) بفتح الجيم وسكون الراء ( عن أنس -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سنة ست ( نفر) من الثلاثة إلى العشرة من الرجال ( من عكل) بضم العين المهملة وسكون الكاف قبيلة معروفة ( فأسلموا فاجتووا المدينة) بالجيم الساكنة وفتح الفوقية والواو الأولى وضم الثانية أي أصابهم الجوى وهو داء الجوف إذا تطاول أو كرهوا الإقامة بها لسقم أصابهم ( فأمرهم) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا أبوالها وألبانها) للتداوي ( ففعلوا) الشرب المذكور ( فصحوا) من ذلك الداء ( فارتدوا) عن الإسلام ( وقتلوا رعاتها) أي رعاة الإبل، وسبق في الوضوء وقتلوا راعي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنه يسار النوبي ( واستاقوا) بحذف المفعول ولأبي ذر واستاقوا الإبل ( فبعث) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في آثارهم) بمدّ الهمزة أي وراءهم الطلب عشرين أميرهم كرز فأدركوهم فأخذوا ( فأتي بهم) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسارى ( فقطع أيديهم وأرجلهم) من خلاف ( وسمل) بفتح المهملة والميم واللام فقأ ( أعينهم) أي أمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك لأنه باشر ذلك بنفسه الزكية ( ثم لم يحسمهم) بسكون الحاء وكسر السين المهملتين أي لم يكوِ مواضع القطع لينقطع الدم بل تركهم ( حتى ماتوا) .

وزاد عبد الرزاق في آخر هذا الحديث قال: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} [المائدة: 33] الآية.
وأخرج الطبري من طريق ابن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس في آخر قصة العرنيين قال: فذكر لنا هذه الآية نزلت فيهم { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} وعند الإسماعيلي من طريق مروان بن معاوية عن معاوية بن أبي العباس عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله تعالى: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} قال: هم من عكل، وفي الصحيحين أنهم كانوا من عكل وعرينة.

والحديث سبق في باب أبوال الإِبل في كتاب الوضوء.