فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب بدء الأذان

كتاب الأذان
بالذال المعجمة وهو في اللغة الإعلام وفي الشرع إعلام مخصوص بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة ثابت لابن عساكر ساقط في رواية أبي ذر وغيره.


باب بَدْءُ الأَذَانِ
وقوله عزَّ وجلَّ: { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] .

وقوله: { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] .

( باب بدء الأذان) بهمزة بعد الدال المهملة أي ابتدائه وللأصيلي وأبي ذر بدء الأذان فأسقط التبويب ( وقوله) بالرفع أو بالجر عطفًا على المجرور السابق وللأصيلي وقول الله ( عز وجل) ( وإذا ناديتم) أذنتم داعين ( إلى الصلاة) التي هي أفضل الأعمال عند ذوي الألباب { اتخذوها هزوًّا ولعبًا} أي اتخذوا الصلاة أو المناداة وفيه دليل على أن الأذان مشروع للصلاة { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] معاني عبادة الله وشرائعه واستدلّ به على مشروعية الأذان بالنص لا بالمنام وحده قال الزهري: فيما ذكره ابن كثير الحافظ قد ذكر الله التأذين في هذه الآية رواه ابن أبي حاتم ( وقوله) تعالى بالرفع والجر كما مر { إذا نودي للصلاة} أذن لها { مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] عند قعود الإمام على المنبر للخطبة زاد في رواية الأصيلي، الآية واللام للاختصاص، وعن ابن عباس فيما رواه أبو الشيخ أن فرض الأذان نزل مع الصلاة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] والأكثرون على أنه برؤيا عبد الله بن يزيد وغيره، ووجه المطابقة بين الترجمة والآيتين كونهما مدنيتين وابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة فالراجح أن الأذان كان في السنة الأولى من الهجرة.



[ قــ :587 ... غــ : 603 ]
- حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ.
[الحديث 603 - أطرافه في: 605، 606، 607، 3457] .

وبالسند قال ( حدّثنا عمران بن ميسرة) بفتح الميم وسكون المثناة التحتية الأدمي البصري ( قال حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التنوري بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون البصري ( قال حدّثنا خالد) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي ( خالد الحذاء) ( عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد ( عن أنس) وللأصيلي زيادة ابن مالك ( قال ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى) كذا وقع مختصرًا في رواية عبد الوارث وساقه بتمامه عبد الوهاب في الباب اللاحق حيث قال لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن يوروا نارًا ويضربوا ناقوسًا ( فأمر بلال) بضم الهمزة أي أمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما وقع مصرحًا به في رواية النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب ( أن يشفع الأذان) بفتحات وسكون الشين أي يأتي بألفاظه مثنى إلا لفظ التكبير في أوّله فإنه أربع وإلا كلمة التوحيد في آخره فإنها مفردة فالمراد معظمه ( وأن يوتر الإقامة) إلاّ لفظ الإقامة فإنه يثنى واستنبط من قوله فأمر بلال وجوب الأذان والجمهور على أنه سُنّة وأجاب القائل بالوجوب بأن الأمر إنما وقع بصفة الأذان في كونه شفعًا لا لأصل الأذان ولئن سلمنا أنه لنفس الأذان لكن الصيغة الشرعية واجبة في الشيء ولو كان نفلاً كالطهارة لصلاة النفل وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم أن يكون الأصل مأمورًا به قاله ابن دقيق العيد.

ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون وفيه التحديث والعنعنة والقول وأخرجه المؤلّف في ذكر بني إسرائيل ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة.




[ قــ :588 ... غــ : 604 ]
- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: "كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا.
فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى،.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ.
فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلاً يُنَادِي بِالصَّلاَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ».

وبه قال ( حدّثنا محمود بن غيلان) بفتح الغين المعجمة العدوي المروزي ( قال حدّثنا عبد الرزّاق) بن همام ( قال أخبرنا ابن جريج) عبد الملك ( قال أخبرني) بالإفراد ( نافع) مولى ابن عمر ( أن ابن عمر) بن الخطاب ( كان يقول كان المسلمون حين قدموا المدينة) من مكة في الهجرة ( يجتمعون فيتحينون الصلاة) بالحاء المهملة يتفعلون أي يقدّرون حينها ليدركوها في الوقت وللكشميهني فيتحينون للصلاة ( ليس ينادى لها.
)
بفتح الذال مبنيًّا للمفعول وفيه كما نقلوا عن ابن مالك جواز استعمال ليس حرفًا لا اسم لها ولا خبر ويجوز أن يكون اسمها ضمير الشأن وخبرها
الجملة بعد وفي رواية مسلم ما يؤيد ذلك ولفظه ليس ينادي بها أحد ( فتكلموا) أي الصحابة رضي الله عنهم ( يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا) بكسر الخاء على صورة الأمر ( مثل ناقوس النصارى،) الذي يضربونه لوقت صلاتهم ( وقال بعضهم: بل بوقًا) أي اتخذوا بوقًا بضم الموحدة ( مثل قرن اليهود) الذي ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته ويسمى الشبور بفتح الشين المعجمة وتشديد الموحدة المضمومة فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد الأذان فجاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقصّ عليه رؤياه فصدقه وسقطت واو وقال لأبي الوقت ويل في رواية أخرى ( فقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ( أو لا) بهمزة الاستفهام وواو العطف على مقدّر أي أتقولون بموافقتهم ولا ( تبعثون رجلاً) زاد الكشميهني منكم حال كونه ( ينادي بالصلاة؟) وعلى هذا فالفاء هي الفصيحة والتقدير كما مرّ فافترقوا قاله القرطبي وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن سياق حديث عبد الله بن زيد يخالف ذلك فإن فيه أنه لما قصّ رؤيه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال فسمع عمر الصوت فخرج فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: رأيت مثل الذي رأى فدلّ على أن عمر لم يكن حاضرًا لما قصّ عبد الله قال والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي بالصلاة كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه وأن رؤيا عبد الله كانت بعد ذلك وتعقبه العيني بحديث أبي بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار عند أبي داود فإنه قال فيه بعد قول عبد الله بن زيد: إذ أتاني آتٍ فأراني الأذان وكان عمر قد رآه قبل ذلك فكتمه فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما منعك أن تخبرنا إلى آخره وليس فيه أن عمر سمع الصوت فخرج فقال فهو يقوّي كلام القرطبي ويردّ كلام بعضهم أي ابن حجر انتهى.

وأجاب ابن جحر في انتقاض الاعتراض بأنه إذا سكت في رواية أبي عمير عن قوله فسمع عمر الصوت فخرج وأثبتها ابن عمر إنما يكون إثبات ذلك دالاًّ على أنه لم يكن حاضرًا فكيف يعترض بمثل هذا ( فقال) بالفاء ولأبي الوقت وقال ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) ( يا بلال، قم فنادِ بالصلاة) أي اذهب إلى موضع بارز فنادِ فيه بالصلاة ليسمعك الناس كذا قاله النووي متعقبًا من استنبط منه مشروعية الأذان قائمًا كابن خزيمة وابن المنذر وعياض نعم هو سنة فيه وبه استدلّ العلاّمة الجلال المحلي للقيام موافقة لمن تعقبه النووي فإن قلت ما الحكمة في تخصيص الأذان برؤيا رجل ولم يكن بوحي، أجيب لما فيه من التنويه بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والرفع لذكره لأنه إذا كان على لسان غيره كان أرفع لذكره وأفخر لشأنه على أنه روى أبو داود في المراسيل أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال فقال له عليه الصلاة والسلام: سبقك بها الوحي.

ورواة هذا الحديث خمسة وفيه التحديث والإخبار والقول وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي.